إذا كانت الجنسية نظام قانوني يتحدد به ركن الشعب، فال تسند إلى غير الأفراد، وإذا كان الفرد هو الوحدة في تكوين الشعب، فإنه هو الذي يصلح لأن يكون طرفاً في رابطة الجنسية، أما الجماعة أو الأسرة فلا تصلح أن تكون طرفاً فيها، ولا يوجد للأسرة جنسية حتى إذا انتمى كل أعضائها إلى جنسية واحدة. ولما كان قيام الدولة بمنح الجنسية يتوقف على ثبوت الشخصية الدولية لها، فإن صلاحية الفرد لأن يكون طرفاً في رابطة الجنسية يتوقف أيضاً على ثبوت الشخصية القانونية له. ومن ثم لم يصلح الرقيق – قبل الغاء نظام الرق –أن يكون طرفاً في رابطة الجنسية لانعدام الشخصية القانونية له، فكان الرقيق يعد من الأشياء وبالتالي كان محلاً للحق وليس طرفاً فيه. وكل إنسان – الآن – له شخصية قانونية، أي له القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، ولا يعين اشتراط توافر الشخصية القانونية أو أهلية الوجوب، ضرورة توافر أهلية الأداء، أو توافر القدرة الإرادية على اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات. إذ تثبت الجنسية للطفل غير المميز وللمجنون أو أي شخص لمي بلغ سن الرشد أو كان مصاباً بمرض عقلي.

وإذا كان يشترط ثبوت الشخصية القانونية للفرد كي يكون طرفاً في رابطة الجنسية، فما هو موقف الأشياء كالسفن والطائرات والتي شاع استعمال اصطلاح الجنسية بالنسبة لها؟. نبادر إلى القول بأن الأهلية الخاصة بهذه الأشياء، والحاجة العملية التي دعت إلى ربطها بدولة معينة )دولة العلم( سواء في زمن السلم أو في زمن الحرب. وما يتطلبه من تحديد ما إذا كانت تابعة لدولة محاربة أو محايدة، والقانون الواجب التطبيق عليها وعلى الإجراءات والتصرفات التي تقع على ظهرها، كل ذلك أسهم في شيوع استخدام اصطلاح الجنسية بالنسبة لها. وواقع الأمر، أن هذه الأشياء لا تصلح لأن تكون طرفاً في رابطة الجنسية لعدم تمتعها بالشخصية القانونية، وغياب الحس والاعتبارات الوطنية والروحية لديها. ومن ثم فإن الرأي السائد، يقول بأن الأشياء لا جنسية لها. بيد أن ما يشاع من اطلاق هذا اللفظ عليها هو من قبيل المجاز، ولا يحمل أكثر من تحديد تبعيتها أو انتسابها لدولة معينة وهي الدولة التي تحمل علمها، دون أن يكون لها جنسية بمدلولها السياسي والروحي. ومن جانب آخر، يثور التساؤل حول مدى إمكان تمتع الشخص الاعتباري بالجنسية؟

لقد احتدم الجدل حول هذا الموضوع. فاتجه جانب من الفقه إلى القول، بأن الشخصية القانونية كما تثبت للإنسان فإنها تثبت أيضاً لجموع من الأفراد أو من الموال، يخلع عليها القانون الشخصية القانونية وهي شخصية اعتبارية أو معنوية، حيث تقوم بدور هام في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمعات الحديثة، الأمر الذي يستوجب تحديد القانون الذي يحكم نشأة الشخص الاعتباري وانقضائه وما يقوم به من نشاط قانوني، ولا يتسنى تحديد هذا القانون إلا من خلال إسناد الشخص الاعتباري إلى دولة معينة، للوقوف على ما يتمتع به من حقوق )مثل حق تملك العقارات( وما يتحمله من التزامات )مثل أداء الضرائب( فيسوي هذا الجانب من الفقه بين الأشخاص الطبيعية والأشخاص الاعتبارية حيث تتحدد حالته )نظامه القانوني( وفق قانون دولته، وهي الدولة التي يرتبط بها، وهذه الرابطة هي رابطة الجنسية. وعلى ذلك، فإن للشخص الاعتباري شخصية قانونية حقيقية، وله أيضاً جنسية حقيقية، شأنه في ذلك شأن الشخص الطبيعي. وتأكيداً لهذا الاتجاه الفقهي، قضت محكمة النقض المصرية، بأن الجنسية من لوازم الشخص الاعتباري، كما أنها من لوازم الشخص الطبيعي.

بينما اتجه جانب آخر من الفقه، إلى القول بأن استخدام تعبير الجنسية بالنسبة للشخص الاعتباري ينطوي على قدر من التجاوز وإغفال حقيقة الواقع، إذ أن رابطة الجنسية تقوم على الشعور بالولاء وهو شعور مفقود من الشخص الاعتباري المجرد نم الحس، فضلاً عن عدم إمكانيته أداء التكاليف الوطنية كالخدمة العسكرية، فهو كائن افتراضي لا وجود له في الواقع، ولم يكن منحه الشخصية القانونية إلا من قبل المجاز والتحايل لتيسير معاملاته. ومع تسليمنا بأن غدي الشخص الاعتباري عنصراً أساسياً في كيان الدولة الاقتصادي، وأنه لا سبيل إلى تحديد الكثير من حقوقه والتزاماته إلا من خلال تحديد الدولة التي ينتمي إليها. ومع إقرارنا بما تضمنته الاتفاقات الدولية من نص على تمتع الشخص الاعتباري بجنسية دولة معينة، وما أورده القضاء في أحكامه. إلا أننا ومع ذلك، نميل إلى قصر الجنسية على الفرد الطبيعي، مع الإقرار للشخص الاعتباري بانتساب أو إسناد أو تبعية أو خضوع لدولة معينة، وذلك بالقدر الذي يلي حاجاته ويتجاوب مع طبيعته باعتباره مجرد شخص قانوني لا يتوفر له الحس أو الإدراك، حتى نحفظ لمصطلح الجنسية مضمونه الحقيقي باعتباره قائم على الإنتماء السياسي للدولة، ولا نقدم لهذا الشخص المجازي ثوباً فضفاضاً يفوق حاجته الحقيقية

المؤلف : احمد عبد الحميد عشوش
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص12-14

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .