قانون مكافحة جرائم الإنترنت في اليمن .. متى يخرج إلى النور ؟
المحامي / محسـن عـُـبــيــه

ــ في الوقت الذي تتقدم فيه ثورة المعلومات والتقنية الحديثة ، يقابل ذلك الإنجاز تقدم آخر مواز في هذا المجال صيغت باسمه وأسميت بالجريمة الإلكترونية أو المعلوماتية, وبالتالي تزايد خط الجريمة الالكتروني مع تزايد مستخدمي الشبكة العنكبوتيه “الإنترنت” التي بدأت وسيلة مبهرة للمعرفة وتبادل المعلومات وسرعان ما تحولت بمرور الوقت إلى وسيلة لارتكاب الجرائم وتعددت صورها وأشكالها ولم تقتصر على اقتحام الشبكات وتخريبها أو سرقة معلومات منها فقط بل ظهرت الجرائم الأخلاقية التي في مقدمتها تبادل الزوجات والقرصنة والاختطاف والابتزاز والتزوير في التوقيع الالكتروني, والاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت فضلاً عن سرقة المعلومات الحساسة بشتى أنواعها العسكرية والمالية والاقتصادية والسياسية وغيرها من الجرائم على الشبكة العنكبوتية .

ــ وفي ظل التطورات الهائلة لتكنولوجيا المعلومات ونظراً للعدد الهائل من الأفراد والمؤسسات الذين يرتادون هذه الشبكة فقد أصبح من السهل ارتكاب أبشع الجرائم بحق مرتاديها سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو دولاً ومجتمعات بأكملها مثلما حدث مؤخراً عند اكتشاف أجهزة الأمن المصرية وجود خلية تخريبية لحزب الله تعمل في مصر واعتراف أعضاء الخلية أثناء التحقيقات بأنهم تبادلوا المعلومات والمواعيد والأحداث عن طريق استخدام الانترنت ومثل ما حدث في اليمن من سرقة الأموال الخاصة بشركة (كنديان اوكسي) وتحويلها إلى بنوك خارج اليمن عبر الانترنت وهو ما يجعلنا في اليمن نتساءل لماذا لم يصدر قانون يعاقب مرتكبي جرائم الانترنت في اليمن ؟

ــ ويرجع الفراغ التشريعي لهذه الجرائم في رأينا الشخصي إلى أنها جرائم مستحدثة, خصوصاً واليمن في بداية التعامل الالكتروني, أما الآن فقد زاد حجم تلك الجرائم الواقعة بواسطة الانترنت ولابد إزاء ذلك من قانون يحدد المسئولية والعقاب ويعرف الجرائم وعناصرها وأركانها وكيفية القصد الجنائي فيها, إذ لم تعد تنفع القوانين الجزائية والعقابية التقليدية في ردع مرتادي ومرتكبي هذه الجرائم الواقعة بواسطة (النت) ولهذا كان منا طرح هذا الموضوع بإلحاح شديد على المختصين والمعنيين في وزارات العدل والداخلية والاتصالات, للتسريع في مناقشة وإخراج هذا القانون حتى يراء النور وحتى يظهر بالشكل المطلوب والملائم لطبيعة اليمن آخذين بتجارب الدول من سبقنا في هذا المجال .

ــ فهناك مدرستان فقهيتان في هذا الشأن الأولى هي المدرسة الأمريكية التي أفردت قانوناً مستقلاً للانترنت ووضعت في أحد أبوابه قانوناً للمعاملات التجارية عبر الانترنت وقانون حفظ قواعد البيانات والملكية الفكرية وقانوناً للتجارة الالكترونية وقانوناً للجريمة . أما المدرسة الثانية فهي المدرسة الفرنسية التي قامت بتعديل القوانين الوضعية الحالية بإضافة بعض نصوص المواد للتعامل مع الأفعال الحديثة التي حدثت في بيئة الانترنت, وهناك أيضا ما قام به المشرع الإماراتي والسعودي والسوداني والأردني الذين أفردوا قوانين خاصة تصف الأفعال التي ترتكب على أو عبر الشبكات ووضعوا الشكل العقابي المناسب لها .

ــ وبما أنا أصبحنا في عصر العولمة وفي ظل أن العالم أصبح قرية صغيرة فإنه من الضروري أن يكون لدينا نماذج قانونية ذات قواعد موضوعية وإجرائية لا تتعارض مع التشريعات الوطنية السابقة لذا لابد من الدراسة و المراجعة المستدامة لسائر القوانين والقرارات السارية في مجالات الاتصالات والملكية الفكرية والدفع الالكتروني والقوانين العقابية الإجرائية أو الموضوعية وكذلك القوانين الخاصة بتبادل المعلومات وحماية الحق في الخصوصية, لتعديلها بما يواكب المستجدات في مجال جرائم المعلوماتية والاتصالات كلما لزم الأمر.. فلهذا كان من الضروري والأهمية أن تكون التعديلات التشريعية منسجمة حول الجريمة الالكترونية مع الأنماط السائدة في معظم دول العالم بالنظر لكون طبيعة تلك الجرائم عابرة للحدود وتستلزم تعاوناً بين كثير من الدول لضبطها وتحقيقها نظراً لسرعة تطور وسائل وأدوات وأشكال الجريمة الالكترونية ووجوب مواكبة التعديلات التشريعية لتلك التطورات المستمرة, حيث إنه في مجال القوانين العقابية لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص مع ضرورة دعم وإنشاء الادعاء والقضاء المتخصص في الجرائم التكنولوجية نظراً لتزايدها وتكاثرها وتعليم وتدريب رجال الشرطة والنيابة والمحامين وتثقيفهم بصفة مستدامة في مجال جرائم المعلوماتية والاتصالات بواسطة التعليم عن بعد عن طريق الحاسب والانترنت .

ــ لأنه كلما كانت العقوبات رادعة قلت الجريمة ولكن العقوبات الخاصة بالجرائم الالكترونية في اليمن شبة منعدمة, لأنه لا يوجد قانون يعاقب على ارتكابها, فالفاكس لم يكن معترفاً به كدليل إثبات إلا عند ما تم النص على ذلك في القانون, وحتى الآن لم يعترف بالإيميل كوسيلة للإثبات, رغم أن فعل الجريمة كبير ويؤدي إلى عواقب وخيمة تضر الأسرة والمجتمع كله, وللأسف أن القانون الجنائي لا يجوز القياس عليه الأمر الذي يحتم التعجيل بإصدار القوانين التالية : قانون مكافحة جرائم الانترنت , وقانون التوقيع الالكتروني حال كون الجريمة الالكترونية تنتشر بسرعة ويمكن أن تقع في أي دولة وتصيب مواطني دولة أخرى لاتساع شبكة الانترنت على العالم كله وحتى يتم معاقبة هؤلاء المتهمين وتحديد أماكنهم والتدليل على جرائمهم لابد من إصدار القوانين الخاصة وتعاون دولي في هذا الصدد من خلال التوقيع على الاتفاقيات الخاصة في مكافحة الجريمة المعلوماتية وبالأخص الاتفاقية الأوروبية لمكافحة الجريمة المعلوماتية التي يطلق عليها “بودابست” عام 2001م وهي أول اتفاقية في هذا الشأن, وقعت عليها (13) دولة وارتفعت إلى (21) دولة حتى الآن, ولكن لانعرف لماذا اليمن لم تتقدم للتوقيع عليها, حتى لا نعطي المتهمين فرصة للهروب من هذه الجرائم التي يتسع نطاقها يوماً بعد يوم .

ــ ويتضح أن الجرائم التي ترتكب عبر الانترنت تنقسم إلى ثلاثة أنواع: جرائم تستهدف الأشخاص وجرائم تستهدف المعلومات وأخري تستهدف الأموال, والنوع الأول هدفه التشهير بالأشخاص والمؤسسات وهو أخطر الجرائم الالكترونية, أما الثاني فهدفه التلاعب بالمعلومات المخزنة في الجهاز أو اعتراض المعلومات المرسلة بين أجهزة الحاسب الآلي المرتبطة بالشبكة وذلك بغرض التضليل عن طريق تغييرها وتحريفها وتزويرها, أما النوع الأخير فيستهدف اختراق التعاملات المالية والسرقة والاختلاس وجميع هذه الأنواع توجد في اليمن وباقي دول العالم .

ــ وأمام خطورة تلك الجرائم طرحنا هذا المقال التوعوي للتثقيف بمخاطر هذه الجرائم الواقعة بواسطة الانترنت، ولذلك فإننا في اليمن بحاجة إلى سرعة إصدار القوانين التالية :

1- قـانـون مكـافـحة جـرائم الانـتـرنـت.

2- قـانـون الـتـوقــيـع الالـكتـــرونــي.

3- قـانـون المعاملات والتجـارة الالـكتــرونـيـة .

ــ كون استخدام قانون العقوبات اليمني التقليدي لا يفي بالغرض المنشود حتى وإن كانت الجريمة الالكترونية في مهدها إلا أنه لا يؤمن خطرها في المستقبل .

الــــمــــراجــــع :

1ـ العدد (2) الجريدة الالكترونية الأمن والحاسوب قانون مكافحة جرائم الانترنت الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب تونس 26/6/2012م.

2ـ موقع مأرب برس نقلاً عن صحيفة السياسية الأربعاء 28 نوفمبر2007 م .

3ـ التنظيم القانوني للتوقيع الالكتروني د/ خالـد عبـد الفتـاح – طبعة 2009م .

4ـ الأبعاد الاجتماعية للجريمة الالكترونية رسالة ماجستير للطالبة / سبـأ الخُـراسانـي 2013م .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت