واجبات الدولة المنبثقة عن الحق في حرية العقيدة الدينية

المؤلف : كوثر عبد الهادي محمود الجاف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري لعلاقة الدولة بالفرد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

اولاً. ماهية واجبات الدولة
من تطبيقات الحقوق التي تمس المصالح المعنوية للافراد نواجه الحق في حرية الاعتقاد الديني . ومفاده حق الفرد في اعتناق دين معين او عقيدة محددة ، وحقه في ان يمارس العبادات والشعائر والطقوس التي يحصل بها التعبير الخارجي عن الدين الذي يؤمن به . ويتضمن الحق في حرية الاعتقاد الديني، واجبات، تتفرع عنه، وتتولى الدولة وظيفة ادائها (1).
وتتمثل واجبات الدولة بما ياتي :
واجب الاعتراف بالحق في حرية العقيدة الدينية.
واجب كفالة الحق في حرية العقيدة الدينية.
واجب تحديد نطاق الحق في حرية العقيدة الدينية.
1- واجب الاعتراف بالحق في حرية العقيدة الدينية
اذا كان الدستور اداة السلطة في تحقيق الصالح المشترك ، وكان للدستور – بوصفه القانون الاساسي – وظيفته في تنظيم حقوق الفرد ، فكيف يمكن للدستور ان يمد تنظيمه الى حياة الإنسان بكل دقائقها ، وبشكل خاص تنظيم معتقدات الإنسان ؟ ان الدستور يثري بعناصر جديدة باستمرار ، فالنظام القانوني الذي ينظر اليه على انه المحقق للصالح المشترك يتسع على الدوام لانشطة جديدة . وهذا النماء والاغراء المطرد في مضمون القانون يعد اتجاهاً سائداً (2). فمثلاً يتولى المشرع الدستوري ، معالجة مسألة علاقة الدين بالدولة ، ويتضمن نصوصاً صريحة تحدد الدين الرسمي للدولة . كما يحرص المشرع الدستوري على التاكيد على اعتراف الدولة في حرية الاعتقاد الديني واقرارها بحرية ممارسة الشعائر الدينية .

وليس مرد هذا الاعتراف بالحق في حرية العقيدة الدينية ، الى نظام حكم سياسي دون اخر ، وذلك انه انما يعبر عن حقيقة اعمق بكثير ، فذلك الطموح من جانب السلطة التاسيسية الاصلية نحو التنظيم الشامل لجوانب حياة الإنسان باسرها، ليس مرده الا الاتساع المستمر نحو غايات محددة تجسد فلسفة نظام الحكم في الدولة(3) . وواجب الدولة في الاعتراف بحرية العقيدة الدينية ، ينصرف الى جميع مؤسساتها الدستورية ، فيتوجب على تلك المؤسسات ان تعمل على تعزيز وتوكيد ذلك سواء على صعيد التدابير التشريعية ام التنفيذية ام الادارية ، وكذلك دور جهاز القضاء في تاكيد الاقرار بحق الإنسان في حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية .
2- واجب كفالة الحق في حرية العقيدة الدينية
ان الدولة ملزمة من الناحية الدستورية والقانونية ، ازاء الفرد ، باتيان اعمال ايجابية لصالحه .كما تلتزم بالامتناع عن التعرض للفرد في نواحي نشاطاته المادية والمعنوية، مفسحة له المجال للتعبير عن ذاتيته. وتتمثل التزامات الدولة الايجابية في ان تسعى السلطة التاسيسية الاصلية الى تقنين القواعد التي توضح التزام الدولة ومؤسساتها في احترام وكفالة تمنح الافراد بحقهم في حرية اعتقادهم الديني وحريتهم في ممارسة الشعائر والطقوس الدينية(4). ومن هذا المنطلق يتوجب ان تتضمن وثيقة الدستور احكاماً واضحة ومحددة تنص على واجب الدولة – كشخص معنوي عام – في كفالة وضمان التمتع بحرية الاعتقاد الديني وواجب الدولة ومؤسساتها في حماية الافراد من أي مساس او تعدي على حريتهم الدينية .

وتكامل الحماية القانونية يستلزم تدخل المشرع العادي عن طريق سن تشريعات تحمي وتصون حرية الاعتقاد الديني(5). اما التزامات الدولة السلبية فتتمثل في ان تحدد السلطة التاسيسية الاصلية في وثيقة الدستور ، وجوب امتناع اجهزة الدولة عن القيام باية افعال او تصرفات او اتخاذ قرارات من شانها ان تمس وتنتهك حرية العقيدة الدينية .وفي ضوء ما تقدم يتوجب ان تتضمن وثيقة الدستور المبادئ التالية :
واجب الدولة في ان تكفل عدم اكراه أي انسان على اعتناق دين معين .
واجب الدولة في ان تضمن وتصون وتحمي ممارسة الافراد لشعائرهم الدينية (6).

3- واجب تحديد نطاق الحق في حرية العقيدة الدينية
ان اقرار الدستور بحق الافراد في حرية الاعتقاد الديني وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، لا يعني ان هذا الحق مطلق لا يرد عليه أي قيد . حيث نجد ان السلطة التاسيسية الاصلية تحرص – وهي في مجال اقرارها بالحق – على تبيان حدوده ونطاقه. وفي شأن الحرية الدينية وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، نجد ان الوثائق الدستورية تتضمن بعض القيود التي تحد من مداها . وتتمثل تلك القيود فيما يأتي :
عدم تعارض الحرية الدينية وممارسة الشعائر الدينية مع احكام الدستور والقوانين .
عدم تعارض الحرية الدينية وممارسة الشعائر الدينية مع النظام العام والاداب العامة (7).
ويلاحظ ان النصوص الدستورية عادة تحدد الاطر العامة والمبادئ الأساسية الخاصة بنطاق حرية الاعتقاد الديني ، وتترك تفاصيل تلك الاطر والمبادئ الى السلطة التشريعية العادية التي تتولى تنظيمها عن طريق التشريعات العادية (8).
ثانياً: تنظيم واجبات الدولة
– النظم الدستورية
كفلت اكثر دساتير الدول الحق في حرية الاعتقاد ، ولان هذه الحرية تتعلق بعلاقة الفرد بربه ، وهي في الواقع حريتين :
حرية العقيدة : والتي تبيح للانسان ان يعتنق ديناً معيناً .
حرية اقامة الشعائر الدينية : تبيح للانسان ان يزاول شعائر هذا الدين.
ومن الدساتير التي كفلت الحق في حرية الاعتقاد الدستور العراقي لعام 2005، حيث اوجب على الدولة ومؤسساتها العامة كفالة هذا الحق وحمايته من المساس غير المشروع سواء من افراد اجهزتها الامنية ام الافراد العاديين ، وكذلك اوجب عليها مراعاة انظمة الاحوال الشخصية بحسب اختلاف الدين او المذهب ، ومنع الدولة وسلطاتها العامة من فرض نظام معين على أي شخص . واوجب الدستور على الدولة وسلطاتها العامة ايضاً احترام وحماية الاديان باجمعها ، وكذلك تمكين الافراد من ممارسة هذه الحرية بصورة كاملة بما فيها العبادات والاحتفالات الدينية والمآتم والاعياد واعطى الدستور مثال عليها وهي الشعائر الحسينية .

وعلى الدولة ان تكفل عدم اكراه أي شخص على اعتناق دين معين او مذهب معين .واحال المشرع الدستوري امر تنظيم هذه الحرية للمشرع العادي لغرض تبيان حدودها ونطاقها لعدم تعارضها مع النظام الاجتماعي السائد في الدولة او النظام العام والاداب العامة ، وكذلك عدم تعارضها مع احكام الدستور والقوانين ، واضافة الى ذلك حدد لكل مذهب ان يدير اوقافه بحرية وتلبية جميع المستلزمات الخاصة بدور العبادة ، ومنع اجهزة الدولة من التفتيش وضرب دور العبادة في حالة الازمات الداخلية (9).

وضمن الدستور المصري لعام 1971 الحق في حرية الاعتقاد ، واوجب على الدولة وسلطاتها العامة الاعتراف بهذا الحق واقراره وكفالته ومنع اجهزة الدولة من اكراه أي شخص على اعتناق دين معين وترك دينه ، فحرية العقيدة مطلقة .

اما حرية ممارسة الشعائر الدينية ، فقد احال المشرع الدستوري امر تنظيم هذه الحرية للمشرع العادي عن طريق سن التشريعات وتحديد الاطر لعدم تعارضها مع احكام الدستور والقوانين ووفق ما تقتضيه متطلبات النظام الاجتماعي السائد في البلاد ، أي عدم تعارضها مع النظام العام والاديان المختلفة . واعترف المشرع الدستوري الايطالي لعام 1947 بحق حرية الاعتقاد واوجب على الدولة وسلطاتها العامة تمكين الافراد من الاعلان بمعتقدهم باي شكل كان سواء اكان فردي ام جماعي ، واحال الدستور امر تنظيم هذه الحرية للسلطة التشريعية لفرض بعض القيود والشروط وفقاً للقانون وفقاً لما تتطلبه النظام الاجتماعي وعدم تعارضها مع الاداب العامة .

واوجب على الدولة وسلطاتها العامة بكفالة هذا الحق وحمايته من أي اعتداء او مساس غير مشروع سواء اكان من لدن افراد السلطة العامة ام الافراد العاديين . وضمن الدستور السويسري لعام 1999 الحق في حرية الاعتقاد واوجب على الدولة ومؤسساتها العامة بمنح كل شخص حق اختيار معتقده ودينه وحقه في الانضمام الى جالية دينية لتعليم الدين واوجب ايضا على الدولة وسلطاتها العامة عدم اكراه أي شخص للانضمام الى دين معين او معتقد معين ، واوجب ايضا كفالة هذا الحق وحمايته من أي اعتداء سواء افراد اجهزتها الامنية ام الافراد العاديين .

– الدستور الدولي المشترك:
اعلن الاعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الحق في حرية الاعتقاد ، وحث الدول الاعضاء على منح المتواجدين على اراضيها الحق في اعتناق دين معين او اعتقاد معين ، وله الحق في تغيير دينه او معتقده وعلى الدول الاعضاء مراعاة هذا الحق واقراره وكفالته ، وعلى الدول واجهزتها الامنية عدم اكراه الشخص على اعتناق دين معين او معتقد معين ، وكذلك عدم التعرض للشخص في حال تغيير دينه او معتقده ، وفضلاً عن ذلك على الدول وسلطاتها العامة تمكين الافراد اقامة الشعائر الدينية باي شكل سواء اكان مع الجماعة ام بمفرده . وعلى الدول واجهزتها الامنية حمايته من أي اعتداء او مساس غير مشروع سواء من لدن افراد السلطة العامة ام الافراد العاديين . وضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 الحق في حرية الاعتقاد ، والزم الدول الاطراف في العهد باقرار هذا الحق لكل شخص سواء في اختيار دين معين او معتقد .

وعلى الدولة منع افراد سلطتها العامة من اكراه احد في ان يدين بدين معين او منعه من ممارسته حريته باقامة الشعائر الدينية . وعلى الدول وسلطاتها العامة تنظيم هذه الحرية لتمكين الافراد من ممارستها بحرية كاملة ووفق ما تقتضيه متطلبات النظام الاجتماعي ، وذلك بسن قوانين ولتحديد الاطار في كيفية ممارسة هذه الحرية وفرض بعض القيود التي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة او النظام العام او الصحة العامة او الاداب العامة وحماية حقوق الاخرين وحرياتهم الأساسية ومنع وقوع الجريمة . وكذلك تتعهد الدول الاطراف باحترام حرية الاباء ، او الاوصياء عند وجودهم ، في تامين تربية اولادهم دينياً وخلقياً وفقا لقناعاتهم الخاصة .
__________________
1- د. رافع خضر صالح شبر، واجبات الدولة المتولدة عن الحقوق المتصلة بفكر الإنسان، بحث غير منشور، 2006 ، ص14.
2- د. رافع خضر صالح شبر ، واجبات الدولة المتولدة عن الحقوق المتصلة بفكر الإنسان، المصدر السابق، ص 15.
3- عبد الوهاب محمد عبده خليل، الصراع بين السلطة والحرية، محور المشكلة الدستورية، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2004، ص254.
4- د. عصمت عبد الله الشيخ ، النظم السياسية ، ط2، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1997 ص292.
5- د. علي الباز ، الحقوق والحريات والواجبات العامة ، دار الجامعات المصرية ، الاسكندرية ، 1989 ،ص75.
6- د. عبد المنعم محفوظ ، علاقة الفرد بالسلطة ، الحريات العامة وضمانات ممارستها – دراسة مقارنة ، المجلد الاول والثاني ، ط1 ، بلا دار نشر ، بلا تاريخ ، ص121 .
7- ملفين اروفسكي،حقوق الافراد، وزارة الخارجية الامريكية، مكتب برامج الاعلام الخارجي، بلاسنة، ص7 .
8- د. آدمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، جـ2، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط2، 1971 ، ص230 وما بعدها .
9- ينظر المواد المواد (41-43) من الدستور .