مقال قانوني حول التنويم المغناطيسي في التشريع

مقال حول: مقال قانوني حول التنويم المغناطيسي في التشريع

التنويم المغناطيسي في التشريع

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

احتل القانون المدني باعتباره الشريعة العامة مكانة رفيعة بين فروع القانون. ويحظى البحث في موضوعاته بأهمية كبيرة تنبع من دقة مسائله وتشعبها، ومن هذه المواضيع انعدام الأهلية والتمييز لدى الإنسان، وما يترتب على ذلك من آثار قانونية تتمثل في بطلان التصرفات القانونية.

وقد حدد القانون المدني في المادة 47 منه، أسباب انعدام الأهلية؛ بالصغر والعته والجنون. ولكن ثمة أسباب أخرى لإنعدام التمييز لم يتطرق إليها واضع التشريع رغم توافر نفس العلة فيها، وتتمثل بتعاطي المواد المخدرة والتنويم المغناطيسي؛ الذي هو عبارة عن وضعية معينة شبيهة بالنوم تنتج عن إضفاء جذوة مقاومة الوعي بالإيحاء النفسي، وتخلق حالة من انخفاض درجة الوعي نتيجة المؤثرات النفسية الرتيبة؛ بحيث يمكن إقناع المنوَّم بسهولة والتحكم بتفكيره وتصرفاته من قبل المنوِّم؛ أو هو عبارة عن ظاهرة طبيعية تحدث استجابة لنوع من الإيحاء تختلف درجتها بحسب الأشخاص.

ويسمى التنويم المغناطيسي بالتنويم الإيحائي، أو كما يطلق عليه علم النفس الحديث (التأمل الإيحائي)، كونه يقوم على الإيحاء والتأمل بحيث يكون الشخص المنوَّم في حالة استرخاء جسدي وذهني كامل يجعله يستجيب للإيحاءات التي يتلقاها من المنوِّم لإحداث تغييرات في إدراكه الحسي وذاكرته ومزاجه أثناء فترة النوم. وهذا يعني أن التنويم المغناطيسي يعتمد بشكل رئيسي على مدى قابلية الشخص للتنويم، ومدى جاذبية المعالج في الإيحاء.

ووفقاً لما جاء في دراسة عن منظمة الصحة العالمية، فإن 90% من الأشخاص قابلين للتنويم الإيحائي. وكان أول من استخدم التنويم المغناطيسي المصريون القدماء والبابليون واليونانيون، ثم أعاد اكتشافه في القرن الثامن عشر الطبيب النمساوي “فرانز أنطوان مسمر”، الذي استخدمه كوسيلة لتخدير مرضاه، واعتقد الناس أن ما يفعله هو نوع من السحر والشعوذة.. وعلى أثر ذلك شكّلت أكاديمية العلوم الفرنسية لجنة لدراسة الموضوع، أعلنت بدورها أن ما يقوم به مسمر هو نوع من الاحتيال لا علم فيه، فاحتج مسمر على ذلك، وشُكلت لجنة جديدة برئاسة عالم الفيزياء الشهير “لافوازييه”، وقررت هذه اللجنة أن ما يقوم به مسمر هو حقيقي وأن المرضى ينامون بالفعل، ويوجد نتائج إيجابية تحققت تؤكد ذلك.

وبناء عليه عرضت الحكومة الفرنسية على مسمر مكافأة مالية مقدارها عشرون ألف فرنك مقابل كشف سر التنويم المغناطيسي، إلا أنه رفض ذلك. وفي عام 1842 تمكن الطبيب الانجليزي “جميس بريد” من اكتشاف حقيقة التنويم المغناطيسي من حيث أنه يعتمد على مدى القابلية، ويُحدث شلل وظيفي مؤقت في جفن العين ويُخضع الشخص المنوَّم عن طريقة الإيحاء للشخص المنوِّم؛

وبذلك أضحى التنويم المغناطيسي حقيقة لا خيال؛ يستخدم من قبل الأطباء النفسيين في علاج مشاكل الأرق والأعصاب والصداع وإدمان الكحول والمخدرات والاضطرابات السلوكية وحالات فقدان الذاكرة والسيطرة على الألم والاضطرابات الجنسية، وغيرها من الأمراض النفسية؛ من خلال استخدام أسلوب يعتمد على الإقناع؛ بحيث يضعك المنوِّم بين خيارين؛ الأول أن تصدقه والثاني أن لا تصدقه؛ فإن صدقته يتوقف العقل الخارجي عن العمل وتنام مغناطيسياً وتفعل كل ما تؤمر به من قبل المنوِّم، بحيث يكون المنوَّم مسلوب الإرادة سلباً تامأ، ويستجيب لأي أوامر من المنوِّم ويطيعه من غير وعي، ويقبل هذه الأوامر دون نقاش، وتسمى هذه الأوامر بالإيحاءات. ومن الممكن أن ينفذ المنوَّم بعض الأمور بعد أن يستيقظ دون أن يعلم أن الإيحاء بها تم أثناء التنويم المغناطيسي وتسمى هذه الحالة بالإيحاء التالي للنوم.

نستنج مما سبق أن التنويم المغناطيسي يعتبر حالة من حالات فقدان الوعي والإدراك والتمييز الطارئة أو العارضة؛ فيكون المنوَّم كالمجنون لا وعي أو اختيار أو إدراك لديه؛ بل هو أشدّ صعوبة من وضع المجنون لأنه يتلقى التعليمات والأوامر من المنوِّم وينفذها دون وعي أو اختيار فيصبح شبيهاً بالآلة.

وعلى الرغم من ذلك، نجد أن القانون المدني السوري لم يتطرق إلى التنويم المغناطيسي عند النص على أسباب انعدام الأهلية والتمييز؛ ولم يقرر بطلان التصرفات التي تحدث تحت تأثيره؛ كما أن أحكام صحة الرضا لم تعالج هذه الحالة واقتصرت على الغلط والإكراه والغبن والاستغلال والتدليس.. ولا يمكن في الوقت عينه اعتباره مرضاً عقلياً، وتطبيق ما استقر عليه التعامل القضائي بخصوص الأمراض العقلية لاختلاف واقع الحال بين الأمرين؛ فالأمراض العقلية تنشأ لسبب لا يد للشخص فيه، أما في بعض حالات التنويم المغناطيسي فيكون المنوَّم قابلاً للتنويم والخضوع للتجربة، وإن كانت النتيجة واحدة من حيث فقدان الإرادة والوعي والتمييز؛ لذلك لابد عند الإدعاء بصدور تصرف قانوني ما، وطلب إبطاله بذريعة صدوره تحت تأثير التنويم المغناطيسي، من الاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص للتحقق من صحة الإدعاء من عدمه، وللمحكمة بما لها من سلطان في تقدير الوقائع والظروف والملابسات الأخذ به أو طرحه من عدمه، في ضوء قناعتها الوجدانية، وإن كنا نرجو من المشرّع اعتبار التنويم المغناطيسي من ضمن العوارض التي تعدم الأهلية واعتبار التصرفات التي تمت بتأثيره باطلة..!!

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.