حق التقاضي في الشؤون الضريبية

ان حق التقاضي مكفول.ومن البديهي في هذا الصدد ان يشمل حق التقاضي كل النزاعات و في كل المجالات ومنها المجال الضريبي,فمن باب الحرص على توفير الحماية للمكلف من تعسف السلطة المالية وهي تمارس سلطتها في فرض الضريبة وتقديرها وجبايتها,نجد ان اغلب التشريعات قد اناطت مهمة الرقابة في الشؤون الضريبية بجهة قضائية او اكثر تتصف بالاستقلال والحياد يهرع اليها المكلف لحسم النزاع لكون القضاء يرتقي الى ان يكون الحصن الحصين والحامي الامين لحقوق المكلف,

فان حادت السلطة المالية عن جادة الصواب كان للقاضي ان يقضي باعادة الحق الى نصابه عن طريق الغاء الضريبة كلاً او جزءاً وبالنتيجة فان وجد ان المكلف غير محق في دعواه التي اقامها على السلطة المالية امتنع عن الاستجابة لطلبه,

ويطلق على الجهة القضائية التي يعهد اليها مهمة البت في الخصومات التي تنشأ بين المكلف والسلطة المالية اصطلاح (القضاء الضريبي) وفي هذا الصدد، يلاحظ ان التشريعات الضريبية المعاصرة تتباين في تحديد القضاء المختص بنظر المنازعات الضريبية، ففي بعض الدول نجد ان مهمة النظر في هذه المنازعات قد انيطت بالقضاء العادي ومن ذلك مثلاً بريطانيا وكذلك فقد سمح المشرع العراقي في ظل قوانين ضريبة الدخل الملغاة لمحكمة التمييز النظر في المسائل القانونية التي يتضمنها قرار لجنة التدقيق بناءً على الطعن المقدم من السلطة المالية او المكلف.

وفي دول اخرى كالسويد، انيطت مهمة الفصل بالمنازعات الضريبية للقضاء الاداري على اعتبار ان السلطة المالية هي جهة ادارية.

اما في دول اخرى كفرنسا فقد تم شطر هذا الاختصاص بين القضاءين العادي والاداري، اذ اختص القضاء الاداري في نظر المنازعات المتعلقة بالضرائب المباشرة اما المنازعات ذات الصلة بالضرائب غير المباشرة فينظرها القضاء العادي.

اما القضاء الضريبي المتخصص فقد كان منحى دول اخرى كثيرة كالقانونين الالماني والاردني اذ تتولى جهة قضائية متخصصة النظر في المنازعات الضريبية حصراً وذلك لما يتمتع به القانون الضريبي من ذاتية واستقلال عن باقي فروع القانون الاخرى وخصوصا القانونين المدني والاداري.

والسؤال الاهم في هذا الميدان يتحدد بمدى تكريس المشرع العراقي لحق التقاضي في المنازعات الضريبية, وما نوع الجهة القضائية التي تبت في هذه المنازعات؟

للاجابة على هذه التساؤلات لا بد من التمييز بين مرحلتين:
المرحلة الاولى:
هي المرحلة التي سبقت صدور القرار رقم 10 في 22/ 2/ 2003. وفيها كانت للقضاء العادي صلاحية النظر في المنازعات الخاصة بقانون ضريبة الدخل. فقد كانت محكمة التمييز جهة مختصة بالنظر في الطعون بالمسائل القانونية في القرارات الصادرة عن اللجان الاستئنافية ( لجان التدقيق).

على ان مسيرة محكمة التمييز في ممارسة هذه الرقابة قد توقفت بصدور قرار مجلس قيادة الثورة – المنحل – المرقم 71 لسنة 1970 الذي منعت بمقتضاه المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها من النظر في المنازعات الضريبية وبقى الامر على حاله في ظل قانون ضريبة الدخل النافذ الى ان صدر قرار مجلس قيادة الثورة-المنحل- رقم 10 لسنة 2003 الذي الغى نص المادة (55) من قانون ضريبة الدخل النافذ والتي نصت على ان ” لاتسمع المحاكم اية دعوى تتعلق بتقدير الضريبة وفرضها وجبايتها او اية معاملة اجريت وفق احكام هذا القانون “.

وخلال هذه الفترة صدر القانون رقم 106 لسنة 1989والذي انشأ لاول مرة قضاءً ادارياً متخصصاً للنظر في طعون الاشخاص بالقرارات الادارية وعليه فأنه كان يفترض ان تختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في الطعون الضريبية لكونها تتعلق بقرارات ادارية صادرة عن الموظفين والهيئات في دوائر الدولة .

الا ان ماحال دون ذلك هو نص الفقرة (ج) من البند ثانياً من المادة (7) من القانون اعلاه والمتضمن استثناءً على اختصاص محكمة القضاء الاداري في النظر بالطعون الضريبية اذ لاتختص هذه المحكمة بمقتضى هذا النص في النظر بالقرارات الادارية التي رسم القانون طريقاً للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها.

ولما كان المشرع الضريبي قد رسم طريقاً للطعن بقرارات تقدير وفرض وجباية الضريبة امام السلطة المالية واللجان الاستئنافية والهيئة التمييزية فأنه بذلك اصبحت المنازعات الضريبية بمنأى عن رقابة محكمة القضاء الاداري، علماً ان اللجان الاستئنافية والهيئة التمييزية لا تعد جهات قضائية على الرغم من انها تطبق قانون المرافعات المدنية في اجراء مرافعاتها وذلك لكون اعضاءها يعينون ببيان يصدر من وزير المالية لا من زوير العدل وان ما يصدر عنها لا يعدو ان يكون قراراً وليس حكماً.

المرحلة الثانية
وهي المرحلة التي تلت صدور القرار رقم 10 لسنة 2003 والذي تم بمقتضاه الغاء نص المادة 55 من قانون ضريبة الدخل النافذ لينعقد للمحاكم بذلك الاختصاص بالنظر في كل ماله علاقة بتقدير وفرض وجباية الضريبة.

ومع اهمية هذه الخطوة الا ان مما تجدر الاشارة اليه هو ان هذا القانون جاء قاصراً عن حسم كثير من المسائل التي قد تثار في هذا الاطار كمصير اللجان الاستئنافية والهيئة التمييزية فهل هي باقية ام ان المحاكم قد حلت محلها بالنظر في المنازعات الضريبية وهل من الممكن ان يقدم الطعن الى المحاكم وتلك الجهات وماهو مدى حجية الاحكام والقرارات الصادرة عنها؟ كل هذه التساؤلات لم يرد لها حل او اجابة في القانون قم 10 لسنة 2003.

ومهما يكن الامر فان اهم ما جاء به هذا القرار هو فسح المجال للمحاكم على اختلاف انواعها وتعدد درجاتها للخوض في منازعات ضريبة الدخل وعلى ارض الواقع نجد ان القضاء العادي – في هذه المرحلة – قد مارس رقابته على قرارات السلطة المالية وفي الوقت الذي باركنا فيه بما يسعى اليه القضاء العادي من الاضطلاع بدور فاعل في ممارسة الرقابة على قرارات السلطة المالية في فرض الضريبة فأننا كنا نأمل من محكمة القضاء الاداري ان تمارس دورها الرقابي في هذا المجال لكونها صاحبة الاختصاص الاصيل في نظر المنازعات الادارية ومنها المنازعات الضريبية

وذلك الى حين انشاء قضاء اداري متخصص ينظر بالمنازعات الضريبية فحسب تصدر عنه احكام على درجة عالية من الدقة من دون التأثر بقواعد القانون الاخرى التي يتميز عنها القانون الضريبي بذاتية واستقلالية فضلاً عما يحققه هذا القضاء من ضمان لمصلحة الخزانة والمكلف على حد سواء من خلال ما يضمنه من حياد وتوحيد للاحكام القانونية الضريبية وهذا الامر يقتضي اعداد قضاة مؤهلين وعلى المام كافٍ بالقوانين الضريبية والتي يتوجب ادخالها ضمن مفردات المناهج التدريسية المقررة في المعهد القضائي.

وامام هذه الامال والطموحات، صادق مجلس النواب مؤخراً على تعديل يتضمن اعادة العمل بالمادة (55) من قانون ضريبة الدخل النافذ ليقضي بذلك على حق التقاضي في النزاعات الضريبية وهذا ما لا ينسجم مع المسيرة الديمقراطية التي يسير بها عراقنا العزيز وهذا ما يدفعنا الى مناشدة ممثلينا في البرلمان الى اعادة النظر والتأمل في هذه الاشكالية لما لها من خطورة بالغة تتجلى في حرمان المكلفين المتضررين من تطبيق القوانين الضريبية من اللجوء الى دور العدالة,تلك الدور التي لا يليق لغيرها ان يتصف بالحيادية والاستقلال .
* باحث مالي