الإندماجات … والهروب من الواقع

د. فيصل بن حماد
يلاحظ في الآونة الأخيرة (كثرة) الحديث عن الإندماجات بين شركات القطاع الخاص والبنوك في المملكة، وهذه (الظاهرة) بدأت بوادرها بالظهور بعد القرارات (الحكيمة) برفع الدعم عن شركات القطاع الخاص وتخفيض نسبة المشاريع الحكومية التي كانت الكثير من شركات القطاع الخاص (تقتات) عليها.

هذه المرحلة الإنتقالية التي يمر بها اقتصادنا، كشفت الكثير من نقاط الضعف في قطاعنا الخاص، والذي بجانب إتكاليته على المشاريع الحكومية والدعم السخي، يعاني من عدم قدرة الكثير من شركاته على القيام بذاتها من خلال حسن الإدارة واستغلال الموارد المتوفرة من مادية ومعرفية أو بشرية.

العجيب في الأمر عندما يتم النظر للكثير من هذه الإندماجات على أنها (إيجابية) وسوف تخلق الكثير من الفرص ((التنافسية))، وترفع مستوى الجودة والربحية…. ببساطة، لماذا ترغب شركة (اكس) بالإندماج مع شركة (واي) في نفس القطاع ومناصفة الأرباح إذا كانت قادرة على أن تجنيها (بنفسها)؟

بجانب أن قوانين (منع الاحتكار) العالمية تضع الكثير من (الإندماجات) أو (الاستحواذات) بمعنى آخر تحت المجهر للفحص والتقصي لحماية: صغار الشركات في القطاع المعني و(المستهلكين)، وضمان خلق أسواق متنوعة ومنافسة بالأسعار والجودة. بجانب أن في كل عملية إندماج هنالك طرف (أقوى) مما يتسبب في تغيير العملية من (إندماج) آلي استحواذ في أغلب الظروف!

وتجدر الاشارة الى أنه من ناحية قانونية عند الإندماج يتم دمج الشركتين إلى شركة واحدة، ولكن عند الاستحواذ تستحوذ شركة على أسهم وأصول الشركة الأخرى. ولكن من زاوية اقتصادية وتجارية يتم عند الإندماج والاستحاواذ دمج الأصول والديون تحت شركة واحدة ويصبح التفريق بين الدمج والاستحواذ غير واضح !

الحقيقة (المرة)، هي أن الإندماجات بطبيعتها (سلبية)، والتجارب العالمية في هذا الخصوص تعاني من نسبة فشل مرتفعة توازي (83٪)، ونسب الفشل (هذه) لاتقتصر على نشاط اقتصادي بعينه. ففي المجال البنكي فشل (بنك اوف امريكا) في 2008 من الاستحوذ على شركة (كونتري وايد) للتمويل بمبلغ (2.5 مليار) دولار، مما تسبب في تحمل (بنك اوف امريكا) أكثر من (40 مليار) دولار كتكلفة من جراء تلك العملية.

وفي القطاع التكنولوجي حاولت شركة (مايكروسوفت) مواكبة شركة (ابل) في منتج الآيفون بالاستحواذ على شركة نوكيا بمبلغ (7.5 مليار) دولار لتطوير أنظمة الآندرويد، والتي كانت إعلاناتها وعروضها تنتشر بشوارعنا في العامين الماضيين بكل مكان، لكن فشل الاستحواذ وتسبب في فصل الكثير من موظفي نوكيا. والكثير من الإندماجات الأخرى مثل اندماج شركة كرايسلر ومرسيدس عام 1998 والتي خرجت منه مرسيدس بشق الأنفس عام 2007 بدفع مبلغ يعادل (650 مليون) لشركة متخصصة للتخارج.

فعمليات الإندماج ليست سهلة أبداً، وتتجاوز مرحلة اختيار شعار موحد، وتحديد القيم السوقية والدفترية للأسهم (المتداولة) و نسب الدين…، فهي عملية معقدة تتطلب إدراك مفصل عن الهياكل الإدارية، وثقافة الشركات المعنية، ونسب (الإندماج) و(الفصل) بين الإدارات الداخلية، وتمتد إلى مرحلة حسن توقع الطلب في السوق المحلي، ووضع خطط معنية بطرق مواكبته .

إلا إذا… كان الغرض من الإندماج أو الاستحواذ هو (تضييع) ملامح الفشل في الأوراق المالية لتخفيف الوطائه، هنا يكون (للببغاوات) الاقتصادية التي تجيد تكرار مصطلحات (كالجاذبية والتنافسية) دور لإثبات التواجد بأي (شكل) كان. لكن تبقى عمليات زراعة الأعضاء أكثر نجاحاً كنسبة وتناسب .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت