الطبيعة الملزمة للتدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية

المؤلف : عز الدين الطيب آدم
الكتاب أو المصدر : اختصاص محكمة العدل الدولية في النزاعات الدولية ومشكلة الرقابة على قرارات مجلس…
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

قبل تناول مسألة الطبيعة الملزمة للتدابير المؤقتة، في اتجاهات شراح القانون الدولي، كان لا بد من الإشارة فيما اختلف فيه هؤلاء حول اصطلاح “الحكم” الذي يقع على عاتق الدولة الالتزام بتنفيذه، ومرد ذلك يعود حسب الأصل لاختلاف المعاني ومدلولات العديد من المصطلحات القانونية التي جاءت في صياغة بعض أحكام نظام المحكمة الأساسي ولائحتها الداخلية، لذا أن المحكمة تصدر أحكاما “”Judgments، Arrest أو قرارات “Decisions” أو أوامر قضائية”Judical orders ” أو توصيات “Recommendations” أو مقترحات “Suggestions(1). وهكذا قد اتسعت دائرة اللبس والخلاف حين استخدم كل من الميثاق ونظام المحكمة اصطلاحين للدلالة على الأحكام دون تمييز بينها، وهما اصطلاح Judgment والآخر Decision، الأمر الذي شجع بعض الشراح بالقول بأن “أحكام المحكمة ” تنصرف لكل ما يصدر عنها من قرارات، ويستندون في آرائهم إلى أن نظام المحكمة نفسه يستخدم اصطلاح حكم “Judgment” من المادتين (60) و(61) بينما استخدم اصطلاح قرار “Decision” من المادة (59) الخاصة بآثار الحكم(2). أما في الميثاق قد استخدم اصطلاح “قرار” في الفقرة الأولى من المادة (94) واستخدم اصطلاح “حكم” في الفقرة الثانية من نفس المادة(3).

أ) معيار القوة الملزمة للتدابير المؤقتة:

أن محكمة العدل الدولية لم تتخذ موقفا لتحديد القوة الملزمة للتدابير المؤقتة بالذات، لكن المحكمة الدائمة للعدل الدولي وقد ميزت بين الحكم النهائي والأوامر في قضية المناطق الحرة عام 1932 حيث ذكرت إن الأوامر ليس لها قوة ملزمة(4). لقد اختلف شراح القانون الدولي International Law scholars حول القوة الملزمة للتدابير المؤقتة نتيجة اختلاف الاصطلاحات القانونية التي جاءت في صياغة المادة (41) من نظام المحكمة التي تشكل الأساس القانوني الذي تستند عليه المحكمة لتقرر التدابير المؤقتة لذا قد تعددت الآراء الفقهية بشأن تفسيرها خاصة حول الاصطلاحين”Indicate and suggested” حيث جاء الاصطلاح الأول Indicate في الفقرة الأولى لاحقاً من المادة (41) أما الثاني قد جاء في الفقرة الثانية من نفس المادة(5). ويلاحظ أن النص الفرنسي للمادة ذاتها قد استخدم اصطلاحاً واحداً في فقرتي هذه المادة المذكورة(6).

ب) مدى التزام المحكمة بالتدابير المؤقتة:

يلاحظ أن التزام المحكمة بالتدابير المؤقتة التي سبق أن أمرت بها يستند أساساً إلى نص الفقرة الأولى من المادة (76) من لائحة المحكمة الداخلية التي لا تجيز لها أن تأمر بإلغاء أو تعديل الإجراءات المؤقتة التي أصدرتها بناءاً على طلب أحد أطراف النزاع، إلا ذا كان هناك تغير جوهري يبرر ذلك أوضحت الفقرة الثانية من هذه المادة (76/2) الإجراءات الواجب اتباعها من ضرورة أن يتضمن طلب الإلغاء أو التعديل بيان الأسباب التي تبرره، وفي كل الظروف ينبغي على المحكمة تمكين أطراف الدعوى من تقديم ملاحظاتهم بشأن هذا الطلب. من المفيد ذكره بان المحكمة أن كانت تلتزم باحترام التدابير المؤقتة التي سبق إقرارها منها بمقتضى المادتين (41) من نظام المحكمة والمادة (76/1/2) من لائحة المحكمة إلا أن هذه التدابير المؤقتة لا تحوز على حجية الشيء المقضي من إمكانية إلغائها أو تعديلها، فضلاً عن أنها لا تنهي النزاع(7).

ج) مدى التزام أطراف النزاع بالتدابير المؤقتة:

إذا كان التزام المحكمة بالتدابير المؤقتة واضحا فان الأمر لم يعد كذلك في مواجهة أطراف النزاع، لقد أثارت هذه التدابير جدلا بين الفقه والشراح إذ انقسموا بشأنها انقساما شديدا إلى اتجاهين، فالاتجاه الأول فيرى أن التدابير المؤقتة ليست لها أي قوة قانونية ملزمة و إنما هي ليست إلا مجرد اقتراحات للطرف المعني ضرورة مراعاتها أي لها قيمة أدبية،”Those who view interium order as mere” أما الاتجاه الثاني يرى أن الأوامر المؤقتة “suggestions to the parties involved” لها قوة قانونية ملزمة شأنها في ذلك شأن الإحكام النهائية(8).

1)الاتجاه الأول:

من اشهر أنصار هذا الاتجاه الفقيه Dumbauld يرون إن التدابير المؤقتة ليس لها قوة ملزمة إذ أن المادة (41) من نظام المحكمة تأذن للمحكمة بإصدار اقتراحات غير ملزمة بطريقة أو أخرى للأطراف في النزاع للإبقاء على الحالة الراهنة “statue quo” ومن ثم لا تندرج هذه التدابير في الأحكام النهائية. يضيف هؤلاء بأنهم على قناعة بأن هذه الاقتراحات منذ أن انبثقت من المحاكم الدولية العليا لا تلزم الأطراف إلا أخلاقيا أو أدبيا وليس قانونيا، morally not legally(9). وصفة الإلزام الأدبي ناجمة أصلا عن واجب الإبقاء على الحالة الراهنة، عندما تقوم المحكمة بإصدارها ما هو إلا التزام بتحقيق التزاماتها بموجب القانون الدولي. بل ذهب بعضهم بالقول بأن الأطراف غير ملزمة بالتدابير المؤقتة قانونا ولا حتى أدبيا، ويؤيد هذا الاتجاه العديد من الفقهاء وقضاة المحكمة من أمثال: Kelson، Rosenne، Hudson،Guggenheim، Fitzmaurice و القضاة من أمثال لوترباخت و القاضي شهاب الدين الذي أثاره في رأيه الانفرادي في قضية إبادة الجنس البشري (البوسنة والهرسك ضد يوغسلافيا السابقة ) بقوله ((التدابير المؤقتة ليس لها سوى قيمة أدبية، بالتالي فان عدم مراعاتها لا تشكل خرقاً لالتزام قانوني أن كانت تشكل عدم تناغم مع ما قد تنتهي إليه المحكمة من حكم ))(10).

2)الاتجاه الثاني:

يرى أن التدابير المؤقتة ملزمة للأطراف، شأنها في ذلك شأن الأحكام النهائية Those who agree that they have a legally binding effect لأنها تؤثر بطريقة أو أخرى في الحكم النهائي، يرى أن استخدام اصطلاح indicate في المادة (41) من نظام المحكمة هو أصلاً مستعار من (معاهدات بريان Bryan لتسوية المنازعات بين الولايات المتحدة والصين وفرنسا والسويد) حيث تبنى صائغو هذه المادة إبان الأعمال التحضيرية هذه اللغة من اجل منح المحكمة مرونة flexibility في تحديد اثر هذه الإجراءات التي تصدرها مع أخذها في الاعتبار الوسائل الدبلوماسية بحيث لا تمس اعتبارات السيادة لدول الأعضاء(11). وأشار الأستاذ/ ماني Manin بان اصطلاح “indicate” استخدم من قبل اللجنة القانونية الاستشارية عام 1920 لم يقصد به أن تسلب المحكمة سلطة إصدار أوامر ملزمة للأطراف بقدر ما قصد به ترغيب المحكمة أن تتبع السوابق الدبلوماسية Diplomatic Precedents (12). ويلاحظ أن الأستاذ Hudson كان رأيه مخالفاً لهذا الاتجاه عندما كان يرى أن الاصطلاحين indicate & suggest يعنيان إن الأوامر المؤقتة تفتقر لأي قوى ملزمة “Lacked any binding force(13). يستند أنصار هذا الاتجاه supporters من أشهرهم Dubisson and J.stone بعدد من النظريات القانونية لدعم أراءهم بشأن إلزامية التدابير المؤقتة للأطراف.

أ) الحجة الأولى: واجب الإبقاء على الحالة الراهنة status quo الذي اعتبرته المحاكم الدولية مبدأ عاما من مبادئ القانون الدولي بالتالي يكون واجب النفاذ دون حاجة لتشريع يضفي عليه هذه الصفة الملزمة، وفقا لهذا التفسير فان المادة (41) من نظام المحكمة إعادة الحياة لقاعدة موجودة أصلاً في هذا المبدأ بمقتضى القانون الدولي(14).

ب) الحجة الثانية: للمحكمة سلطة الحق الطبيعي في إصدار التدابير المؤقتة الملزمة The court has inherent power وفقا لهذه النظرية فان سلطة المحكمة تعد حقا أحد هذه الخصائص الضرورية لتسيير إجراءات الدعوى عليه ذهب العديد من قضاة المحكمة للدفاع عن هذه النظرية في قضية التجارب النووية وقضية الكاميرون ضد المملكة المتحدة عام 1936(15).

ج)الحجة الثالثة : يرى أنصار هذا الاتجاه بأن الدول قد قبلت الانضمام للنظام الأساسي للمحكمة من خلال عضويتها في الأمم المتحدة وقبولها لاحكام الميثاق خاصة المادة 94/1 التي تجعل هذه الأوامر المؤقتة ملزمة في مواجهة الدول الأعضاء، فضلا عن أن هذه المادة تجعل من النظام الأساسي للمحكمة جزءا لا يتجزأ من الميثاق بالتالي تكون هذه المادة مرتبطة مع المادة (41) من نظام المحكمة ونافذ حكم المادة (94/1) في الإلزام في مواجهة أعضاء الأمم المتحدة. يرون أن المحكمة حين تضع بعض المتطلبات القضائية الصارمة لتحديد اختصاصها بهذه الإجراءات حتى تكون لها فاعلية القانون مهما قيل بأنها مجرد اقتراحات لكنها لا تخلو من الحد الأدنى من الصرامة والتجرد أن كانت لا تحمل وزن الحكم النهائي كما هو في المادة (59) من نظام المحكمة التي ينص (لا يكون للحكم قوة الإلزام إلا بالنسبة لمن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي فصل فيه) (16). يبدو أن نص هذه المادة (59) يقصد بان الأحكام النهائية هي التي لها صفة الإلزام للأطراف، هذا ما ذهبت إليه المحكمة الدائمة في قضية المناطق عندما ميزت بين الأحكام والأوامر وجعلت الأحكام وحدها لها الصفة الملزمة(17). لكن أنصار هذا الاتجاه يرون أن صياغة المادة غير واضحة أن المحكمة تقصد بأن الأوامر الداخلية قد لا تكون ملزمة للأطراف لأنها لا تحوز على حجية الأمر المقضي “has no res judicata” بالنسبة للمحكمة لكنها لا تستبعد بالضرورة أدنى قوة ملزمة لهذه التدابير المؤقتة(18).

ويلاحظ أن بعض الدول قد درجت في بعض القضايا التي أمرت فيها المحكمة بالتدابير المؤقتة إلى رفض الامتثال للتدابير المؤقتة على أساس حجة أن المحكمة غير مختصة بنظر الدعوى الأصلية، وهذا ما لجأت إليه الحكومة الإيرانية في قضية شركة النفط الانجلو إيرانية عام 1951 عندما طلبت بريطانيا من المحكمة إصدار تدابير مؤقتة لمنع الحكومة الإيرانية من تأميم شركة النفط وفعلا صدرت هذه التدابير المؤقتة لكن الحكومة الإيرانية قد تجاهلت تلك التدابير من قبل أن تلجأ بها الحكومة البريطانية إلي مجلس الأمن الذي اجل المناقشة فيها لحين أن تفصل المحكمة في اختصاصها بنظر الدعوى(19).

كذلك الحال في قضية المصائد عام 1973 رفضت المحكمة إلزام الأطراف بأمرها المؤقت عندما طلبت منها بريطانيا استمر أمر الحماية وقالت المحكمة (( أن التدابير المؤقتة التي صدرت من المحكمة تأكد أمرها الحالي بأنها لا تستبعد أي اتفاق مؤقت وافقت عليه الحكومات المعنية في نطاق المنطقة المحدودة)) هذا يعني أن قرار المحكمة أتاح للأطراف إمكانية تعديل الأمر المؤقت بغرض وصول الأطراف لاتفاقات أخرى. لان الهدف من التدابير المؤقتة حرمان الأطراف من جعل الحكم النهائي عديم الجدوى(20). في قضية التجارب النووية عام 1973 رفضت فرنسا أيضاً تنفيذ التدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة والتي تقضي بوقف مؤقت للتجارب النووية في المحيط الهادي وموقف فرنسا في هذه القضية قد تعرض لاستهجان من الرأي العام الفرنسي خاصة بعدما أظهرت امتهاناً للمحكمة عندما قررت الانسحاب من الولاية الإلزامية للمحكمة(21). إزاء رفض الدول الثلاث ( إيران عام 1951 وأيسلندا عام 1972 وفرنسا عام 1973)، في هذه القضايا، ينطبق عليها ما ذكره السير Ellicott ممثل استراليا في قضية التجارب بقوله “أن هذه الإجراءات ليست ملزمة بذاتها، وإنما هي تنطوي على قاعدة اكثر عمومية واجبة الالتزام(22).

ويلاحظ بعض الشراح إن الوضع في أحكام التحكيم بشأن التدابير المؤقتة لها نفس القوة الملزمة التي تحظى بها الأحكام النهائية، خلافا لما هو جار في محكمة العدل الدولية يعزى ذلك إلى تمتع الدول بحرية اختيار مطلقة في تعيين المحكمين وتحديد القانون الواجب التطبيق، في حين تجد أن محكمة العدل الدولية قد فشلت في إبداء رأيها الصريح حول الآثار القانونية للأوامر المؤقتة(23).

خاصة إنها قد تعرضت لانتقادات واسعة في قضية الانجلو إيرانية عام 1951 لان المحكمة لم توضح تفصيلا الإعتبارات التي دعتها إلى اتخاذ التدابير المؤقتة، لا شك أن رفض تنفيذ التدابير المؤقتة قد تترتب عليه أضرار خطيرة قد تجعل الحكم النهائي عديم الجدوى، قد تؤدي إلى زعزعة العلاقات الدولية أما نحن نميل الى الاتجاه الثاني الذي يرى أن هذه الأوامر قد استوفت الحد الأدنى من المتطلبات القضائية من الصرامة والتجريد، فضلا عن تركها للمحكمة مرونة في تقدير مدى قوتها الملزمة، وهذه وفقا لسلطة المحكمة الطبيعية في تنظيم سير اجراءات الدعوى، وذلك بوصفها عملية إجرائية احترازية تهدف لحماية حقوق الأطراف ومراكزهم وحرمانهم من جعل الحكم النهائي عديم الجدوى على الرغم من أن الاتجاه العام للفقه الدولي يميل نحو عدم إسباغ قوة ملزمة على هذه الإجراءات.

________________________

1- G. Fitzmaurice: B.Y.I.L. 1956. P.134. 135.

2- Ibid.p.132. and see also. Rosenne: p.82.

3- see The Article (94) of the charter.

4-Cavare: Droit International public، pasitif tome ll، paris، 1969، op. cit. P 361

5- Haver: P518-519.

6-Id. P519.”The equally French version of art. 41، uses the “a le pouvoir d indiquer “(has the power to indicate) in place of the verbs indicate and suggest”. In English version.

7-Article، 66 (7) of the rules of the rules of the I.C.J: statis by means that “The issuance of an interim order، does not have the force of “resjudicata.”

8-p.Haver: 1d، p519.

9-Dumbauld: interium Measures of Protection in international controvers 1932، p.168.op.cit، Haver، 1d.p.518.

10- I.C.J. Reports: 1993.p.367 (Bosnia.V.Yugoslavia) (separate opinion of Judge shahabudeen).

11- M.o. Hudson: The p.c.i.j. 1920-42. P425-26 (1943) op. Cit. Haver p5.

12- Manin: Interim Measures of Protection، Article 41 of the I.C.J. status and Article 94 of the Un charter، 101 ND.J. INT L. p359-365 (1970).

13-Hudson: p.425-26 (Hudson had taken a contrary position، perhaps the court’s 1936 revision of its rules altered Hudson’s view as to these measures.

14-C.H. Crockett: The Effects of Interim Measures of Protection in the I.C.J، vol.0.calif.W.I.L.J.No2،p.348،366.1977.

15- Nuclear Tests case، Australia v.France، (1973) i.c.j.p.99،109 (Nagendra.J. declaration.) see also، Northern Cameroon case، (1963) I.C.J. Rep. p.77-103 “Fitzmaurice. J.sep. op.).

16- C.H.Crockett: 1d.،p.359.

17- عبد الله الاشعل: جزاء عدم الامتثال للإجراءات التحفظية في محكمة العدل الدولية المجلة المصرية للقانون الدولي. المجلد 34 لعام 1978 ص315.

18- Crockett: p.348-377.

19- I.C.J. Report. 1951 (issuance of the interim order) p.89.

20- Dumbauld: p.526.

21- عبد الله الاشعل:- جزاء عدم الامتثال: المرجع السابق ص317.

22- عبد اله الاشعل: المرجع السابق، ص316.

23-Crockett: p.348.366 “in only three cases has a party failed to comply with interim measures “The Nuclear Tests case. The Fisheries jurisdiction case، and Anglo-Iranian oil co، case، order 5 uly 1951/ (1951) I.C.J.