شهادة اللفيف عند العدول بالمغرب بين التقليد والتجديد

يشترك في إقامة رسم اللفيف العدلي ثلاثة أطراف: العدلان والقاضي والشهود.

1- وظيفة العدول:

جرى العمل في المغرب بإسناد أمر تلقي الشهادة من اللفيف إلى العدلان، وقد كان القاضي يختار أو يبرز العدول لذالك، وهو ما تفسره عبارة “شهدوا لدا من قدم لذالك”، فكان القاضي يختار من العدول من يراهم أعلم بقضايا وفصول الشهادة وكيفية توثيقها.

واختلف في المغرب هل يتلقى شهادة اللفيف عدل واحد أو عدلان؟

قال الشيخ الفقيه العربي الفاسي: “جرى العمل بفاس الاكتفاء بعدل واحد في تلقي شهادة اللفيف، ورأوا أنه

من باب التأدية. وجرى العمل بمراكش أنه لا بد من عدلين اثنين في السماع من الشهود ورأوا أنه من باب النقل”[1].

2- وظيفة القاضي:

يخاطب القاضي على وثيقة شهادة اللفيف بعد التأكد من سلامتها وصحتها.

وقد اختلف في طريقة الأداء عند القاضي:

– يرى فريق من العلماء الاكتفاء بالأداء عند العدلين المقدمين لذالك، ويطالع القاضي بوثيقة اللفيف قبل ستة أشهر وإلا لم يخاطب عليها.

– ويرى فريق آخر من العلماء أنه لا بد من الأداء عند القاضي[2].

إن الاختلاف بين الفريقين هو في الظاهر فقط، وأما في الجوهر والحقيقة فهما متفقان. فالذين يكتفون بالأداء عند العدلين يرون أنه على القاضي أن يبرز ويختار من العدول العارفين بما تصح به الشهادة، الذين يكتبون الرسم حسب شهادتهم ثم يطالع القاضي بذالك، فيكتب بخطه تحت أسماء الشهود:شهدوا لدا من قدم لذالك لموجبه فثبت الخ[3].

وأما من يرون ضرورة الأداء عند القاضي قبل تحرير وثيقة شهادة اللفيف فلما رأوا من التساهل الذي يقع فيها كثيرا[4].

إن هاذا الفريق يرى ضرورة استفصال واستفسار شهود اللفيق قبل الخطاب على الرسم وإثبات محتواه، قال العبدوسي: “ما مضى به العمل من الشهود مراعاة لمصلحة التحقيق في الشهادة، لكثرة تساهل الناس فيها، وأما باعتبار الأصل فلا يستفسر الشاهد، إذ الاستفسار كأداء ثان، ولا يلزم الشاهد أن يؤدي شهادته مرتين، إذ ذالك ضرر به، والله يقول {وَلا يضار كاتب ولا شهيد}”[5].

وقال الفقيه عبد الكريم اليازغي: “الحمد لله، الذي يجب في هاذا الزمان أن لا يقضى ببينة اللفيف إلا بعد الاستفسار، حضر الشهود أو غابوا، قربت غيبتهم أو بعدت، إذ كثيرا ما ينكر الواحد منهم الشهادة رأسا، أو يقول خلاف ما قاله أولا”[6].

وطريقة الاستفسار ، كان القاضي “يقرأ الرسم على الشاهد قراءة تفهم، فإذا أكمل الرسم، سأله عن أدلة شهادته كيف يؤديها، فإن وافق أداؤه ما قرئ عليه ثبتت شهادته، ويبقى الدفع فيه والإعذار من وجه آخر، وإلا فلا يلتفت إلى شهادته”[7].

وذكر محمد القدوري أن القاضي محمد بن علي عزيمان بتطوان {-1313هـ} كان يحضر شهود اللفيق أمامه بعد أدائهم عند العدول، فيسأل كل واحد منهم عن شهادته، فيمليها عليه من حفظه، ثم يأذن القاضي للعدل بكتبها، وربما تلقاها العدلان أمامه[8].

3- شهود اللفيف:

جرى العمل بالاكتفاء باثني عشر شاهدا في اللفيف إلا في التسفيه والترشيد فجرى العمل بستة عشر شاهدا فأكثرا.

ويرى الفقيه الشيخ عبد القادر الفاسي ان اللفيف غير منظور فيه إلى العدالة وتحقيقها، بل هو مبني على التساهل والتسامح ولاكن لا بد فيه من توسم السلامة مما يمنع الركون إلى شهادته، قال ابن عرفة: “الواجب في قبول غير العدل عند الحاجة إليه سلامته من جرحة الكذب، وإلا لم يقبل اتفاقا”[9]. وقال أبو عبد الله بن الحاج قاضي شفشاون على عهده: “شهادة من كان مستورا من العوام على طريق اللفيف عاملة، جرى عمل القضاة بها، وأقل يكتفي به العقد من ذالك اثنا عشر رجلا، إن لم لم يكن عند المشهود عليه مطعن فيهم بتجريح، فإن كان عنده فيهم أو في بعضهم تجريح بشرب الخمر أو ترك الصلاة، كما ذكرتم، وثبت ذالك فلا عبرة بشهادتهم ولو بلغ عددهم مئة، والله أعلم”[10].

4- الأحوط في شهادة اللفيف:

إن شهادة اللفيف في زماننا قد وقع فيها تساهل كبير من العدول وشهود اللفيف، فتجد شهود الزور متخصصون فيها، ويشهود مقابل دراهم معدودات، أو حمية للمشهود له أو ظلما للمشهود عليه، أو شهادة على شهادة آخر وهكذا.وكذالك تساهل العدول فيها، فغاب التثبت عند الكثير منهم فيها، ولم يحترموا شروطها وضوابط تلقيها.

لأجل ما ذكر، كثرت مشاكل هاذه الشهادة وتضرر منها العدول والشهود، فتجد الشهود لما يستدعون للاستفسار أمام المحكمة يتراجون عن شهادتهم، ويكذبون ما وثقه العدول من شهادتهم، بل إن كثيرا من الشهود قد لا يؤدون شهادتهم عند العدول إذا أشعروهم بأنهم قد يستدعون أمام المحكمة للاستفسار.

إن الذي ينبغي العمل به في زماننا هو الجمع بين الرأيين الفقهيين التاريخيين، أي تبريز العدول لتلقي شهادة اللفيف من طرف القاضي، الذي يجب أن تبرزه المحكمة العليا هو أيضا قبل إسناد مهمة قاضي التوثيق إليه. وأيضا إشراك القضاة في مسؤولية إثبات شهادة اللفيف عن طريق حق الاستفسار الذي يقومون به، وآنذاك تكون عبارة القاضي: “شهدوا لدى من قدم لذالك لموجبه فثبت” لها معنى عند إثباتها في وثيقة اللفيف، لأن الإثبات لا يكون إلا بعد الحكم، وهو ما تفقده وثيقة شهادة اللفيف المعمول بها حاليا، اللهم إلا إذا كا القصد من “فثبت” ثبوت كتابة سطور الشهادة واللفيف على الورقة المحرر عليها.

……………………………………………………………………………………………..

[1] النوازل الكبرى للمهدي الوزاني: 9/431.

[2] المصدر السابق: 9/440.

[3] نفسه: 9/437.

[4] نفسه: 9/454.

[5] نفسه: 9/455.

[6] نفسه: 9/466.

[7] نفسه: 9/467..

[8] موسوعة:240-241.

[9] النوازل الكبرى للمهدي الوزاني: 9/469.

[10] النوازل الكبرى للمهدي الوزاني: 9/462.