مقال عن ملاءمة مؤسسة الوسيط مع الواقع الحقوقي بدولة المغرب

حددت مبادئ باريس سلسلة من المعايير المتعلقة بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وقد تم تطويرها في اجتماع برعاية الأمم المتحدة الذي عقد في باريس سنة 1991 ،والذي جمع ممثلي المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان القائمة لتحديد السمات الأساسية التي ينبغي أن تمتلكها جميع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وعلى غرار باقي الدول تمت ترجمة ذلك على المستوى الوطني بالمغرب،فقد عرف العقد الأخير من القرن العشرين إحداث العديد من المؤسسات الوطنية ضمن التوجه العام للمملكة المغربية الهادف إلى ضمان حقوق الإنسان وترسيخ الاختيار الديمقراطي، وتوفير المساطر الوطنية الكفيلة بتمكين الأفراد والجماعات من مواجهة حقوقهم التي تكفلها التشريعات المغربية، والوفاء بالالتزامات الدولية والاستفادة من التجارب المتقدمة، ولاشك أن اللجوء لهذه المؤسسات، يساهم في تفعيل دورها ويراكم اجتهاداتها وممارستها لصلاحيتها بما يؤصل لثقافة حقوقية تدعم دولة المؤسسات كما يسمح بالوقوف على أدائها ومتطلبات تطويرها.

ولعل من بين أبرز هذه المؤسسات نجد مؤسسة الوسيط التيشهدت تطورا كبيرا من مكتب الشكايات إلى ديوان المظالم ثم إلى وسيط المملكة كمؤسسة دستورية، ولا أحد يجادل في أن مهام المؤسسة، كمؤسسة وساطة تسعى إلى رفع الضرر الذي يلحق المتظلم من جراء تجاوز أو تصرف إداري متسم بالحيف أو سوء تطبيق القانون، و تسعى إلى تحسين التواصل بين المواطنين والإدارة، وتعزيز الثقة وإعادة بناء ثقافة الحوار بينهما والحفاظ على مصداقية الأجهزة الإدارية، إذ تلعب دورا مهما في مجال النهوض بحقوق الإنسان بالمغرب، بالخصوص في مجالها الذي يهم علاقة المرتفقين بالإدارة في سبيل تحسين أدائها، وذلك بواسطة التقارير والتوصيات التي ترفعها المؤسسة إلى الجهات المعنية.

فهل باستطاعت مؤسسة الوسيط أداء المهام الموكولة إليها؟ أم تعترضها بعض العراقيل في أداء تلك المهام؟وما مدى إلزامية التقارير والتوصيات التي تصدرها؟وما مآل التظلمات المحالة إلى الإدارة؟

للإجابة عن هذه التساؤلات سيتم تقسيم الموضوع وفق الشكل الآتي:
الفقرة الأولى: الإكراهات التي تواجه مؤسسة الوسيط
الفقرة الثانية: مآل التظلمات المحالة إلى الإدارة
الفقرة الثالثة: القوة الإلزامية لمقررات وسيط المملكة

الفقرة الأولى: الإكراهات التي تواجه مؤسسة الوسيط

لعل من بين الاختصاصات المنوطةبالمؤسسة هو أنها مطالبة برفع تقرير سنوي عن حصيلة نشاط المؤسسة وآفاق عملها إلى الملك وتوجيه نسخة من التقرير إلى كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين.وتشكل هذه التقارير قوة معنوية تجاه الإدارة حتى تتراجع عن تصرفاتها التي لا تتسم بالشرعية وتمس بمصالح المرتفقين.

بالرجوع إلى التقارير المنجزة من طرف المؤسسة نجد أن أبرز الاكراهات التي تعرفها هو تقديم عدد كبير من الشكايات التي لا تدخل ضمن اختصاصها، وهو ما يجعل المؤسسة تبذل الكثير من الجهد في سبيل ردها على هذهالشكايات. فقد تواردت على المؤسسة سنة 2015 ما مجموعه 8442 شكاية، علما أن 6206 شكاية لا تدخل ضمن الاختصاص، فلم يكن من ضمن هذه الشكايات سوى 2236 شكاية التي اعتبرت ضمن اختصاص المؤسسة ، ومقارنة مع سنة 2017 التي تميزت بارتفاع ملحوظ في عدد الشكايات الواردة على المؤسسة، إذ سجلت ما مجموعه 9378 شكاية، لكن طرح نفس المشكل مرة أخرى، ولم يندرج ضمن اختصاصها سوى 2713 شكاية،وهو حال جميع التقارير التي رفعتها المؤسسة إلى الملك.

وبالتالي يظل حجم الشكايات التي لا تندرج ضمن صلاحيات هذه المؤسسة ملموسا، إذ أن فئة عريضة من المواطنين لم تستوعب بعد الدور المنوط بهذه المؤسسة والمهام التي تدخل ضمن اختصاصها. وللحد من هذا المشكل حرصت المؤسسة على تواصل أكثر مع الرأي العام الوطني، إذ قامت بإنجاز عدة أنشطة على مستوى الإعلام السمعي والمكتوب بهدف الارتباط بمجال الوساطة وتخليق المرفق العام.

الفقرة الثانية: مآل التظلمات المحالة إلى الإدارة
ظلت إشكالية مآل التظلمات المحالة إلى الإدارة تشكل عائقا أمام مؤسسة الوسيط في أداء مهامها. لقد ألزم القانون 16.14 المتعلق بمؤسسة الوسيط في مادته 36 على الإدارة المعنية أن تحيط المؤسسة بمآل التظلمات الموجهة إليها داخل أجل لا يتجاوز الشهرين، مع إمكانية تقليص هذه المدة إلى شهر واحد في حالات الاستعجال.

لكن رغم أن القانون كان صريحا فيما يتعلق بمسألة الآجال، إلا أن أرقام الحصيلة الإجمالية للشكايات والتظلمات المسجلة بمؤسسة الوسيط تبين عكس ذلك، فالشكايات التي تمت تسويتها من طرف الإدارات المعنية سنة 2015 عددت بـ 215 شكاية، و 351 شكاية سنة 2011 فقط، أما الشكايات التي
في طور التسوية بالإدارات المعنية سنة 2015 الذي كان عددها 175 شكاية، وقد عرفت تزايدا عن سنة 2011 إذ كان عددها 140 شكاية فقط.

نخلص من هذه الإحصائيات أن هناك غياب كبير في التنسيق بين الادارات المعنية والمؤسسة، الشيء الذي يخلق صعوبات كبيرة في أداء مهامها، وهذه الملاحظة عرفتها أيضا ديوان المظالم سابقا. وبناء على ذلك أصدرت المؤسسة عدة توصيات ومقترحات في هذا الجانب في تقرير لها صادر سنة 2015 ،نذكر منها: 

أن الإدارة ملزمة بإيجاد الحلول لما يطفو من مشاكل في إطار ما يسمح به القانون في بعده الحقوقي؛ الإدارة ملزمة بتدبير شؤونها الإدارية من أجل الوفاء بالتزاماتها، وأن تسعى لتجسيد الآثار المالية لكل ترقية مستحقة؛ الإدارة ملزمة بمد كل مواطن بما هو محق فيه من شواهد إدارية أو معلومة؛ الوضع الجديد لإدارة لا يمكن أن يقطع رابطة المسؤولية؛ الإدارة ملزمة بالرد على طلبات المواطنين وتعليل رفضها.

ورغم ارتياح المؤسسة لما تأتى لها إصداره من توصيات ومقترحات، فإنها لازلت منشغلة بوتيرة تنزيلها. وقد دعت إلى بذل المزيد من الجهود لتنفيذها، لأن جدوى تبني الوساطة المؤسساتية مرتبط بمدى التجاوب مع ما تنتهي إليه أعمالها.

الفقرةالثالثة: القوة الإلزامية لمقررات وسيط المملكة
أو بالبطء فيه، وكلاهما يؤثر سلبا على ثقة المواطن بالحماية القضائية لحقوقه، فإذا كانت المؤسسة القضائية لا تزال تعرف هذا الإشكال بخصوص تعتبر مسألة التنفيذ في مواجهة أشخاص القانون العام من أبرز وأهم الإشكالات التي تعرفها المؤسسة القضائية سواء تعلق الأمر برفض التنفيذ مقرراتها النهائية، فإلى أي حد تتمتع مقررات وتوصيات مؤسسة الوسيط بالقوة الإلزامية إزاء المؤسسات العامة؟

لقد جاء في أحد الاجتهادات القضائية الصادرة عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض سنة 2017،أن القاعدة العامة لطابع الإلزامية لا يكون إلا للقانون والأحكام القضائية، وأن المقررات والتوصيات الصادرة عن الوسيط هي مجرد قوة اقتراحية، وبالتالي فإن رئيس الحكومة غير ملزم باتخاذ اجراءات جزائية ضد الادارة في حال امتناعها عن تنفيذ تلك التوصيات، فالفصل 30 و 31 من الظهير المحدث لمؤسسة الوسيط يتحدث عن اطلاع رئيس الحكومة بامتناع الادارة عن الاستجابة لتوصيات الوسيط فقط، وليس اتخاذ اجراءات زجرية ضدها.

لكن بعد صدور القانون الجديد رقم 16.14 المتعلق بمؤسسة الوسيط، يتبين أن مظاهر الالتزام تجلت بالأساس في الفصل الثاني منه بالضبط في المادة 41 ،التي نصت على أنه في حال امتناع تنفيذ حكم نهائي صادر في مواجهة الإدارة، قام الوسيط برفع تقرير خاص في الموضوع إلى رئيس الحكومة، بعد إبلاغ السلطة الحكومية أو رئيس الادارة المعنية من أجل اتخاذ ما يلزم من إجراءات وجزاءات لازمة في حق المعني بالأمر.

بالإضافة إلى ذلك يمكن للوسيط أيضا توجيه للإدارة المعنية بتحريك مسطرة المتابعة التأديبية، وإن اقتضى الحال توجيه توصية بإحالة الملف إلى النيابة العامة لاتخاذ الاجراءات المنصوص عليها في القانون، في حق المسؤول أو الموظف أو العون الذي تأكد من أنه المسؤول عن الأفعال المذكورة، وفي هذه الحالة أيضا يخبر الوسيط رئيس الحكومة بهذه الإجراءات.

في هذا الصدد قامت جريدة الصباح بإجراء حوار مع وسيط المملكة السيد ”بنعليلو“ ِ طرحت فيه مسألة إلزامية المقررات والتوصيات التي تصدرها المؤسسة وكان جوابه كالآتي: “ …في الحقيقة كثيرا ما يتم طرح موضوع إلزامية توصيات الوسيط في النقاش الدائر حول مدى القوة التقريرية للمؤسسة… وإن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد على الإلزام الدستوري والقانوني والمعنوي والأخلاقي لهذه التوصيات، فالإلزامية مفترضة لأن المشرع الدستوري لا يصنع العبث، والبناء الديموقراطي لا يتأسس على وسائل الجبر فقط.فالمؤسسة طبعا لا تملك – بل ولا ينبغي لها أن تملك – وسائل التنفيذ الجبري لتوصياتها، لسبب بسيط هو أن البحث عن وسائل الجبر إقرار مبطن بـ ”أحقية الإدارة في الامتناع عن التنفيذ“ وهو في تقديري إعادة إنتاج النقاش الذي أفرزه عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية، والذي تعتبر المؤسسة سندا جديدا للمساعدة على حله“.

وبالتالي تظل هذه النقاط قاصرة – في نظرنا – على تحقيق الفعالية المنشودة في الأدوار المسندة إلى مؤسسة الوسيط في إطار حمايتها لحقوق الإنسان المرتبطة أساسا بالمرافق العمومية، والدور المنوط بها محدود إذ لا يمكن أن تمارس تجاه الإدارة سوى الرقابة الإدارية في حدود ما يسمح به القانون.

ورغم أن الفترة التي اشتغلت فيها مؤسسة الوسيط قصيرة لحد الآن، وأن قانونها الذي صدر مؤخرا لا يسمح لنا بتقييم موضوعي لأداء المؤسسة بشكل عام، لكن يتضح جليا من خلال تقاريرها وحصيلتها أنها تبذل جهودا جبارة من أجل تكريس حقوق الإنسان ومبادئ الحكامة بالمغرب، فهي تسعى من وراء تدخلها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية.

إلا أن هناك عدة إكراهات تعوق سير عملها، الشيء الذي يتطلب اتخاذ مجموعة من الاجراءات والتدابير للتصدي لهذه الإكراهات، إلا أننا – إلى حد ما – متفائلين بعد إعلان المخطط الاستراتيجي لسنة 2019 – 2023 لمؤسسة الوسيط  ،بحكم أنه يسعى إلى التقرب أكثر من المواطن عبر دعم شفافية المؤسسة وذلك بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتسهيل سبل الولوج إلى خدماتها، والانفتاح والتواصل أكثر مع الإدارة لجعلها متفاعلة أكثر مع تدخلات وتوصيات وسيط المملكة، وذلك عبر عدة وسائل كدعم المؤسسة على المستوى الجهوي والمحلي عبر آلية اللاتمركز الإداري، وعبر إدارة مؤسساتية للمؤسسة ترتكز على التكنولوجيا الحديثة والوسائل التي فرضتها الرقمنة، وكذلك عبر دعم التعاون والتواصل بجميع وسائله وقنواته.

إيمانا بأن الدور الذي تلعبه المؤسسة ليس إصدار التوصيات والمقررات فقط وإنما إيجاد الحلول للمظالم المرفوعة إليها.

غير أن هذا المخطط، وبالرغم من أهميته القصوى، يظل هو الآخر مجرد حبر على ورق، يجعلنا دوما في خضم التساؤل حول الدور الذي أضافته هذه المؤسسة في مجالتكريس حقوق الإنسان. لتبقى في الأخير الحصيلة والممارسة التي ستراكمها مؤسسة الوسيط في السنوات القادمة، هي الكفيلة بأن تجيبنا عن كل التساؤلات والإشكالات التي تدور حول هذه المؤسسة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت