مقال عن ترسيم الاعتراض التحفظي بالقانون التونسي.

إعداد : الأستاذ : قيس حامد (محرر عقود بالدّيوان الوطني للملكية العقاريّة ببن عروس)

أجاز المشرّع للدائنين مهما كانت طبيعتهم والحريصين على استخلاص ديونهم اتخاذ إجراءات تحفظية على مكاسب المدين ممهدة للتنفيذ من بين هذه الإجراءات إذا تعلق الأمر بعقار مسجل هي الاعتراض التحفظي الذي يهدف إلى منع المدين من التصرف في عقاراته المسجلة (II) تحسبا لكل ضرر قد يلحق الدائن لذلك يشترط المشرع إشهاره بالسجل العقاري إذا توفر بشروطه (I).

I- شروط الإعتراض التحفظي :
حرص المشرع على ضمان استخلاص الدائنين لديونهم من خلال تمكينهم من تسليط عقلة تحفظية على مكاسب المدين وتجميدها تحت إيديهم فلا يمكنهم التصرف فيها، ومن المهم التمييز هنا بين العقلة التحفظية المسلطة على المنقولات والتي نظمها المشرع في الفصول 322 و326 م م م ت وبين الإجراءات التحفظية المسلطة على العقارات المسجلة والتي أسماها بالاعتراض التحفظي وتنظمها الفصول 327 إلى 329 م م م ت وكذلك لا يجب الخلط بين الإعتراض التحفظي بما هو عقلة تحفظية تتعلق بالعقارات المسجلة وبين القيد الاحتياطي المنظم بالفصول 365 وما بعده م ح ع والذي ورد تحت عنوان الاعتراضات التحفظية. ويقتضي إجراء الإعتراض التحفظي توفر عدّة شروط منها ما هو أصلي (أ) ومنها ما هو شكلي (ب).

أ‌) الشروط الأصليّة :
يتمثل أهم شرط أصلي للحصول على اعتراض تحفظي في توفر دين بذمة المدين مالك العقار المسجل فحسب الفصل 322 م م م ت “يجوز الإذن بالعقلة التحفظية لضمان كل دين يبدو له أساس من حيث الأصل وأن استخلاصه مهدد بالخطر ولو كان مؤجلا أو معلقا على شرط” وقد جاء هذا النص عاما متعلقا بجميع العقل التحفظية سواء تعلقت بمنقولات أو عقارات مسجلة، كما جعل المشرّع من الدين سند العقلة عاما يمكن أن يشمل كل الديون مهما كان نوعها ومهما كان مصدرها. بل أكثر من ذلك يمكن القيام بهذا الإجراء التحفظي حتما بالنسبة للديون المؤجلة أو المعلقة على شرط. ولم يشترط المشرع في الدين سند العقلة التحفظية إلا أن يكون له أساس من حيث الأصل وأن استخلاصه مهدّد بالخطر. وهو ما حرص على تطبيقه فقه القضاء عندما اعتبرت محكمة التعقيب أن “الفصل 322 م م م ت لم يشترط لإجراء عقلة تحفظية أن يكون الدين ثابتا بل اشترط فقط أن يبدو له أصل ثابت وذلك من ظاهر الحجج والأوراق”.

لكن من ناحية أخرى يشترط في الدين المجراة من أجله العقلة أن يكون مقدرا أو على الأقل معلوم المقدار أي ليس من الضروري أن يكون محدّدا بدقة ذلك أنه إذا كان مقدار الدّين مبهما أو كان سنده خاليا من أي معيار موضوعي قادر على تحديده فلا يمكن أن يكون في هذه الصورة أساسا لضرب العقلة.

أمّا الشرط الأصلي الثاني الواجب توفره للقيام بالإعتراض التحفظي فيتمثل في المال المعقول. فقد كان المشرع واضحا عند تنظيمه للعقلة التحفظية فقسم الإجراءات المتعلقة بها إلى قسمين منفصلين ومحددين قسم أول للأحكام المشتركة لإجراء العقل التحفظية على جميع المكاسب باستثناء العقارات وذلك بالفصول 322 إلى 326 م م م ت في حين خصص القسم الثاني للأحكام الخاصة بالعقارات المسجلة في الفصول من 327 إلى 329 م م م ت والذي تحدث فيه عن الاعتراض التحفظي فلا مجال إذا للخلط بينهما. وهو ما يعني أن المال موضوع الإعتراض لا يمكن أن يكون إلا عقارا مسجلا وما يتضمنه من حقوق عينية قابلة للرّهن طبقــا للفصــــل 410 م م م ت كحق الملكية وحق الرقبة وحق الانتفاع.

ولا يكفي توفر الشروط الأصلية فقط لإجراء الإعتراض التحفظي بل لا بدّ أيضا من توفر بعض الشروط الشكليّة.

ب‌) الشروط الشكلية :
يتمثل أهم شرط شكلي محمول على الدّائن للمحافظة على إمكانية استخلاص دينه السعي والحرص على ترسيم الإعتراض التحفظي على العقارات المسجلة للمدين فإشهار الإعتراض بترسيمه هو الإجراء الوحيد الذي سيمكنه من معارضة الغير بحقه من ناحية وتحقيق الإثار المرجوة وقد نظم المشرع مسألة ترسيم الإعتراض بالسجل العقاري من خلال فرض اتباع أحد الوسيلتين الممكنتين وذلك إمّا بمجرد تقديم مطلب لإدارة الملكية العقارية (أولا) أو من خلال الحصول على استئذان المحكمة (ثانيا).

أولا : طلب ترسيم اعتراض تحفظي :
اقتضى الفصل 327 م م م ت أنه لكل “دائن بيده سند تنفيذي أو سند مرسم حل أجل دينه أن يبلغ إلى مدينه بواسطة أحد العدول المنفذين إعلاما ينذره فيه بأنه في صورة عدم الوفاء بالدين يتولى طلب ترسيم اعتراض تحفظي على عقاراته المسجلة”.

ويستنتج من هذه الفقرة أن المشرع مكن الدائن من إمكانية طلب ترسيم اعتراض تحفظي على العقارات المسجلة للمدين دون لزوم الالتجاء إلى القضاء وذلك إذا اجتمعت لديه بعض المعطيات منها أن يكون بيده سند تنفيذي أو سند مرسم وحلول أجل الدين وإنذار المدين.

– وجود سند تنفيذي : أي لا بد من توفر سندات قابلة للتنفيذ قضائية أو غير قضائية كالأحكام القضائية الباتة والتي استوفت جميع أوجه الطعن العادية أو غير العادية أو الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ بقطع النظر عن استئنافها كالنفقة والأحكام المحلاة بالنفاذ العاجل بحكم القانون كالأحكام الاستعجالية أو بحكم القضاء طبق الفصلين 125 و126 م م م ت أو السندات الإدارية التي تصدرها الدولة باعتبارها تتمتع بالسلطة العامة دون الحاجة للجوء إلى القضاء كبطاقات الإلزام.

ويعرف الأستاذ محمد سعيد السند التنفيذي بكونه عملا قانونيا “يتخذ شكلا معينا ويمتلك قوة تأكيدية لحق الدائن وقوة تنفيذية تخول إقتضاء ذلك الحق غصبا عن المدين”. أي أن هذا السند يتضمن في ذاته إثبات لحق الدائن لا يمكن المنازعة فيه ويمنحه بالتالي قدرة على التنفيذ الجبري باستعمال جميع الوسائل القانونية الممكنة وبالاستعانة بعدول التنفيذ والقوّة العامة.

– وجود سند مرسم : أي أنه ليس بالضرورة وجود سند تنفيذي إنما يكفي وجود كتب يتضمن رهن اختياري مدرج بإدارة الملكية العقارية فترسيم الرهن طبق الفصل 278 م ح ع لا يمنحه قوة ثبوتية من حيث النشأة ومن حيث الاحتجاج فقط وإنما يمنحه أيضا إمكانية المرور إلى التنفيذ مباشرة دون لزوم الحصول على حكم قضائي وذلك بمجرد حلول الأجل.

– حلول الأجل : ويعني حلول وقت الخلاص وثبوت مماطلة المدين وتأخره عن الوفاء في الكل أو البعض لسبب غير صحيح على معنى الفصل 268 م ح ع ويكون الأجل حالا إما إتفاقيا أو قانونيا أو قضائيا. فيحل الأجل الاتفاقي بمرور المدّة الزمنية المنصوص عليها بالسند المرسم ويحل الأجل القانوني بمرور المدّة الزمنية اللازمة للطعن في الحكم بالاستئناف أو بأية وسيلة أخرى من شأنه أن توقف التنفيذ أو بمرور الأجل القانوني للإذعان للأحكام في حين يحلّ الأجل القضائي بانتهاء المهلة التي تمنحها المحكمة للمدين طبق الفصل 137 م ا ع والذي لا يمكن أن يتجاوز السنة.

– أما الإجراء الأخير للقيام بالاعتراض التحفظي فيتمثل في ضرورة إنذار المدين عن طريق محضر يحرره أحد عدول المنفذين، ويجب أن يكون هذا المحضر متضمنا تنصيصات وجوبية وإلا كان باطلا أهمها إعلام المدين بضرورة خلاص الدين المتخلد بذمته وأنه في صورة عدم الوفاء سيتم طلب ترسيم اعتراض تحفظي على عقاراته المسجلة، كما يجب أن يتضمن هذا الإنذار تنصيصا آخر رغم عدم التعرض له في الفصل 327 المذكور يتمثل في منح أجل للمدين للوفاء قبل طلب ترسيم الإعتراض وهو أجل إضافي ولا يتعلق بالأجل الأصلي لحلول الدّين.

ثانيا : استئذان المحكمة :
أخضع المشرع الدّائن في بعض الحالات إلى إجراء إضافي لترسيم اعتراض تحفظي على عقار مسجل يتمثل في استئذان المحكمة أي أن الدّائن مطالب باستصدار إذن على عريضة من المحكمة المختصة ونعني به رئيس المحكمة الابتدائية الراجع لدائرتها مقر المدين وذلك مع احترام أحكام الفصل 322 م م م ت ويخضع لهذا الإجراء حسب الفصل 327 من نفس المجلة الدائن الذي ليس بيده سند تنفيذي قضائي أو غير قضائي أو الذي لا يملك سند مرسما أو الذي لم يحل أجل دينه بعد. وقد سمح المشرع لمثل هذا الدائن الذي يبدو في موقف ضعيف من حماية حقوقه واتباع إجراء تحفظي لكن من خلال الخضوع إلى الرّقابة القضائية المسبقة ولزوم استصدار إذن قضائي ولا يمكن في هذه الصورة لرئيس المحكمة الإبتدائية المختص من منح هذا الإذن إلاّ إذا ثبت لديه أن الدين له أساس من حيث الأصل وأن استخلاصه مهدّد بالخطر مع تحديد مقدار الدين.

ولا يخفى أن الدائن في هذه الصورة يتحمل عبء الاثبات ومخاطره، إذ وجب عليه إثبات وجود الدين ومقداره وإن استخلاصه مهدّد بالخطر وإلا كان عرضة لمنازعة المدين من خلال طلب الرجوع في الإذن على العريضة القاضي بترسيم الإعتراض التحفظي على معنى الفصول 219 وما بعده م م م ت.

II- آثار الاعتراض التحفظي :
يتمثل الأثر المباشر والفوري للإعتراض التحفظي حسب الفصل 328 م م م ت في أنه “لا يجوز ابتداء من تاريخ ترسيم الاعتراض التحفظي ترسيم أي تفويت غير البيع إثر عقلة عقارية أو أي رهن اختياري وغيره من الحقوق العينية أو أية وصية أو أي عقد تسويغ…” أي أن ترسيم الإعتراض يصبح مانعا قانونيا يحول دون ترسيم أي حق آخر عينيا كان أو شخصيا ويكن له بالتالي مفعولا تجميديا بالرسم العقاري يلزم إدارة الملكية العقارية بعدم قبول أي تعامل على العقار بيعا كان أو رهنا أو حتى عقد تسويغ ويعتبر في هذه الصورة الاعتراض التحفظي بمثابة المانع القانوني الذي من الممكن أن تتمسك به إدارة الملكية العقارية كرفض أو تأجيل الترسيم على معنى الفصل 388 م ح ع.

لكن يبدو وأن المفعول التجميدي للاعتراض التحفظي ليس مطلقا إذ يمكن أن ترد عليه بعض الاستثناءات مما يسمح بحصول ترسيمات لاحقة ويمكن أن نذكر منها ما يلي :
1) الاستثناء الوارد بالفصل 328 م م م ت الذي اقتضى أنه يمكن بالرغم من وجود اعتراض تحفظي ترسيم تفويت واقع إثر عقلة عقارية وبالتالي أجاز المشرع ترسيم القسمة أو بيع الصفقة إذا تعلق الأمر بمشترك وفي هذه الصورة يحمل الاعتراض على جزء العقار الذي يقع في حصة المدين.
2) الاستثناء المنصوص عليه بالفصل 369 م ح ع : الذي يسمح بقيد الدعاوى وعقود المغارسة بالسجل العقاري قيد احتياطيا بقطع النظر عن وجود اعتراض أو عقلة.
3) الاستثناء الوارد بالفصل 397 م ح ع : الذي يتعلق بالترسيم الإسمي لحقوق عينية ناتجة عن حلول تركة أي يمكن ترسيم حجة وفاة المدين المجرى ضده الاعتراض التحفظي وتعداد الورثة واعتبارهم كمالكين وهذا الترسيم يبدو إجراء لا بد منه خاصة وأنه لا يصر الدائنين من ناحية لأسبقية خلاص الديون عن الإرث طبقا لقاعدة “تدوم” ولأن الورثة يعتبرون خلفا عاما لمورثهم وبالتالي ملزمين بتحمل إلتزاماته.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت