استخدام المنهج التجريبي في الدراسات القانونية

د. سامر محي عبد الحمزة – كلية القانون / [email protected]
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شكَّل نشوء الطريقة العلمية في دراسة الظواهر الطبيعية بداية عصر الاكتشافات العلمية, وكان المنهج التجريبي (Experimental method) حجر الأساس في الثورة العلمية التي بدأت مع القرن السادس عشر .

وقد أرسى العالم الانكليزي فرنسيس بيكون Francis Bacon (1561 – 1626) قواعد هذا المنهج القائم على الملاحظة المنظمة ثم وضع الفروض وصولاً إلى اختبار النتائج.

لقد كانت النتائج التي تحققت عن تطبيق هذا المنهج هي نجاحات متواصلة في ميادين الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء وكانت بداية التطور التكنولوجي الذي وصل ثورة الاتصالات وما زال يسير بالخطى نفسها التي بدأها بيكون.

وقد أغرت النتائج التي حققها هذا المنهج بعض المفكرين على محاولة تطبيقه على العلوم الإنسانية، وكان للمفكرين الفرنسيين أمثال اوغست كونت Auguste Comte (1798-1857 ( واميل دوركهايم Émile Durkheim (1858-1917) القسط الأكبر في ذلك.

ووفقاً لاوغست كونت يمكن تطبيق المنهج التجريبي على العلوم الإنسانية كالتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع مع مراعاة خصوصية الذات الإنسانية محل البحث والتي تختلف عن المادة الفيزيائية محل البحث في العلوم التطبيقية.

وقد قادت جهود اوغست كونت إلى نقل المنهج التجريبي للعلوم الإنسانية مثلما ساهمت في نشوء علم الاجتماع.

ومع بدايات القرن العشرون بدأت محاولات لتوسيع مجال المنهج التجريبي على الدراسات القانونية على أيدي فقهاء القانون العام الفرنسيين وأشهرهم موريس هوريو Maurice Hauriou (1856-1929) أستاذ القانون الإداري في جامعة تولوز وليون دكي Léon Duguit (1859- 1928) أستاذ القانون العام في جامعة بوردو، وانتقلت تلك المحاولات للفقه الانكلوسكسوني عن طريق الأستاذ هربرت هارت H. L. A. Hart أستاذ فلسفة القانون في جامعة أكسفورد وتلميذه رونالد دوركن Ronald My Dworkin (1931-2013) أستاذ فقه القانون في جامعة لندن.

وفي العراق حاول د. منذر الشاوي متأثراً بأفكار العميد ليون دكي ومنذ سبعينات القرن المنصرم أن ينقل هذا المنهج إلى كليات القانون في العراق عن طريق محاضراته وبحوثه ومؤلفاته للترويج لهذا المنهج، من غير أن يلقى استجابة مناسبة من أساتذة كليات القانون أو طلبته في العراق.

وتقوم فكرة المنهج التجريبي في القانون بأن يتم دراسة القانون كما هو، وليس ما يجب أن يكون عليه، لذلك فعلى باحث القانون أن يدرس النصوص القانونية على أساس تطبيقها الفعلي بعيداً عن الأسس الأخلاقية التي ساهمت في إصدارها.

فالقانون هو نصوص ترتبط بالواقع ومن الممكن ملاحظتها ملاحظة علمية مستبعدين منها العناصر الغيبية والأخلاقية ، ثم تحليلها والوصول إلى نتائج ممكن تعميمها على القوانين وصحتها ومدى فعاليتها.

والواقع أن استخدام المنهج التجريبي في القانون يصطدم بمعوقات لا يمكن تجاوزها بسهولة، فعلاقة السببية مفقودة بين النص وتطبيقه ويحل محلها علاقة الإسناد، فمثلاً ارتفاع درجة حرارة الماء إلى 100 درجة تكون سبباً في غليانه، لكن لا يمكن تطبيق هذه العلاقة بين النص القانوني وتطبيقه، فإذا ارتكب شخص جريمة لن يكون ذلك سبباً لعقابه، وإنما يجب أن تقوم الدولة بذلك، وقد لا يتم ذلك لعدة أسباب كصدور عفو من الدولة أو هرب الجاني.

كما أن الحكم على القانون يبقى حكم ذا بعد أخلاقي يتغير بين مدة وأخرى لتتغير القوانين على ضوءه، ولا يمكن الجزم بأن قانون معين كفيل بالقضاء على ظاهرة اجتماعية معينة، كافتراض أن تؤدي عقوبة الإعدام إلى تقليل جرائم القتل.

فالقانون يبقى علماً اجتماعياً صرفاً يتعلق بالإنسان بوصفه كائن مدرك يعيش في بيئة متغيرة وليس مادة جامدة كالمعادن والجزيئات، لذلك التجريب لن يكون فعالاً في دراسته مثل فعاليته في دراسة العلوم التطبيقية.

مع ذلك قد تتطور العلوم ونجد أنفسنا يوم ما نعبر عن القوانين بأرقام ومعادلات رياضية، وليس ذلك على العلم بمستحيل.