لقد اختلف موقف القوانين المقارنة كما اختلف موقف الفقه ايضاً من هذا الحق.

اولا- موقف القوانين :

إن بعض القوانين لم تنص على عدم جواز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من العذر المخفف، كقانون العقوبات المصري والكويتي والليبي، وبالتالي فأن للزانيين الاستفادة من هذا الحق. بينما قوانين أخرى نصت على عدم جواز استعمال هذا الحق ضد الشخص الذي يستفيد من هذا العذر كما هو الحال في قانون العقوبات العراقي وقانون عقوبات دولة الامارات العربية المتحدة رقم 3 لسنة 1978 (المادة/334) منه، والاردني (المادة /340/3) منه. كما إن حق الدفاع الشرعي في قانون العقوبات اللبناني- بأزاء الخطر الناشئ عن اعتداء الزوج (او غيره) على زوجه او شريكها –غير جائز، وذلك طبقاً للقواعد العامة التي وضعها القانون اللبناني في المادة (184) منه لقيام الدفاع المشروع. ففضلاً عن شرطي حلول الخطر وعدم شريعته يتطلب القانون اللبناني أن يكون الخطر (غير مثار) على النفس او المال. وهو شرط يتخلف في دفاع الزوجة المتلبسة بجرم الزنى المشهود لأنها هي التي “اثارت الزوج وبالتالي اثارت الاعتداء”(1) ،أي أن الزوجة وعشيقها هما اللذان اوجدا نفسيهما في هذا الوضع الذي يهددهما بالخطر فهما اللذان اثارا تعرض الزوج لهما(2).

ثانيا- موقف الفقه :

يذهب غالبية الفقه العربي(3)، والفرنسي(4)، إلى القول بجواز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من الاعذار القانونية، ذلك ان وجود العذر القانوني لا يمنع من كون الفعل غير مشروع، وعلى ذلك فأن الزوج الذي يفاجأ بزوجته وشريكها في حالة الزنى فيحاول قتلها هي وشريكها في الحال، فأن للزوجة وشريكها أن يدفعا عدوان الزوج باستعمال الدفاع الشرعي. فالزوج لا يستند إلى حق يجعل فعله مباحاً وغاية ما هناك إن الشارع يعده معذوراً ويخفف عليه العقاب تبعاً لذلك، ولا يتقبل المنطق القانوني امتداد اثاره إلى محو حق الدفاع الشرعي مطلقاً. وحتى لو كان العذر محلاَ للعقاب تّعد الزوجة أو شريكها في حالة دفاع شرعي إذا قتلا الزوج الذي يحاول قتلهما. وهناك في الفقه من يخالف الاتجاه المتقدم طبقاً لشروط التعرض والاعتداء بأن يكون غير محق ولا مثار. وهنا الاعتداء مثار لأن الزوجة وشريكها في الزنى هما اللذان اثارا حفيظة الزوج ولأن فعلمها غير مشروع فكيف يحق لهما التمسك بالدفاع الشرعي! أذاً لا تملك الزوجة ولا شريكها في الزنى استعمال حق الدفاع الشرعي(5).

_______________

1- ينظر د. جلال ثروت، نظرية القسم الخاص، مرجع سابق، ص278. هامش رقم 1.

2- ينظر د. عبد الوهاب حومد، الحقوق الجزائية العامة، ط6، مطبعة الجامعة، دمشق، 1963، ص475.

3- ينظر د. احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات- القسم العام، ج1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1981، ص349. د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني، مرجع سابق، ص220، هامش رقم 3. د. محمد سامي النبراوي، مرجع سابق، ص378. د. محمد مصطفى القللي، مرجع سابق، ص328. د. عبود السراج، قانون العقوبات- القسم العام، مطابع جامعة دمشق، بلا سنة طبع، ص335.

4- ينظر :

-Donnedieu de vabres (Henri): Traite de droit criminal et de legislation penale compare، Troisime edition، no. 400، paris 1947، p. 232.

-Garcon (Emile): Code Penal annote، Tomel، No. 81، paris، 1901-1906، p. 820.

5- ينظر د. محمد صبحي نجم، قانون العقوبات-القسم العام، مرجع سابق، ص147.

حق الدفاع الشرعي حال المفاجأة بالزنى في القانون العراقي :

نصت المادة (409) عقوبات على أنه (…ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر…) أي ان القانون قد حرم الزوجة أو احدى المحارم او عشيقها من استعمال حق الدفاع الشرعي ضد الزوج او المحرم الذي يتفاجأ بتلبسهما بالزنى. وهناك اتجاه في الفقه يرى إن عدم استعمال حق الدفاع الشرعي في هذه الحالة لايجد له تبريراً في القواعد القانونية السليمة وفيه خروج على الأمانة على القواعد العامة وهو خروج في نفس الوقت عن قاعدة حق الدفاع عن النفس ولا يمكن القول بأن المشرع اوجب على الزاني أو الزانية تسليم رقبتيهما طائعين او التسليم باطلاق النار عليهم شأنهم شأن المحكوم عليهم بالاعدام(1). فالزوج او المحرم لا يقوم بذلك استعمالاً لحق او اداء لواجب وبالتالي فأن فعله لا يكون سبباً من اسباب الاباحة ولا يعد مانعا من موانع العقاب. وطالما انه جرم معاقب عليه قانوناً فوقوعه بدون حق يكون لمن يقع عليه ان يدفعه تخلصاً منه، وعلى هذا الاساس يحق للمجنى عليه سواء كانت الزوجة او احدى المحارم او شريكها ان يرد الاعتداء بمثله، أي يستطيع ان يقتل الزوج كي يفلت من هجومه القاتل وهو إذ يفعل ذلك فأنه يستعمل حقه في الدفاع الشرعي وبالتالي لا يُسأل جنائياً إذا ترتب على فعله موت الزوج او المحرم(2). ونعتقد إن القانون عندما لا يترك الأمر لحكم القواعد العامة في هذه الحالة، فيه لنا قدوة حسنة من السلف الصالح، فقد قضى الامام علي بن ابي طالب(u) في امرأة تزوجت ولما كانت ليلة زفافها ادخلت صديقها الحجلة “بيت العروس” وجاء الزوج فدخل الحجلة، فوثب عليه الصديق فأقتتلا، فقتل الزوج الصديق وقتلت المرأة الزوج، فقضى الامام علي(u) بقتل المرأة بالزوج ولم يعتبرها مدافعة عن نفسها او عن غيرها(3). كما نعتقد ان تطبيق القواعد العامة للدفاع الشرعي في حالة المفاجأة بالزنى فأنه يؤدي إلى نتائج غير مقبولة، لذلك نذهب مع من يقول إن القانون العراقي كان موفقاً في النص على هذا الاستثناء، ذلك لأن الزوجة او احدى المحارم وشريكها الزانيين هما اللذان استفزا الزوج استفزازاً خطيراً بفعلهما الاجرامي مما دفعه للاعتداء عليهما ثأراً لشرفه، كذلك إذا ابيح للزوجة او شريكها قتل الزوج بزعم الدفاع الشرعي فأنهما سيفلتا من عقوبة القتل ومن عقوبة الزنى ايضاً لموت الزوج الذي له حق رفع دعوى الزنى(4)، ولا شك ان هذه النتيجة منافية للعدالة وللقيم الاخلاقية وسلامة المجتمع(5). كما أن القانون قد اسبغ على الرابطة الزوجية قدسية معينة لحمايتها وصيانتها من العبث ولم يتهاون مع من ينتهك قدسيتها فنص انطلاقا من هذا الاعتبار على تجريد الزوجة الزانية وشريكها من حق الدفاع الشرعي عن نفسيهما(6)، لأن الاعراض معصومة والصائل عرض نفسه لأبطال عصمتها واهدار دمه عند توقف الدافع على قتله، فلا وجه بجواز الاستسلام الذي قد يؤدي إلى هتك عرض معصوم تحرزاً من سفك دم مهدر(7). ويترتب على عدم جواز استخدام حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر، ان الزوجة او احدى المحارم او شريكها يعد مرتكباً لجريمة قتل او اعتداء –بحسب الاحوال- إذا ما حاول القتل او الاعتداء على الزوج او المحرم حال المفاجأة بالزنى. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بالمصادقة على حكم بإدانة المتهم (ح) والمتهمة (ن) وفقاً لأحكام المادة(405/47) عقوبات بعد إن كانت محكمة جنايات كربلاء قد أدانتهما وفق المادة (406/1/ج/47) في قضية تتلخص وقائعها بأن علاقة حب تربط بين المتهمة وعشيقها رغم أنها متزوجة من المجنى عليه (ع) وأم لستة اطفال قاصرين. ويوم الحادث تسلل المتهم ليلاً إلى دار المجنى عليه واختلى بالمتهمة. وعند شعور المجنى عليه بوجود المتهم في غرفة طينية مظلمة من مشتملات داره مع المتهمة وسمع حديثهما وهما يتبادلان الغرام والقبل، حضر اليهما وحاول المتهم الهرب من الدار، وذهب المجنى عليه لجلب بندقيته الا ان المتهم ركض خلفه وتماسكا وتمكن المتهم من اخذ البندقية من المجنى عليه وأن المتهمة ساعدته على جريمة القتل بتسليمها له العصا التي كانت بيدها فضرب بها المجنى عليه على رأسه وجسمه وسبب وفاته(8).

_________________

1- ينظر د. عبد الستار الجميلي، مرجع سابق، ص410 وما بعدها.

2- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص242.

3- ينظر د. عبد الخالق النواوي، جرائم القتل في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، المكتبة العصرية، صيدا –بيروت، بلا سنة طبع، ص39.

4- قضت محكمة التمييز في العراق (إن حق تحريك دعوى الزنى من جانب الزوج هو حق شخصي ولا يجوز لغيره ممارسة هذا الحق. وعلى ذلك فليس للقيم على الزوج تحريك دعوى الزنى ضد الزوجة). القرار رقم 96-97/موسعة ثانية/84-85 في 16/4/1985. اشار اليه ابراهيم المشاهدي، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز، مرجع سابق، ص163.

5- ينظر د. اكرم نشأت ابراهيم، القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن، مرجع سابق، ص154.

6- ينظر د. ضياء الدين مهدي الصالحي، حق الدفاع الشرعي في القانونين العراقي والألماني، مجلة القانون المقارن، جمعية القانون المقارن العراقية، ع23، مطبعة الحافظ، بغداد، 1994، ص86.

7- ينظر سامي جميل رحيم، رفع المسؤولية الجنائية في اسباب الاباحة-دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون، اطروحة دكتوراه، كلية العلوم الاسلامية، جامعة بغداد، 2000، ص119.

8- القرار رقم 6/هيئة عامة /92 في 29/1/1992. اشار اليه علي محمد ابراهيم الكرباسي، مرجع سابق، ع8، 1992، ص10.

المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : المفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .