مركز “خبرة” يا وزارة العدل
د . عبد المحسن بن محمد المحرج
محامي ومستشار قانوني
تتسارع خطواتُ التطوير في هذا البلد المعطاء، فسياسة حكومة خادم الحرمين الشريفين –حفظه الله- حريصة كل الحرص على تقديم الخدمات للمواطنين بأيسر طريق وأجود نتيجة، ومن أبرز المرافق التي حظيت بالاهتمام البالغ: المرفق العدلي، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال جملة من القرارات والأوامر السامية التي ساهمت بشكل كبير في نمو هذا المرفق وازدهاره. إلا أن هذا المرفق كغيره لا يزال بحاجة إلى التطوير والتحديث المستمر، ليواكب نهضة المملكة، ورؤيتها لمستقبلها، ولذا كان ديناً على جميع من ينتمي لهذا المرفق أو تتقاطع وظيفته معه من (قضاة ومحامين ومحققين ورجال ضبط وأعوان للقضاة) أن يساهموا في هذا التطوير والتحديث، وذلك من خلال السعي الحثيث في تقديمالمقترحات والرؤى التطويرية التي سيفرح بها المسؤول ويتبناها، ومن هذا المنطلق كان هذا المقال.

فكما هو معلوم لكل متابع أن أعداد القضايا في أروقة المحاكم تتزايد بشكل مستمر وهي في ازدياد مضطرد، وهذا يؤدي مع الوقت إلى تكدس القضايا في الدوائر القضائية، والذي بدوره يتسبب في تأخر (البت فيها ) مما يزيد الأعباء على القضاة وأطراف الدعوى. وتقوم وزارة العدل مشكورة بخطوات ظاهرة وجهود متظافرة وفق لجنة متخصصة للحد من هذا التدفق الذي يحتاج إلى تمييز وفرز بين القضايا القائمة والدعاوى المرفوعة، ومن خلال عملي كمحامٍ، ومتابعتي الدورية للمحاكم، أجد أن أبرز ما يعيق حل هذه المعضلة متعلق بطريقة عمل بعض الأقسام المرتبطة بالمحاكم، وهو ما سنسلط عليه النظر في هذا المقال.

وبشكل دقيق أرى أن :” عدم ضبط حركة حياة المعاملة المحالة لقسم الخبراء ” سبب مهم في تأخر البت في القضايا التي يتوقف الحكم فيها على الاستعانة بقسم الخبراء خاصة، والقضايا عامة، ودائماً ما يعاني أطراف الدعوى ووكلاؤهم وأصحاب الفضيلة أيضاً من تتبع المعاملات المحالة لهذا القسم في كثير من المحاكم ، حيث تتأخر المعاملة في صدورها لهم، ومن ثم في توريدها لديهم، ثم في استقبال المعاملة واستلامها، وتحديد موعد للشخوص على المواقع، أو الالتقاء بالأطراف، ثم في الشخوص الفعلي على المواقع.

الامر لايتوقف هنا فقد يتخلف أحد الأطراف عن الحضور، فيعاد كل ما سبق، ثم في كتابة التقرير والذي قد يتأخر لأشهر خاصة في القضايا الحساسة، أو يستدعي الأمر الاستعانة ببيوت الخبرة، مما يتطلب الكتابة لها، وتلقي عرضها، وقد يوافق عليه، وقد لا يوافق عليه، ثم تلقي رأي الخبير والذي يستغرق وقتاً طويلاً لإنجازه، وبعد كل هذا تبعث المعاملة للدوائر القضائية. وليس دائماً ما تنتهي دورة حياة المعاملة بهذا، إذ قد يرى القاضي أن التقرير غير ملاقٍ للطلب أو فيه قصور، فيبعث المعاملة لقسم الخبراء من جديد، وتبدأ نفس المراحل السابقة مرة أخرى، وبهذا يتبين ويتضح مدى طول دورة حياة المعاملة المحالة لقسم الخبراء، ويُعلم أيضاً أنه أحد أهم أسباب تكدس القضايا، وتأخر البت فيها، وكل هذا كما لا يخفى على حساب أطراف الدعوى خصوصاً وعلى جميع المترافعين عموماً، كما أنه عبء كبير على أصحاب الفضيلة، ومعضلة تؤرق المرفق العدلي.

ومحاولة في إيجاد حل لهذه المعضلة أقترح على المسؤولين في وزارة العدل إنشاء مركز خاص بمسمى “خبرة ” يكون عمله الرئيس “دعم القضاة بالرأي في النواحي الفنية ” يضم خبراء من جهات عدة ذات علاقة بعمل المحاكم مثل هيئة المقيمين “تقييم”، وهيئة المهندسين، وهيئة المحامين، والأطباء، والمقاولين، يُنتخبون من الجهات التي تشرف على أعمالهم، يكون التواصل مباشراً من القاضي مع هذا المركز بشكل الكتروني دون الحاجة إلى أوراق. كما لا يلزم أن يكون هذا الخبير مقيداً بساعات مكتبية، وإنما يكون له معرف الكتروني يقدم من خلاله الرأي من أي مكان وفق آلية لا يمكن شرحها في مقال واحد.

ولتكن البداية في مدينة واحدة ثم تُقّوم التجربة وتطور، ومما يساعد على حسن سير العمل في هذا المركز، واستمراره، ويساهم في نجاحه، أن يتم فرض رسم مقابل أعمال هذا المركز، ورغم أن هذا في بادئ الأمر لن يكون أمراً محبباً لدى كثير من الناس، وبحكم التجربة فإن كثيراً من المترافعين أمام المحاكم يتمنى أن يدفع رسماً محدداً في مقابل الإنجاز والحصول على رأي علمي دقيق، بدلاً من عمل مجاني قد يذهب بحقه، وإني لأعرف من الخصوم من تتفاقم خسارته والتي قد تكون أحياناً بمئات الملايين من الريالات بسبب ضعف الرأي المقدم لناظر الدعوى من “بعض” أقسام الخبراء.

أدرك تماماً أن الأمر لن ينجح بجهد وزارة العدل منفردة، وإنما بتكاتف الجهود (خصوصاً مع الوزارات التي ترتبط أعمالها بوزارة العدل بشكل متكرر: كوزارة التجارة ووزارة الإسكان ووزارة الصحة، وغيرها) لنتمكن من زرع نواة هذا المركز.

وفي الختام فإن هذه المقترح مجرد فكرة، تحتاج للتطوير، وأهيب هنا بجميع المختصين المساهمة في ذلك، فإن هذا البلد قدّم لنا الكثير وينتظر منا أن نجتهد في رد ما نستطيعه له، خدمة للدين أولاً ثم لوطننا ثانياً .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت