وسطية الشريعة الإسلامية في عقوبة الإعدام

تطالب الكثير من الجهات والمنظمات الدولية، وأهمها المنظمات التي تنطلق من المنطلق العلماني، والتي تعمل في مجال حقوق الإنسان، بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع الجرائم ما عدا جريمة القتل العمد.

وتكثّف الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان من مطالباتها للحكومات التي تطبق هذه العقوبة بتجميد جميع أحكام الإعدام؛ كخطوة أولى نحو إلغاء العقوبة في كل الحالات.

كما تطالب هذه المنظمات أيضًا بتقليص عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، وقصرها على الجرائم ذات العواقب القانونية الخطيرة؛ وذلك طبقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وكانت ذروة الجهود الدولية في هذا الشأن هو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 كانون الأول (ديسمبر) 2007م، غير الإلزامي، والذي يدعو إلى تجميد تنفيذ أحكام الإعدام تمهيداً لإلغاء هذه العقوبة تمامًا، وهذا القرار اقترحته إيطاليا ورعته 87 دولة، وتم اعتماده بموافقة 104 دول، ومعارضة 54 دولة، وامتناع 29 دولة أعضاء في الجمعية العامة عن التصويت.

الجهات العلمانية المصرية التي تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام تقول إن تجديد الفكر الإسلامي يتطلب إظهار الوجه الحضاري للإسلام، وإلغاء هذه العقوبة التي لا تتطابق مع الشريعة الإسلامية، بل العقوبة هي الدية، لكن الواقع أن في مصر يعاقب الشخص مرتين على ذات الجرم، فتطبق العقوبة على الجاني ثم يطالب أهل المجني عليه بالحقوق المدنية والتعويض.

المطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام، يدعون أنها تتنافى مع روح مفهومي الكرامة الإنسانية والحرية، ويرون أنها دعوة لتعزيز الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة، ولاسيما وأن عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة التي لا يمكن إعادة النظر فيها إذا ظهرت أدلة جديدة تثبت براءة من أُدين، بالإضافة إلى أنه ثبت انعدام فاعلية الإعدام كأداة للردع، وبالتالي فإن استبقاء هذه العقوبة لا مبرر له سواء على مستوى المبادئ أو الجدوى.

عقوبة الإعدام تعادل القصاص في الشريعة الإسلامية، وهي ضرورة لردع الخارجين على القانون، وإلغاء العقوبة سيؤدي إلى انتشار الفساد والانحرافات في المجتمع. فبعض الدول الغربية ألغت عقوبة الإعدام، ومع تزايد الجرائم عادت إليها مرة أخرى.

ومنظمات حقوق الإنسان تخطئ كثيرًا حينما تتعاطف مع المجرمين الذين اعتدوا على الناس وقتلوهم أو روعوا الآمنين واستولوا على ممتلكاتهم، وكان الأولى بهذه المنظمات أن تساند أهل المجني عليه، وهو الضحية الذي يستحق التعاطف والمساعدة، أما القاتل فلم يظلمه القانون حينما عاقبه بالإعدام، ولم تفتئت عليه الشريعة الإسلامية حينما أعطت لولي القتيل حق المطالبة بالقصاص.

والذين يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام ينطلقون من منطلقات غير إسلامية ويعملون على تغريب المجتمع وترسيخ أسس الحضارة الغربية فيه، فمنظمات حقوق الإنسان أجندتها غربية وتمويلها غربي، ومن الطبيعي أن تطرح مثل هذه الأفكار وتتبنى تلك الدعوات.

وإلغاء عقوبة الإعدام ليس في مصلحة المجتمع، فالحكمة من القصاص هي توفير العدل، وفي القصاص رحمة، وقتل فرد واحد هو قتل للجميع إذا كان ذلك بغير حق، فالشريعة لا تنظر إلى القاتل والمقتول بشكل منفرد، ولكن الأمر يتعلق بالعدل وبالقصاص الذي هو أوسع بكثير من مفهوم القتل، فهناك القصاص في الجروح، وغيرها، القيمة العليا في الإسلام هي ميزان العدل، فلا حرية بلا حد، ومن مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النفس.

وفي القانون المصري أكثر من 57 نصًا تجريميًا يعاقب بجريمة الإعدام، ومنها الإعدام على جرائم ليست على القدر الكافي من الخطورة، فمجرد تهيئة مكان لتعاطي المواد المخدرة ليس بالجسامة التي تستوجب تطبيق عقوبة الإعدام، كما يعاقب القانون بالإعدام “كل من أنشأ أو أسس أو أدار جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة يكون الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين إذا كان الإرهاب ملحوظًا فيها”.

والشريعة الإسلامية تعتبر الجاني في الجرائم الكبرى مثل جرائم الحرابة التي من صورها المعاصرة الجرائم الإرهابية، معتدٍ على الأمة، بل على حق الحياة الذي أوجبت الشريعة احترامه، والله تعالى يقول: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 33، 34]
ولفقهاء الشريعة الإسلامية ثلاثة مذاهب في فهم هذه الآية:

القول الأول: إن الإمام مخيّر بين أن يقتلهم ويصلبهم أو يقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف أو ينفيهم من الأرض، يفعل من ذلك ما ينفع الناس ويردع المفسدين.

القول الثاني: إن الأحكام مرتبة باختلاف صفاتهم، فمن كان منهم ذا رأي وتدبير قتله الإمام ولم يعفُ عنه، ومَنْ كان ذا بطش وقوة، قُطعت يده ورجله من خلاف، ومن لم يكن ذا رأي ولا بطش عزر وحبس.

القول الثالث: إن الأحكام مرتبة باختلاف أفعالهم فمن قتل وأخذ المال قُتل وصُلِب، ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، ومن أظهر السلاح ولم يأخذ المال ولم يقتل عُزر بنفيه من بلده إلى بلد آخر.

وقد قسمت الشريعة الإسلامية العقوبات إلى ثلاثة أنواع، وهي: الحدود، القصاص، التعزير، وحددت عقوبة الإعدام في جرائم الحدود والقصاص، فالعقوبة الأصلية لجريمة القتل العمد هي القصاص أي قتل القاتل، إذا ما توافرت أركان الجريمة في حقه، ومع ذلك فقد أحاطت تطبيق هذه العقوبة القاسية بسياج من الضمانات والكثير من الشروط.
أما إذا عفا ولي الدم فإن العقوبة التعزيرية الواجبة لجريمة القتل، قد دارت آراء الفقهاء فيها على ثلاثة اتجاهات: فابن حزم يرى عدم العقاب مطلقًا بعد العفو، أما الإمام مالك والليث فقدرا العقوبة التعزيرية بمائة جلدة والسجن سنة، بينما يرى أبو حنيفة والشافعي وأحمد أن الجاني إذا كان معروفًا بالشر فإن للإمام أن يعزره بما يرى، حسب ما تقتضيه ظروف البيئة والمجتمع.