الإنتحار بين التجريم و التحريم

بقلم الدكتور محمود صالح العادلي
أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم القانون العام
كلية الشريعة والقانون بطنطا

*** بمناسبة ظاهرة الانتحار التي سادت الوطن العربي مؤخراً يثور التاؤل حول :

موقف القوانين الوضعية من المنتحر أو الشروع في الانتحار ؟
؟ وبتعبير أخر هل الإنسان له الحق في قتل نفسه ؟
وهل هي جناية أم جنحة أم لاعقوبة ؟ وما حقوق المنتحر المدنية والشرعية إذا وجدت ؟.

• وقبل الخوض في بيان موقف القانون الوضعي من الإنتحار ؛ تجدر الإشارة إلى أن الأديان السماوية تجمع على تحريمه .
• ففي الإسلام : الانتحار من كبائر الذنوب . فالله عز وجل يقول «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».
• وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به .فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) رواه البخاري ( 5442 ) ومسلم (109) .
• وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر ، عقوبةً له ، وزجراً لغيره أن يفعل فعله ، وأذن للناس أن يصلوا عليه ، فيسن لأهل العلم والفضل ترك الصلاة على المنتحر تأسيّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم .
• فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ( أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه ) رواه مسلم ( 9 ) .

قال النووي : المَشاقص : سهام عراض .

وفي هذا الحديث دليل لمن يقول : لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه , وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي , وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء : يصلى عليه , وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله , وصلت عليه الصحابة ” انتهى .

” شرح مسلم ” ( 7 / 47 (
• أما في الشريعتين المسيحية واليهودية :
إن الكتاب المقدس يذكر أربعه أشخاص أقدموا على الأنتحار :
شاول (صموئيل الأولى 4:31) ،
أخيتوفل (صموئيل الثانيه 23:17) ،
زمرى (الملوك الأول 18:16) ،
يهوذا (متى 5:27). وكل هؤلاء كانوا رجالاً اشرار وخطاة.
فالكتاب المقدس يرى أن الأنتحار مساويا للقتل . فان هذا هو بعينه قتل النفس. أن الله وحده هو الذي يقرر كيف ومتى يموت الشخص. أن تأخذ هذه السلطه في يدك هو تجديف على الله وفقا لتعاليم الكتاب المقدس.وفقا للكتاب المقدس فأن الأنتحار هو فعل قتل وهو خطية أنه لا يوجد أية ظروف يمكنها تبرير الأنتحار وبصفة خاصة للمسيحي. أن المسيحي مدعو أن يحيا حياته لله. أن قرار متى نموت هو في يد الله وحده.

 والانتحار كما يعرفه فقهاء القانون هو إنهاء الإنسان لحياته بنفسه ، أي أعتداء من الشخص على نفسه يؤدي إلى إزهاق روحه ؛ أما الشروع في الإنتحار فهو يتجسد في كل فعل – أو إمتناع – يؤدي ؛ حب المجرى العادي للأمور ؛ إلي إزهاق روح إنسان وإنهاء حياته غير أن النتيجة لا تتحقق ، أي أن وفاته لا تتم لسبب لا دخل لإرادة مَنْ أقدم على ارتكاب الفعل فيها ، وذلك مثل مَنْ يأخذ كمية كبيرة من الأدوية والحبوب أو يشرب سماً ثم يتم إنقاذه من قبــل أفراد أسرته أو من الآخرين بأخذه إلى المستشفي وعلاجـه في آخر لحظة ، أو أن يلقي بنفسه من سطــح شاهــق لعمارة أو جسر مرتفع ، غير أنه لا يموت .
 هذا ولقد كان الانتحار والشروع فيه جرائم يعاقب عليها القانون في أغلب التشريعات الجزائية في العالم, وكان المنتحر يحاكم بعد وفاته ما قبل الثورة الفرنسية بحيث يقضى بمصادرة أمواله ولا يزال التشريع الجزائي في بريطانيا يعاقب على الانتحار والشروع فيه.‏

 أما أغلب التشريعات الجزائية الحديثة فإنها على العكس لا تعاقب على الانتحار ولا على الشروع فيه, وإنما تخرج هذه الظاهرة من نطاق القانون لتدخلها في حيز الدين والأخلاق مثل (فرنسا ومصر وليبيا والسلطنة ) .
 ولما كان الانتحار يصعب معه توقيع أية عقوبة على المنتحر ؛ فيخرج بذلك عن دائرة التجريم والعقاب ؛ ذلك أن التجريم يفترض تقديم المتهم للمحاكمة وإحاطته علما بالإتهام المنسوب إليه ومنحه فرصة الدفاع عن نفسه ودرء شبهة الإتهام الموجهة إليه عن نفسه ، وهو أمر لا يمكن أن يحدث أبداً بعدما أصبح المنتحر في ذمة الله تعالي .

 أما الشروع في الإنتحار فيمكن – من الناحية النظرية تجريمه والعقاب عليه ؛ غير أن من شأن الزج بالحل الجنائي – أي التجريم والعقاب – هنا أن يعقد الأمور ؛ فمعاقبة الشخص الذي حاول الانتحار ولم يفلح ؛ قد يؤدي إلى زيادة هموم وآلام الفاعل ، مما قد يدفعه إلي التفكير مرة أخري في الإنتحار وعدم الفشل في تحقيق غايته ، في حين أنه إذا لم يُجرم الشروع فإن الظروف قد تتحسن ويتوب إلي الله ، وقد يدفعه ّذلك إلي استغلال طاقاته وإمكانياته ليكون إنساناً فاعلاً في المجتمع ؛ ويعود إلى صفوف المواطنين الصالحين .
 لذا فإن السياسة الجنائية الحالية لم تجرم فعل المنتحر تقديراً منها للبعد الاجتماعي والنفسي لمـــن شرع فـــي الإنتحار .

 ومع ذلك تنص بعض التشريعات ومنهاقانون الجزاء العماني – الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7/1974 – إذ تنص المادة ( 241 ) منه على أنه : (( يعاقب بالسجن عشر سنوات على الأكثر كل من حرض إنساناً على الإنتحار أو ساعده على قتل نفسه .
اذا لم تحصل الوفاة ونجم عن المحاولة أذَّى جسيم فتكون العقوبة من ثلاثة أشهر إلى سنتين .
اذا كان الشخص المحرض أو المساعد على الإنتحار حدثاً دون الخامسة عشر من عمره أو معتوهاً طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه )) .

 كما نصقانون العقوقات السورى في المادة 593 منه على أنه
(( 1- من حمل إنساناً بأي وسيلة كانت على الانتحار أو ساعده بطريقة من الطرق المذكورة في المادة 218 على قتل نفسه عوقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر إذا تم الانتحار.‏
2- عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين في حالة الشروع ونجم عنه إيذاء أو عجز دائم.‏
3- إذا كان الشخص المحمول أو المساعد على الانتحار حدثا دون الخامسة عشرة من عمره أو معتوهاً, طبقت عقوبات التحريض على القتل أو التدخل فيه)) .

• و قد اخذ بهذا الاتجاه قانون العقوبات لدولة الإمارات العربية المتحدة إذ تنص المادة 235 منه على أنه :
(( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنين من حرض آخر أو ساعده بأية وسيلة على الانتحار إذا تم الانتحار بناء على ذلك . وإذا كان المنتحر لم يتم الثامنة عشرة أو كان ناقص الإرادة أو الإدراك عد ذلك ظرفا مشددا . ويعاقب الجاني بعقوبة القتل عمداً أو الشروع فيه بحسب الأحوال إذا كان المنتحر أو من شرع في الإنتحار فاقد الإختيار أو الإدراك )).

كمااخد المشرع الليبي بنفس الاتجاه حيث نصت المادة 376 من قانون العقوبات الليبي الصادر سنة1953على انه (( كل من حمل غيره على الانتحار او ساعده على دلك ووقع الانتحار فعلا , يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات الى عشرة , و ادا لم يقع الانتحار و نجم عن الشروع فيه اذى خطير او جسيم فتكون العقوبة الحبس من ثلاثة اشهر الى سنتين )).