الزواج الإلكتروني بين القبول و الرفض

مع دخول الزواج تعددية المسميات وما صاحبه من جدل مجتمعي وديني كزواج المسيار وغيرها من المسميات الأخرى … برز نوع جديد من الزواج يسمى الزواج الإلكتروني .

فقد شهدت مجتمعاتنا العربية والإسلامية إقبالاً كبيراً على الزواج عبر الإنترنت وأصبح لهذه الطريقة في الزواج مواقع متخصصة ، بعضها يمنح حق الاشتراك فيها مجاناً مع تقاضي رسوم مقابل إرسال واستقبال رسائل إلكترونية والبعض الآخر يتقاضى رسوماً شهرية ثابتة وأخرى مجانية لكنها تخصص مساحة معينة في الصفحة الرئيسية للموقع للإعلان التجاري والتسوق . أما ما تشترطه هذه المواقع للإعلان فيها فمعظمها يطلب من المعلن أن يفيد بمعلومات أساسية من طوله ووزنه ومهنته ونبذة مختصرة عن حياته والسمات التي يبحث عنها في الشريك المفترض . وتطرح بعض المواقع أسماء وعناوين المأذونين … بينما تقوم مواقع أخرى بطرح وثيقة زواج للراغبين في الارتباط تشبه في تصميمها ورسمها وثيقة عقد القران المعروفة وبها خانة مخصصة للشهود يمكن تسميتها بالمأذون التكنولوجي .

وقد تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض لفكرة الزواج عن طريق الإنترنت :

أما الفئة المؤيدة لهذه الطريقة في الزواج فترى أن الزواج الإلكتروني وسيلة لمساعدة عرب المهجر على الزواج من فتيات عربيات فيساهم بذلك في معالجة مشكلة العنوسة وخصوصاً بعد ازدياد نسبتها في الوطن العربي بشرط أن يكون الهدف من هذا الزواج هو البحث عن شريك أو شريكة وليس اللعب واللهو …

والزواج الإلكتروني من وجهة نظرهم من شأنه أيضاً أن يساهم في التقليل من حدوث الأخطاء والمنكرات في مجتمعاتنا المحافظة بحيث لا يفسح المجال للاختلاط بين الشاب والفتاة قبل الزواج …

واعتبر بعضهم أن الزواج الإلكتروني وسيلة جيدة ليتم الاختيار من منطلق عقلي وليس من منطلق عاطفي وذلك لتوفير حد أدنى من فرض النجاح والاستمرار على أن يكون هناك إشراف من هيئات دينية واجتماعية وقانونية لتوفير الخبرات والاستشارات للأمور غير الواضحة للفئات العمرية المختلفة .

بينما ترى الفئة الثانية أن الزواج عن طريق الإنترنت بدعة محدثة تدعو إلى الضلال يجب قمعها وإدانتها بشكل كبير بحيث تراه خرقاً للقوانين الشرقية والشرعية باعتباره فكرة دخيلة على المجتمع الشرقي العربي لأنها تدعو إلى تزييف الحقائق والخروج عن التقاليد المتوارثة والوقوع في معاصي وأخطاء تضر الطرفين ولا ترضي الله ، وترى هذه الفئة أيضاً أن هذه الطريقة في الزواج تؤدي إلى ارتكاب الكذب والخداع بعرض الجوانب الإيجابية في شخصية المتقدم أو المتقدمة للزواج دون ذكر العيوب والحقيقة لأنها تخضع لمقاييس شكلية فقط .

وفي الواقع لا تزيد عن كونها لعباً ولهواً وتسلية تنقلب إلى جد ومن خلالها يكتشف الطرفان أنهما وقعا ضحية كل واحد منهما على حدة .

ولكي نعطي حديثنا عن الزواج الإلكتروني الصبغة الشرعية فلا بد من معرفة الرأي الشرعي في هذا الزواج !…

أجاز أحد العلماء عقد النكاح عبر الإنترنت(1) واعتبره بمثابة التعاقد بين غائبين ، فالطرفان غائبان بشخصيهما لكنهما يعقدان عقد الحاضرين ويسمع كل واحد منهما الآخر كما يسمعهما الشهود حين نطقهما بالإيجاب والقبول . وبرر رأيه بأن الإشكالات التي أوردها الفقهاء قديماً بشأن إجراء العقد بالمكاتبة حلتها طرق ووسائل الاتصال الحديثة كاشتراطهم الموالاة بين الإيجاب والقبول الذي كان غير ممكن في الماضي كما أن الشهود يمكنهم الاطلاع على الكتابة لحظة وصول الرسالة وإعلان المرسل إليه أمامهم . وأشار إلى ظهور بعض الوسائل التي يمكن أن تقلل من التزوير كرؤية أحد الطرفين الآخر عبر شاشة الحاسب الآلي المتصل بالإنترنت الذي يظهر صورة كل من المتحادثين ويمكن أن يُظهِر المتعاقدان وسائل الإثبات الخاصة بكل واحد منهما ، كما يمكن أن يَظهَر بعض الشهود المعروفين للطرفين أو يعرفون كلا الطرفين ويمكن أيضاً التأكد من هوية المتعاقدين من خلال التواقيع الإلكترونية الخاصة بهم التي تثبت شخصية أصحابها .

كما لم يعترض بعض العلماء على هذه الطريقة في الزواج(2) معتبرين الإنترنت وسيلة للتعارف والتواصل . فهذا التواصل مشروع ليتعرف الطرفان على بعضهما وليفهم كل واحد منهما ما عند الآخر إذ من شأنه أن يقربهما إلى الزواج الشرعي ما لم يخرج عن إطار الأخلاق والفضيلة فتتم الموافقة المبدئية عبر الإنترنت ثم تتم بعد ذلك الإجراءات الأخرى كأي زواج اعتيادي .

وقد رفض علماء الدين بالإجماع المأذون التكنولوجي مؤكدين أنه إهدار للأخلاق وعبث بأعراض الناس .

والقِران في قانوننا من العقود البسيطة التي لا تحتاج إلى مراسم خاصة ، وما يصحبها عادة من مقدمة يتلوها العاقد وفيها إشارة إلى حكمة الزواج والحث عليه والتنبيه لأخلاقياته إنما هي من الأمور المستحبة ولكنها لا علاقة لها بالانعقاد فالعقد يتم بتبادل الإيجاب (أي عرض الزواج من أحدهما على مهر معين) والقبول من الزوج الآخر وبموافقة الولي وحضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين عاقلين بالغين سامعين الإيجاب والقبول فاهمين المقصود بهما أمام القاضي الشرعي أو من يأذن له من مساعدي المحكمة وذلك بعد استكمال الأوراق المطلوبة والإجراءات التي تسبق العقد ثم يسجل الزواج في سجله المخصوص وترسل صورة عنه لدائرة الأحوال المدنية مع الإشارة إلى أن قانون التوقيع الإلكتروني السوري رقم 4 لعام 2009 استثنى المعاملات المتعلقة بالأحوال الشخصية ومنها الزواج من نطاق سريان أحكامه .

وأخيراً على الرغم من أن بعض الفقهاء أجاز الزواج الإلكتروني إلا أنني أرى أن علاقة بحجم الزواج بما له من عوامل وأركان وركائز فإنه يجب توافرها لقيام زواج بين اثنين منها الجانب العاطفي والوجداني العقلاني والروحي إلا أن الإنترنت مهما امتلك من أدوات وإمكانات لا يمكن أن يوفر هذه الركائز والخطر في عالم زواج الإنترنت هو الوصفة الافتراضية أي أن الخطر يكون في النقطة التي سيتم فيها التلاقي بين ما هو افتراضي وما هو حقيقي فيبدأ الصراع الداخلي الذي ينتصر فيه الحقيقي على الافتراضي لكن بعدما يكون هذا الأخير قد حقق مجموعة من الخسائر للطرفين دون أن يدريا . بالإضافة إلى أن الزواج ليس تزاوج بين الأفراد فقط وإنما مصاهرة بين مختلف العائلات لأنه ينشئ قرابة بين الزوجين وأهليهما ويأتي بأولاد لذا لا بد أن يتم بهدوء واستقرار ، و لا بد من تعارف العائلات على بعضها ليتعرف الجميع على عادات وسلوكيات بعضهم .

المحامية

ناريمان أحمد عدنان الأستاذ

(1) الدكتور عبد الرحمن السند : رئيس قسم الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

(2) الشيخ يحيى النجار وكيل وزارة الأوقاف في اليمن