حوكمة الشركات مبدأ إسلامي يخفض التكاليف ويجذب الاستثمارات
نور الشرقاوي من مصر
يحتل موضوع حوكمة الشركات اليوم أهمية كبرى على مستوى العالم، وذلك بالنظر إلى ازدياد دور شركات القطاع الخاص في الاقتصاد، و لا تنبع هذه الأهمية من كونها قضية أخلاقيه فقط، بل باعتبارها عملا أساسيا ومهما، خاصة فيما يتصل بمنشآت الأعمال،

ومن ثم فإن التحدي الذي يواجه الشركات اليوم هو ضرورة التحرك لتفعيل الحوكمة وتطبيقها بالطريقة الصحيحة وليس بانتظار فرضه من الجهات الرسمية…

في هذا التحقيق نحاول استكشاف الموضوع من جوانبه المختلفة والبحث عن الرؤية الشرعية والمفهوم الإسلامي للحوكمة.

مفهوم حوكمة الشركات
يشير مفهوم حوكمة الشركات، التي صدرت لائحته في المملكة العربية السعودية في عام 1427هـ الموافق 2006 للميلاد بشكل عام إلى القواعد والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية وأصحاب المصالح أو الأطراف المرتبطة بالشركة (حملة الأسهم أو السندات والعمال والموردين والدائنين والمستهلكين) من ناحية أخرى.

ويقول بعض المتخصصين إن مصطلح الحوكمة يعني وضع الضوابط ووسائل الرقابة التي تضمن حسن إدارة الشركات بما يحافظ على مصالح الأطراف ذات الصلة بالشركة، ويحد من التصرفات غير السليمة للمديرين التنفيذيين فيها وتفعيل دور مجالس الإدارة بها.

لكن إذا أردنا التحدث بشكل أكثر تحديدا فيمكن أن القول إن هذا الاصطلاح يقدم إجابات لعدة تساؤلات، من أهمها كيف يضمن المالكون ألا تسيء الإدارة استغلال أموالهم؟ كيف يتأكد هؤلاء أن الإدارة تسعى إلى تعظيم ربحية وقيمة أسهم الشركة في الأجل الطويل؟ ما مدى اهتمام الإدارة بالمصالح الأساسية للمجتمع في مجالات الصحة والبيئة؟ وأخيرا كيف يتمكن حملة الأسهم وأصحاب المصالح من رقابة الإدارة بشكل فاعل؟

أهمية حوكمة الشركات
في بحث عن حوكمة الشركات أعده محمد حسن يوسف قال فيه، إن اتباع المبادئ السليمة لحوكمة الشركات يؤدي إلى خلق الاحتياطات اللازمة ضد الفساد وسوء الإدارة مع تشجيع الشفافية في الحياة الاقتصادية، ويمثل يوسف لذلك بأن حوكمة الشركات الجيدة في شكل الإفصاح عن المعلومات المالية يمكن أن يعمل على تخفيض تكلفة رأسمال المنشأة،

كما أن حوكمة الشركات الجيدة تساعد على جذب الاستثمارات، سواء الأجنبية أو المحلية، وتساعد في الحد من هروب رؤوس الأموال ومكافحة الفساد، وإحدى الفوائد الكبرى التي تنشأ من تحسين حوكمة الشركات هي ازدياد إتاحة التمويل وإمكانية الحصول على مصادر أرخص للتمويل، وهو ما يزيد من أهمية الحوكمة بشكل خاص بالنسبة للدول النامية.

معايير حوكمة الشركات ومبادئها
حددت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إطارا تفصيليا لكي تستوفي الشركات شروط الحوكمة، وقد تم اعتماد تلك المبادئ من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عام 1999 ثم أدخل عليها بعض التعديلات عام 2004،

وباختصار، فإن تلك المبادئ هي:
ضمان وجود أساس فاعل لحوكمة الشركات يجب أن يتضمن إطار حوكمة الشركات كلا من تعزيز شفافية الأسواق وكفاءتها، كما يجب أن يكون متناسقا مع أحكام القانون وأن يصيغ بوضوح تقسيم المسؤوليات فيما بين السلطات الإشرافية والتنظيمية والتنفيذية المختلفة، كما أنه يجب حفظ حقوق جميع المساهمين وتشمل نقل ملكية الأسهم واختيار مجلس الإدارة والحصول على عائد في الأرباح ومراجعة القوائم المالية وحق المساهمين في المشاركة الفاعلة في اجتماعات الجمعية العامة،

كذلك المعاملة المتساوية بين جميع المساهمين وتعني المساواة بين حملة الأسهم داخل كل فئة وحقهم في الدفاع عن حقوقهم القانونية والتصويت في الجمعية العامة على القرارات الأساسية، وكذلك حمايتهم من أي عمليات استحواذ أو دمج مشكوك فيها أو من الاتجار في المعلومات الداخلية، وكذلك حقهم في الاطلاع على جميع المعاملات مع أعضاء مجلس الإدارة أو المديرين التنفيذيين، وأضافت المنظمة معيارا مهما هو دور أصحاب المصالح في أساليب ممارسة سلطات الإدارة بالشركة،

وتشمل احترام حقوقهم القانونية والتعويض عن أي انتهاك لتلك الحقوق، وكذلك آليات مشاركتهم الفاعلة في الرقابة على الشركة، وحصولهم على المعلومات المطلوبة، ويقصد بأصحاب المصالح البنوك والعاملون وحملة السندات والموردون والعملاء،

ولعل أهم هذه المعايير هو الإفصاح والشفافية وتتناول الإفصاح عن المعلومات المهمة ودور مراقب الحسابات والإفصاح عن ملكية النسبة العظمى من الأسهم والإفصاح المتعلق بأعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين، ويتم الإفصاح عن كل تلك المعلومات بطريقة عادلة بين جميع المساهمين وأصحاب المصالح في الوقت المناسب ودون تأخير، والمعيار الأخير هو مسؤوليات مجلس الإدارة ويشمل هيكل مجلس الإدارة وواجباته القانونية، وكيفية اختيار أعضائه ومهامه الأساسية ودوره في الإشراف على الإدارة التنفيذية.

حوكمة الشركات من منظور شرعي
جاءت الأنظمة والتشريعات بحوكمة الشركات من أجل تنظيم وترتيب أمورها، ويعد حفظ الحقوق من أهداف الحوكمة الأساسية وغيرها من المبادئ النبيلة، ومما هو معلوم أن الدين الإسلامي يدعم كل ما هو وسيلة إلى الخير شرط ألا تخالف الشرع فإن الغايات لا تبرر الوسائل،

ويكاد يجمع الباحثون والكاتبون حول حوكمة الشركات أنها تقوم على أربعة أسس رئيسة هي
العدالة وتحديد المسؤولية بدقة والمسائلة والمحاسبة وأخيرا الشفافية (الصدق والأمانة).

وإجمالا، فإن هذا المعنى للحوكمة يتفق مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية في حفاظها على المقاصد، فالمال يعد أحد المقاصد الخمس التي يجب حفظها وحمايتها بكل الطرق والسبل المشروعة، كما أننا لسنا في حاجة إلى التأكيد على موقف الإسلام من قيم العدالة والصدق والأمانة والحث عليهما بشكل عام.

وتعد العدالة من أهم الأسس التي تقوم العقود الشرعية عليها، وذلك ما نجده في آيات عديدة في القرآن الكريم منها

قول الله عز وجل:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ )،
وقوله تعالى: ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ ) ،
وقوله سبحانه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ

ومن المنظور الإسلامي، فإن تحديد المسؤولية بدقة أمر مهم وقد حددتها الشريعة بشكل دقيق، ويساند ذلك عند الفرد المسلم الدافع الديني لأن أيّ مسؤولية يتحملها المسلم بناء على تعاقد مع غيره لا يكون مسؤولا فقط أمام من تعاقد معه إنما هو مسؤول أولاً أمام الله، عزّ وجل، الذي أمر بالوفاء بالعقود.

وأما المساءلة فقد وضعت الشريعة الإسلامية في تنظيمها لعقود المعاملات أسسًا لمحاسبة كل طرف على مدى التزامه بأداء ما عليه من واجبات في العقد,
وقررت عقوبات حاسمة لمن يخلّ بها، والأمر لا يقتصر على الجزاء الشرعي أو الإداري أو القضائي، بل يستشعر المسلم الجزاء من الله، عز وجل، خاصة في الحالات التي يتمكّن فيها الإنسان من الإفلات من رقابة البشر والعقوبات الإدارية.

الشفافية وتعني الصدق والأمانة والدقة والشمول للمعلومات التي تُقدَّم عن أعمال الشركة للأطراف الذين لا تمكنهم ظروفهم من الإشراف المباشر على أعمال الشركة التي لهم فيها مصالح للتعرف إلى مدى أمانة وكفاءة الإدارة في إدارة أموالهم، والمحافظة على حقوقهم وتمكينهم من اتخاذ القرارات السليمة في علاقاتهم بالشركة،

ولسنا في حاجة إلى التأكيد على موقف الإسلام من قيم الصدق والأمانة والحث عليهما بشكل عام، إضافة إلى موقفه من الكذب وشهادة الزور فهي من الكبائر.
المصدر صحيفة الاقتصادية