تــطــور مــهــنـــة الــمـــحـــامـــاة

منذ القدم كان لمهنة المحاماة عظيم التقدير فحظيت بالتكريم من قبل المجتمع بعد ادراكه بأهمية ومكانة المحامي ،وبذلك سأستعرض بعض ملامح التتطور في مهنة المحاماة لدولتين تعتبران من أعظم دول القانون وهما روما وفرنسا ، فقد أحاطت روما الاهتمام بأصحاب مهنة المحاماة وأعطتهم المكانة الكريمةحتى ان أباطرتها كانوا يرتابون من أصحاب هذه المهنة كونها تضفي لأصحابها مكانة وجاهاً ، وكانت المحاماة تنقسم لشقين فهناك المشورة القانونية وهي من اختصاص الفقية وهناك المرافعة وهي للخطيب حيث يرافق صاحب الدعوى ويقف معه أمام المحكمة .

أما في فرنسا فقد بدأت ملامح المحاماة تظهر في عهد لويس التاسع والذي فرض على المحامين قيود شديدة فعليهم ألا يتقدموا إلا بقضايا سليمة وألا يكون دفاعهم إعتداءا على الحق ، بعدها وضع البرلمان الفرنسي قواعد تحدد أسماء من يبقون مقيديين بجدول المحاميين وبعض القيود التي لم تفقد أهميتها إلى اليوم .ومن ثم أنشئت اللأئحة للمرة الاولى عام 1790 وكانت تعتبر بداية عصرية لنظام المحاماة والذي تعرضت في تتطورها لإشراف ورقابة القضاء وخاصة في عهد نابليون والذي يعتبر من ألد الخصوم لمهنة المحاماة والمحاميين ، فقد ذكر في مقولته (أن مشروع المحاماة سخيف لا يترك لنا أي سلطان على المحاميين )، فهذه دلالة على عظيم المكانة التي حصلت عليها مهنة المحاماة في ذلك الوقت كما انها دلالة على أن من كان يمتهنها متميز بالجدارة والقوة إلا أن وبالرغم من العداء إلا أن مهنة المحاماة في فرنسا صمدت وانتصرت وتتطورت بشكل ملحوظ إلى أن أزيلت التفرقة بين أصناف المحاميين (محامون،وكلاء دعاوى،ممثلوا الدفاع أمام المحاكم) .

لم تكن مهنة المحاماة معروفة لدى العرب قبل الاسلام وكان هناك ما يسمى (حجاجا) ففي حالة النزاع يجوز لأحد الخصوم أن يوكل حجاجا ليدافع عنه إلا أنه عندما جاء الإسلام أخضع العرب وكثير من العجم لحكم الله تعالى فعين الرسول صلى الله عليه وسلم قضاة على الأمصار الخاضعة لحكم الله ، وكان بوجود القضاة لابد من وجود الوكلاء ومن هنا نشأت بوادر المحاماة في الاسلام وظلّ نظام الوكالة بمسماه إلى أواخر العهد العثماني حيث أنشأ معهد عرف بمكتب الحقوق الشاهاني واشترط العثمانيون فيمن يرغب بمزاولة مهنة المحاماة أن يكون من حاملي شهادة المعهد وأن يحسن قراءة وكتابة اللغة العثمانية .

وقد تأثرت البلاد العربية بهذا التقدم في مهنة المحاماة بتأثر الدولة العثمانية وبدأت تتدرج في تعديل قوانينها بتغير أوضاعها الاجتماعية والسياسية .

أما في سلطنة عمان وفي ظل التطور الجذري الذي شهدته منذ بزوغ النهضة المباركة كانت هناك بوادر التغيير تظهر بسرعة في النواحي الأساسية للدولة الحديثة ، فالمحاماة كانت غير معروفة بهذا الاسم فقد كان هناك ما يسمى بالوكلاء الشرعيين يتولون قضايا الناس أمام جهات القضاء ، وكانت بداية التنظيم هو من قبل وزارة التجارة والاقتصاد حيث تمنح الترخيص للمواطنين الحاصلين على شهادة القانون لفتح مكاتب الاستشارات القانونية ، وتزامنا مع الاهتمام بهذا المجال فقد أنشئت كلية الشريعة والقانون لتحصد أصحاب القانون والقضاء ومن ثم أنشئت كلية الحقوق لتكون مستقلة بدراستها وبمخرجاتها .

وكان لذلك عظيم الأثر في معرفة الناس بهمنة المحاماة واستقرارها في السلطنة رغم الاعتماد الكبير على المحاميين والاستشاريين من خارج البلد ، وقد جاءت المادة 65 من النظام الأساسي على تنظيم مهنة المحاماة كونها من المهن الانسانية ولها دورها الاجتماعي في الحفاظ على النظام واحقاق الحق بين الناس ، ثم جاء المرسوم السلطاني رقم 108/96 بإصدار قانون المحاماة وتم بموجبه انشاء لجنة قبول المحاميين بوزارة العدل واختصاصاتها هو النظر في الطلبات المقدمة لقيدها في جدول المحاميين كما تختص بتوقيع الجزاءات على المحاميين المخالفين والمحددة في المادة (56) من قانون المحاماة .

وبصدور المرسوم السلطاني والخاص بقانون المحاماة كان لابد من أبناء عمان أن يحرصوا كل الحرص على أن يكونوا جديرين بمهنة المحاماة محافظين على رسالتها العظيمة جنبا إلى جنب مع القضاء .

مريم بنت عبدالله الخروصي