تحول القضاء الدستوري / الكاتب طارق حرب / نقلا عن جريدة الزمان

بمناسبة صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا في 22/10/2012 والخاص بإلغاء اشغال المقاعد الشاغرة من القوائم الفائزة وعدم تخصيص اي مقعد للقوائم الخاسرة حتى لو كان لديها الباقي في انتخابات المحافظات ثار نقاش دستوري حول ما يسمى بمبدأ التحول في احكام القضاء الدستوري اي عدول هذه المحكمة عن مبدأ دستوري سبق ان قررته في احكام سابقه لها وكانت لنا محاضرة عن هذا الموضوع في احد المجالس الثقافية وابتدأنا بذكر قاعدة لا ينكر تغيير الاحكام بتغيير الازمان والمسألة من الوجه الفقهي ولاسيما لدى المذاهب الاسلامية وكيف ان تفسيرات اي مذهب يختلف عن تفسير مذهب اخر وكيف ان التغيير يحصل لدى الفقيه الواحد فلأمام الشافعي اختلف تفسيره ورأيه في كتابيه الرسالة والام بسبب ان رأيه في مصر اختلف عن رأيه في الذي ذكره عندما كان في العراق وذكرنا بعض من الامثلة على تحول رأي وقضاء المحاكم الدستورية العليا في بعض الدول منها تحول المجلس الدستوري الفرنسي سنة 1986 الى خلاف ما كان عليه قراره السابق بشأن الاجراءات التي تتخذ ضد الاجانب وقراره بشأم معاهدة ( ماستر رخت )

وقرارات المحكمة العليا الامريكية super me court في القرن العشرين التي اختلفت كليا عن قراراتها السابقة والتي اعتمدت سنة 1084 على المبرر الخاص وسنة 1989 على التغيير اللاحق للظروف وما قررته المحكمة العليا البلجيكية في احكام كثيره من عدم اعمال المبادئ السابقة التي قررتها ولاسيما عدوليها سنة 2003 عن قرارها السابق الصادر سنة 1996 الخاص بمسألة حماية الأطفال دون سن 15 سنة واكثر من هذا السن وما ذهبت اليه قرارات المحكمة العليا الاسبانية مثاله قرارها الصادر سنة 2003 المتعلق بحق الطعن في الاحكام حيث خالفت قرارها الصادر سنة 1999 الذي كان يمنع الطعن على اساس تقدير الادلة والقضايا الكثيرة الصادرة من المحكمة الدستورية المصرية في هذا الموضوع .

وفي محاضرة بدأنا فيها بالتعريف في موضوع التحول القضائي الدستوري اي تحول المحكمة العليا عن قضاء سابق لها في الموضوع نفسه ومدى تطبيق مبدأ السوابق القضائية الذي قد يقف عائقاً امام هذا التحول على الاقل من الوجهة النظرية ذلك ان جميع المحاكم الدستورية في العالم عرفت هذا المبدأ واخذت به وذكرنا شيء عن معوقات التي تقف امام هذا المبدأ كمبادىء الدستور العليا وقلنا ان التحول القضائي يدعم هذه المباديء لانه عدوى المحكمة عن تفسير خاطيء للنص الدستوري اما مسألة تحديده للأحكام السابقة التي صدرت بما يخالف الحكم الجديد فقد استقر القضاء في المحاكم الدستورية على ان الحكم الجديد يطبق على الحالات الجديدة ولا يشمل الحالات السابقة ان انه لا يسري على الماضي وقد قيل في اسباب التحول القضائي انه يعطي للمحكمة مبرراً لتصحيح احكام سابقة بما يؤمن زيادة حماية الحقوق والحريات والمساواة امام القانون لاسيما وان مداه يضمن الوصول الى تقارب بين اتجاهات القضاء الدستوري مع القضاء غير الدستوري اي الذي يصدر من المحاكم الاخرى والتوفيق بين العوامل الخارجية التي تؤثر على القضاء الدستوري كالانظمة القانونية والموازنة (المقارنة) والقضاء الدولي .

واذا كان التحول قد يكون صريحا بحيث يكون الحكم عدولاً مباشراً عن الحكم السابق فانه قد يكون ضمنياً من خلال عدم تطرق قرار المحكمة الى المبدأ وهذا ما ظهر واضحاً في قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر يوم 20/10/2012 بالنسبة لاهمال الباقي الاقوى وهذا ما يظهر من قضاء هذه المحكمة سواء بالنسبة للطعن في دستورية القوانين ام عند اصدارها اراء وتفسيرات للنص الدستوري اذ الذي يمكن استنتاجه من احكام هذه المحكمة انها اخذت بفكرة التحول القضائي الدستوري في حالات معينة ان كانت قليلة ولكن من المتوقع ان تتوسع المحكمة في هذه الحالات على النحو الذي يزيد من المشروعية الدستورية وهذا ناتج من طبيعة ومحتوى دستور 2005 العراقي الذي كتب على وجه الاستعجال في مدة لا تزيد على اربعة اشهر الامر الذي ادى الى وجود قصور ونقص في الاحكام والقواعد والتي كان من اللازم تنظيمها بالدستور الامر الذي حمل المحكمة العليا مهمة شاقة في تأدية مهماتها وذلك ما يمكن ملاحظته من مئات القرارات والتفسيرات التي اصدرتها منذ صدور القانون (الامر التشريعي) رقم 30 لسنة 2005 الذي انشأ هذه المحكمة والحق يقال ان هذه المحكمة كانت الاكثر اخلاصاً لأحكام الدستور والاعلى اعتقاداً بمهمتها المقدسة بحيث لم تتسم بالجمود وكانت قادرة على تبني التطور والافكار والظروف والاحوال ويؤكد ذلك ان محكمتنا العليا اصدرت جميع احكامها و آرائها بالاتفاق وهي ميزة وسمة لهذه المحكمة يفوق ما موجود لدى المحاكم الدستورية في المنطقة كالمحكمة الدستورية المصرية ويكفي للتدليل على ذلك الرجوع الى (الانتاج) الدستوري الفخم لهذه الحكمة طبقاً لأحكام المادة 93 من الدستور .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت