مما لاشك فيه أن وضع تعريف جامع ومانع للإعتماد المستندي يعتبر من الصعوبة بمكان، نظرا لتعدد صوره وتباين أشكاله، فقد عرفه القانون التجاري المصري في مادته 341 ” الاعتماد المستندي اعتماد يفتحه المصرف بناءا على طلب أحد عملائه ويسمى الآمر، لصالح شخص آخر ويسمى المستفيد لضمان مستندات بضاعة منقولة أو معدة للنقل. ويعتبر الاعتماد المستندي مستقلا عن عقد البيع الذي فتح الاعتماد بسببه، ويبقى المصرف أجنبيا عن هذا البيع” (1) . ويقترب هذا التعريف من التعريف الذي أعطته لجنة تعديل القانون التجاري الفرنسي بأن ” الاعتماد المستندي اعتماد مفتوح بواسطة بنك بناءا على طلب آمر لصالح مراسل لهذا الأخير، ومضمون بحيازة مستندات ممثلة لبضاعة منقولة أو معدة للنقل ” (2) . أما الأستاذ علي البارودي فقد عرف الاعتماد المستندي بأنه: تعهد صادر من البنك بناءا على طلب الزبون يسمى الآمر لصالح الغير المصدر ويسمى المستفيد، يلتزم البنك بمقتضاه بدفع أو بقبول كمبيالات مسحوبة عليه من هذا المستفيد، وذلك بشروط معينة ترد في هذا التعهد ومضمون برهن حيازي على المستندات للبضائع المستوردة (3) .

كما يرى بعض الفقه بأن الاعتماد المستندي هو تعهد كتابي صادر من البنك بناءا على طلب الزبون المستورد للبضائع ويسمى الآمر، لصالح مصدر ما ويسمى المستفيد يلتزم البنك بمقتضاه بدفع أو بقبول كمبيالات مسحوبة عليه من المستفيد بناء على طلب الزبون الآمر وذلك بشروط معينة واردة في هذا التعهد و مضمون برهن حيازي على المستندات الممثلة للبضائع المصدرة (4) . كما عرفه حسن دياب بأنه تصرف قانوني يتعهد البنك المنشئ بمقتضاه بأن يدفع لطرف ثالث يدعى المستفيد مبلغا من المال وفقا لتعليمات الآمر أو يتعهد بأداء قيمة الكمبيالة أو الكمبيالات التي يسحبها المستفيد أو يقبلها أو يتدوالها مباشرة، أو يفوض أي بنك آخر القيام بذلك، لقاء مستندات معينة تتطابق مع الشروط والأوصاف التي تم الاتفاق عليها مسبقا (5). من خلال هذه التعريفات نجد أنها تعرف الاعتماد المستندي من الناحية المصرفية دون التركيز على الناحية القانونية، كما أنها لم تشر إلى عنصر هام في الاعتماد المستندي وهو أنه تعهد مستقل يصدره البنك لصالح المستفيد، كما أن هذه التعريفات وإن كانت تشير إلى أن التزام البنك اتجاه المستفيد هو لقاء تقديم مستندات مطابقة لشروط الاعتماد، إلا أنها لم تشر إلى أن التعامل بين البنك والمستفيد يكون على أساس المستندات وحدها دون البضائع، التي تمثلها هذه المستندات. أما المادة الثانية من القواعد والعادات الموحدة للاعتمادات المستندية. النشرة 600 لسنة 2007 فقد نصت على ما يلي:

” إن عبارات الاعتمادات المستندية والاعتمادات المعدة للاستعمال المعبر عنها أدناه بمصطلح “الاعتماد”، تعني كل ترتيب أو توافق مهما كانت تسميته أو وصفه يقوم بمقتضاه بنك ) البنك المصدر ( بطلب من عميله وبناءا على تعليمات الآمر أو لحسابه الخاص بما يلي:

أ- الالتزام بأن يؤدي مبلغا معينا لطرف ثالث أو لآمره “المستفيد” أو بأن يقبل أو يوفي أوراقا تجارية كمبيالات مسحوبة من طرف المستفيد.

ب – أو بالترخيص لبنك آخر لكي يقوم بعملية الوفاء لفائدة المستفيد أو بعملية قبول أو وفاء الأوراق التجارية الكمبيالات التي يسحبها هذا الأخير.

ت- أو بالترخيص لبنك آخر بالتفاوض أو التداول ويكون كل ذلك مقابل تسليم مستندات متفق عليها مع فرض أن يكون قد تم احترام نصوص وشروط الاعتماد.

من خلال هذا التعريف الذي قدمته النشرة 600 لسنة 2007 ، نستنتج مجموعة من الخلاصات:

* أنه ينطبق على الاعتمادات المستندية ما ينطبق على خطاب الضمان (6) . رغم أن هذا الأخير يختلف عن الاعتماد المستندي (7) .

* أن هذا التعريف ينطبق على الاعتماد المستندي بمعناه المعروف وهو الاعتماد المستندي ذو الثلاثة أطراف “العميل البنك المستفيد”. كما ينطبق على الاعتماد المستندي ذي الطرفين ” البنك المصدر، المستفيد”. ومن هنا جاء تعريف الاعتماد المستندي بصورته الجديدة وهو الاعتماد ذو الطرفين.

* أن هذا التعريف جاء ببيان وسائل تنفيذ الاعتماد” الدفع الفوري الدفع المؤجل القبول والشراء”. أما على مستوى التشريعات الوطنية (8) فإن المشرع المغربي لم يقم بتنظيم الاعتماد المستندي لا من خلال مدونة التجارة لسنة 1996 أو القانون البنكي لسنة 2006 وإنما أحال في ذلك على القواعد والعادات الموحدة للاعتمادات المستندية وكان مبرر ذلك ما جاء في رد وزير التجارة والصناعة التقليدية عند تقديم مشروع مدونة التجارة سنة 1996 أمام لجنة الاقتصاد وشؤون المهاجرين حيث قال أن البنوك المغربية تلتزم بالقواعد والعادات الموحدة الموضوعة بهذا الشأن من طرف غرفة التجارة الدولية (9). غير أن المثير للاستغراب هو أن مشروع مدونة التجارة لسنة 1988 قد نظم الاعتماد المستندي لأول مرة في المواد 480 – 488 . حيث قدم المشروع تعريفا للاعتماد المستندي بأنه : اعتماد تفتحه المؤسسة البنكية بطلب من شخص آخر لفائدة عميل يكون مضمونا بحيازة المستندات الممثلة للبضائع أثناء نقلها أو معدة للنقل (10) .

من خلال التعريفات التي آثرتها والتي تتسم غالبيها بالطابع الوصفي والشمولي استنتجت أن الاعتماد المستندي يتميز بثلاث خصائص :

أول هذه الخصائص: أن الاعتماد المستندي يفترض وجود ثلاث أطراف : الآمر أو المستورد وهو المحرك لتدخل الطرف الثاني (10) ، وهو المصرف لمنح تعهده لصالح الطرف الثالث وهو المستفيد .

ومن ناحية أخرى، يفترض الاعتماد المستندي وجود علاقتين قانونيتين على الأقل : العلاقة القانونية الأولى تقوم بين المشتري والمصرف بمقتضاها يصدر الأول أوامره للثاني بفتح الاعتماد المستندي أما العلاقة القانونية الثانية فهي بين المصرف والبائع أو المصدر أو أي مستفيد آخر (11) .

ومن ناحية ثالثة المستندات، وتعد المميز الأساسي للاعتماد المستندي ، فالبائع لا يمكنه الحصول من المصرف المصدر أو مراسله المنفذ على ما وعد به في خطاب الاعتماد إلا إذا استوفى شروط هذا الاعتماد وأهمها تقديم المستندات المتفق عليها. وبعد هذا الجرد الذي قدمته للتعريفات الفقهية والتشريعية وبعض الملاحظات التي أثرتها بشأنها، فإنني أقترح تعريفا للاعتماد المستندي على الشكل التالي: بأنه تعهد مستقل يصدر عن البنك المصدر بناءا على طلب أحد عملائه “الآمر” لصالح شخص ثالث المستفيد، يتضمن التزاما من البنك بأن يدفع للمستفيد أو أن يتعهد بالدفع المؤجل أو خصم كمبيالات مسحوبة المستفيد وذلك مقابل تقديم المستندات المحددة في عقد الاعتماد المستندي. غير أنه في الأخير وكما قلت في مستهل هذه الفقرة فإنه من الصعوبة بمكان تقديم تعريف مانع وجامع للاعتماد المستندي.

______________

1- أورده محي الدين إسماعيل علم الدين: العمليات الائتمانية في البنوك وضماناتها . طبعة – 1975 . ص: 7 (بدون دار النشر ).

2- محمد الفروجي . العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة –

2001 ، ص: 348 .

3-علي البارودي: العقود عمليات البنوك التجارية بدون تاريخ الطبع ولا دار النشر ص: 376

4- محي الدين إسماعيل علم الدين: الاعتمادات المستندية مطبعة الفقه والقضاء ص7 (بدون تاريخ النشر).

5- حسن دياب : الاعتمادات المستندية التجارية. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت، طبعة – 1999 ،

ص: 13 .

6- خطاب الضمان: تعهد مكتوب يصدره البنك الضامن بناءا على طلب عميله الآمر بشأن عملية محددة أو غرض محدد يلتزم بموجبه البنك أن يدفع إلى طرف ثالث المستفيد مبلغا معينا عند أول طلب سواء كان طلبا مجردا أو مبررا أو مصحوبا بتقديم مستندات محددة في الخطاب يقدمها المستفيد خلال أجل محدد عادة أو غير محدد، في اثناء سريان اجله

رغم أي معارضة من العميل المضمون أو البنك الضامن. على أن يكون الضامن شخصا غير المتعاقد مع المستفيد الذي طلب الضمان لصالح شخص مستفيد. أورده: علي جمال الدين عوض: خطابات الضمان المصرفية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000 ، ص: 11 .

7 – Thierry BONNEAU ، Droit Bancaire، 6ème éditions، Monchrestien، Paris، 2005، p : 485.

8- القانون التجاري التونسي من خلال الفصل – 720 لسنة 1991

9- محمد الفروجي المرجع السابق ص 348.

10- أحمد شكري السباعي: الوسيط في النظرة العامة في قانون التجارة والمقاولات التجارية والمدنية، الجزء الثاني دار النشر للمعرفة، الطبعة الأولى 2002 ، ص: 101

11- وقد يوجد طرف رابع وهو مراسل الطرف الثاني في موطن البائع والذي يعهد إليه بمهمة تنفيذ الاعتماد سواء بإضافة تعزيزه.

12- قد توجد علاقة قانونية ثالثة بين المصدر ومراسله في موطن المشتري والذي يطلق عليه المصرف المخطر، وذلك إذا اقتصرت مهمته على إخطار المستفيد بالاعتماد، أو يطلق عليه المصرف المكلف بالتنفيذ إذا عهد إليه تنفيذ الاعتماد. ناهيك عن العلاقة الأصلية بين البائع والمشتري، والذي جاء هذا الاعتماد لتسوية نتائجها وهي لا تدخل في عداد العلاقات القانونية التي يحتويها الاعتماد المستندي، فهي علاقة خارجة عن الاعتماد وغير مؤثرة فيه.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .