يقوم هذا المبدأ على اساس توزيع اختصاصات السلطة بين هيئات متعددة، فهناك هيئة أو سلطة تختص بالتشريع، واخرى تباشر التنفيذ وثالثة تختص بالفصل في المنازعات بين الافراد (السلطة القضائية). ويعد هذا المبدأ حصيلة جهد فكري وفلسفي للعديد من المفكرين والفلاسفة منذ عصور موغلة في التاريخ(1) حيث نادوا بضرورة تفادي جمع السلطات في قبضة شخص واحد أو هيئة واحدة(2).وأرتبط هذا المبدأ بأسم الفقيه الفرنسي مونتيسكيو وذلك لما قام به من شرح وتأصيل، واليه يعزى الفضل في ٳبراز هذا المبدأ بالصورة التي هو عليها الآن. وانطلق مونتيسكيو في تبريره لهذا الفصل من مبدأ ” حماية الحقوق والحريات ” وقرر أن الوسيلة الأساسية لممارسة السلطة مع المحافظة في الوقت ذاته على حماية الحقوق والحريات هو الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات. فجمع السلطات كلها في يد فرد أو هيئة واحدة مهما كانت حكمتها يؤدي الى الطغيان والاستبداد. وفي ذلك قضاء على الحرية.

ولذلك كان مبدأ الفصل بين السلطات هو الأساس لتحقيق الحكومة المعتدلة. فكل شخص يحوز قدرا من السلطة يميل دائماً الى الشطط في استعمالها الى أن تقوم في مواجهته سلطة اخرى موازية تحد من شططه وتحول بينه وبين التعسف(3) على أن المقصود بالفصل بين السلطات هو ليس الفصل المطلق أي ليس الفصل التام، بل يجب أن يكون بين السلطات تعاون وتوازن حتى تستطيع كل منهم أن توقف الأخرى عند حدودها، أي عند حدود مهمتها أو اختصاصاتها، اذا أرادت أن تتجاوز تلك الحدود، أي أن تسيء استعمال سلطتها أو أن تستبد بالسلطة(4). وهكذا اذاً يكون مبدأ الفصل بين السلطات هو الكفيل بصيانة حقوق الافراد وحرياتهم، لأن العكس وهو جمع السلطات وتركيزها في يد واحدة أو هيئة واحدة لا بد وأن يؤدي الى التحكم والاستبداد وضياع هذه الحقوق والحريات(5).

وقد تبنى دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥ مبدأ الفصل بين السلطات باعتباره الضمانة الأهم لحقوق الإنسان وحرياته، فأقر الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في المادة ( ٤٧ ) منه والتي تنص على أن ” تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات “، ٳلا أن الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لم يكن فصلا تاما – وهذا هو المعنى الحقيقي لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو شأن النظم السياسية البرلمانية المعمول بها في العديد من دول العالم – وفيما يلي بعض أوجه التداخل ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في دستور ٢٠٠٥: –

دعوة رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوما من تأريخ المصادقة على نتائج الانتخابات العامة (م ٥٤ ) دعوة رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء مجلس النواب الى جلسة استثنائية (م ٥٨ / أولاً) .

تمديد الفصل التشريعي لدورة انعقاد مجلس النواب بما لا يزيد على ثلاثين يوماً، لانجاز المهمات التي تستدعي ذلك، بناء على طلب من رئيس الجمهورية، أو رئيس مجلس الوزراء (م ٥٨ / ثانياً) .

مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء (م ٦٠) يصادق رئيس الجمهورية ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب (م ٧٣ / ثانياً).

لمجلس الرئاسة ( الذي يحل محل رئيس الجمهورية في الدورة الاولى فقط ) حق الاعتراض على مشاريع القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب (م ١٣٨ / خامساً).

يحل مجلس النواب بناء على طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية (م ٦٤ ) يختص مجلس النواب بالرقابة على اداء السلطة التنفيذية (م ٦١ / ثانياً) .

لمجلس النواب مساءلة رئيس الجمهورية بناء على طلب مسبب، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب (م ٦١ / سادساً / أ) .

لمجلس النواب اعفاء رئيس الجمهورية، بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب، بعد ادانته من المحكمة الاتحادية العليا، في احدى الحالات الآتية : الحنث في اليمين الدستورية، انتهاك الدستور، الخيانة العظمى (م ٦١ / سادساً / ب) .

لمجلس الوزراء تحريك وسائل المسؤولية الوزارية (السؤال، الاستيضاح، الاستجواب، سحب الثقة) (م ٦١ / سابعاً وثامناً) .

_______________

1- انظر د. حمید حنون خالد، الأنظمة السیاسیة، ط ١، مطبعة الفائق، بغداد، ٢٠٠٨ ، ص ٨٨ .

2- راجع في عرض الأفكار التي مھدت لنشأة مبدأ الفصل بین السلطات : د. محمد كامل لیلة، النظم السیاسیة ( الدولة والحكومة )، دار الفكر العربي ، بدون سنة طبع، ص ٥٥١ وما بعدھا

3- انظر د. أحمد عبد الوھاب السید، الحمایة الدستوریة لحق الإنسان في قضاء طبیعي، ط ١، مؤسسة بیتر للطباعة، القاھرة، ٢٠٠٣ ،ص ١٦٢ .

4- انظر د. عبد الحمید متولي، الحریات العامة – نظرات في تطورھا وضماناتھا ومستقبلھا- ، منشأة المعارف، الاسكندریة، بدون سنة طبع،ص ٨٦

5- انظر د. محمد رفعت عبد الوھاب، الأنظمة السیاسیة، ط ١، منشورات الحلبي الحقوقیة، بیروت، ٢٠٠٧ ،ص ١٩٤

المؤلف : مها بهجت يونس
الكتاب أو المصدر : مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية / العدد الاول / حقوق الانسان وحرياته…
الجزء والصفحة : ص147-149.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .