إن الجريمة كظاهرة قانونية تستلزم لقيامها وتحققها توفر أركان يشترط المشرع وجودها فيها وهي عادة الركن المادي والركن المعنوي وبما ان إلهاب الألعاب النارية من الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الواقعي يشترط فيها المشرع تحقق الخطر إذن نضيف الى ركنيها العامين ركناً ثالثاً يتمثل بالخطر.

الفرع الأول : الركن المادي

إن أية جريمة لا قيام لها إلا بتحقق ركنها المادي بعناصره الثلاثة السلوك والنتيجة والعلاقة السببية وهذا ما يتحقق في جريمة إلهاب الألعاب النارية إذ إن إثباتها يستلزم نسبة الفعل الى فاعله إذا ركنها المادي يتكون من عناصره الثلاثة.

أولا ً: السلوك

ان السلوك المنشئ للجريمة أما أن يكون ايجابياً وأما يكون سلبياً والسلبي يتحقق بالترك أو الامتناع، ولكن السلوك المتحقق في جريمة إلهاب الألعاب النارية هو السلوك الايجابي المتمثل بنشاط ايجابي صادر عن الجاني يظهر جلياً باستخدام احد أعضائه بصورة إرادية فمقدار ارتكابه للجريمة المذكورة يستخدم يديه على سبيل المثال، لإشعال الألعاب النارية في الجهات التي يمكن ان ينشأ عن إلهابها إتلاف أو خطر أو ضرر – كأن تكون مصنع أو مستودع للذخائر أو الأسلحة أو ملحقاتها أو في مخزن عسكري أو معدات عسكرية أو منجم أو بئر للنفط أو مستودع للوقود أو المواد القابلة للالتهاب أو المفرقعات أو محطة للقوة الكهربائية أو المائية أو الذرية أو محطة للسكك الحديدية أو ماكنة قطار أو في عربة فيها شخص أو في طائرة أو في حوض للسفينة أو السفن أو في مبنى مسكون أو محل آهل بجماعة من الناس أو مبنى مشغول من دائرة رسمية أو شبه رسمية أو مؤسسة عامة أو ذات نفع عام (1) ، وهو بذلك يكون مرتكباً لجريمة إلهاب الألعاب النارية المعاقب عليها قانوناً.

ولكن ما المقصود بالألعاب النارية؟

وهي مادة سريعة الالتهاب ومن خواصها المميزة إنها تحترق بصورة شديدة وهائلة جداً وتستخدم لغرض التنوير والإشارة أو لغرض الحريق أو لتوليد حجاب دخان(2). بناءً على هذا التعريف المتقدم نرى بأن الألعاب النارية الأصل في استخدامها الإباحة لأنها تستخدم للأغراض السلمية كالتنوير، أو الإشارة، أو لتوليد حجاب دخان ولكنها إذا ما استخدمت لغرض ارتكاب جريمة معاقب عليها بالقانون كان تستخدم لغرض تحقيق إتلاف، أو ضرر، أو تحقيق خطر في جهات معينة فان هذا السلوك يعد إجرامياً محققاً لجريمة إلهاب الألعاب النارية المقلقة للسكينة العامة. ولكن الذي يلاحظ على هذه الجريمة بأنها قد لا تتحقق بإلهاب الألعاب النارية فقط وإنما يمكن ان تعد متحققة إذا ما ارتكبت بوسيلة لها ذات الأثر الذي تتركه الألعاب النارية(3) على سبيل المثال المفرقعات.

ولكن ما المقصود بالمفرقعات؟

المفرقع هو تلك المادة التي عند إشعالها بصورة مناسبة تكون قادرة على توليد ضغط فجائي شديد حول محيطه، وتصنف الى عدة أصناف تبعاً لاستخدامها أو لشدتها، والذي يهمنا تصنيفها وفقاً لشدتها حيث تصنف المفرقعات الى:

المفرقعات الواطئة الانفجار: وهي تلك المفرقعات التي عند إشعالها بصورة مناسبة تكون قادرة على توليد ضغط فجائي شديد حول محيطه.

والمفرقعات العالية الانفجار: وهي تلك المفرقعات التي لها خاصية الانفجار وتعطي موجات عصف.

والمفرقعات الأخرى: يطلق عليها بالمفرقعات المتفرقة وهي تلك المفرقعات التي لها خاصية الانفجار والتي تستخدم لغرض توليد الدخان أو تأثيرات الحريق، ومثالها البارود الأسود والألعاب النارية.

هذا ويلاحظ بان هذه الأنواع مجتمعة تتأثر بدرجة الحرارة والرطوبة فالمفرقعات الواطئة الانفجار عند تعرضها للحرارة العالية في المختبر تتخلل وتصبح مهيأة للاشتعال الذاتي، أما المفرقعات العالية الانفجار، فهي تتلف وتفسد وتصبح كجزء حساس مهيأ للحوادث وعرضة لأخطار الحريق، أما بالنسبة للمفرقعات المتفرقة فأنها تتلف وتفسد وتصبح مهيأة للاشتعال الذاتي كالألعاب النارية، هذا من جانب. ومن جانب آخر فان هذه الأنواع من المفرقعات تتأثر بدرجة الرطوبة، أيضا ًفبالنسبة للمفرقعات الواطئة الانفجار فأنها لا تتأثر بدرجة الرطوبة إذا كان تخزينها بصورة نظامية، أما إذا خزنت لمدة طويلة في مكان ذا رطوبة عالية فأنها تفقد خواصها المثالية، أما المفرقعات العالية الانفجار فمعظمها تتلف وتفسد وتفقد حساسيتها بوجود الرطوبة وقد لا تنفجر بنفس التأثير عند أول صنعها، وأخيراً الأنواع الأخرى من المفرقعات فالرطوبة ألد أعدائها فمنها ما يتلف وتقل حساسيته والبعض الآخر يصبح عديم الفائدة(4). وعليه فأن أي نوع من أنواع المفرقعات المذكورة أنفاً إذا استخدم في أي جهة من الجهات التي يمكن ان ينشأ عنها إتلاف، أو خطر ، أو ضرر فان مرتكب هذا السلوك يعّد مرتكب لجريمة إلهاب الألعاب النارية أو نحوها المعاقب عليها بنص المادة (495/أولا ً) من قانون العقوبات العراقي(5).

ثانياً: النتيجة الجرمية

ان النتيجة هي التغيير الحاصل في العالم الخارجي من جراء السلوك الإجرامي الذي ينال حقاً أو مصلحة يرى المشرع بأنها جديرة بالحماية من الاعتداء عليها. النتيجة أما ان تكون مادية وفقاً لمدلولها المادي وأما ان تكون قانونية وفقاً لمدلولها القانوني، حيث ان الأول يتمثل بالتغيير الذي يحدثه السلوك الإجرامي في العالم الخارجي، والثاني يتمثل بالاعتداء على الحق أو المصلحة المحمية جنائياً. وكذلك بينا بان النتيجة القانونية هي الغالبة على الجرائم الماسة بالسكينة العامة باعتبار ان معظمها من جرائم الخطر المجرد الذي لا تشترط نتيجة مادية، ولكن هذا لا يمنع من ان تتحقق النتيجة المادية في القليل النادر منها كجريمة إلهاب الألعاب النارية حيث ان الضرر والإتلاف الذي يسببه السلوك الإجرامي المنشيء لها هو نتيجة مادية تمس حقاً أو مصلحة جديرة بالحماية، إذن النتيجة في هذا النوع من الجرائم هي التغيير الحاصل في العالم الخارجي من جراء السلوك الإجرامي متمثلاً بأحداث إتلاف أو ضرر أو خطر في الأماكن التي يتم فيها إلهاب الألعاب النارية أو نحوها.

ثالثاً: علاقة السببية

وهي الرابطة أو الصلة التي تربط ما بين السلوك والنتيجة، بمعنى هي الصلة التي بموجبها ينسب الفعل الى فاعله، وهذه العلاقة كما بينا غير متحققة في معظم الجرائم الماسة بالسكينة العامة، باعتبار ان الغالبية العظمى منها من الجرائم ذات الخطر المجرد والتي لا تستلزم توفر علاقة سببية ما بين الفعل والنتيجة لأنها تجرم بمجرد ارتكاب السلوك وبغض النظر عن النتيجة المترتبة عليه، أي ان النتيجة مندمجة مع السلوك وليست منفصلة عنه هذه هي القاعدة العامة، لكن استثناءاً يمكن ان يشترط لقيام الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الواقعي توفر علاقة سببية ما بين السلوك والنتيجة باعتبار ان كلا منهما منفصل عن الآخر. وبما ان جريمة إلهاب الألعاب النارية هي من الجرائم ذات الخطر الواقعي يستلزم الأمر لتحقق ركنها المادي توفر العلاقة السببية ما بين السلوك والنتيجة.

ولكن ما هو معيارها؟

لقد تعددت النظريات الفقهية حول تحديد معيار للعلاقة السببية – كما سبق البيان- ولكن تماشياً مع نهج المشرع العراقي نأخذ بنظرية تعادل الأسباب التي تؤكد بأن الجاني يسأل عن الجريمة التي ارتكبها حتى لو ساهم مع سلوكه الإجرامي في إحداثها سبب آخر سواء كان سابق أم معاصر أم لاحق ولو كان يجهله(6). ولكن هذا لا يمنع من التخفيف من حدة هذه النظرية كما فعل المشرع العراقي أيضا حينما قضى بان السبب الاجنبي إذا كان كافياً لوحده لإحداث النتيجة الجرمية فلا يسأل الجاني إلا عن الفعل الذي ارتكبه(7). وهكذا فإذا ساهم مع سلوك الجاني في ارتكاب جريمة إلهاب الألعاب النارية عوامل سابقة أو معاصرة أو لاحقة له فهي جميعها متعادلة في تحقيق النتيجة الضارة ولو كان لا علم له بها، ولكن إذا كان سلوكه وحده كافياً لإحداث النتيجة الإجرامية فلا يسأل إلا عن الفعل الذي ارتكبه.

الفرع الثاني : الركن المعنوي

إن جريمة إلهاب الألعاب النارية قد ترتكب بصورة عمدية وهي بذلك تعد من الجرائم العمدية التي تستلزم لقيامها توافر الركن المعنوي اللازم لقيام الجرائم العمدية وهو القصد الجنائي، المتعدد الأنواع ولكن القصد الجنائي الذي يتحقق في هذه الجريمة هو القصد العام الذي يشترط لتحققه العلم والإرادة، بمعنى تحقق علم الجاني بان السلوك الذي يرتكبه جريمة يعاقب عليه القانون وان إرادته متجهة إليه. وعليه لقيام الركن المعنوي في جريمة إلهاب الألعاب النارية العمدية يجب ان يكون الجاني عالماً بان إلهاب الألعاب النارية أو نحوها في جهات يمكن ان ينشأ عن إلهابها فيها ضرر أو خطر كأن يكون إلهابها في مصنع، أو مستودع للذخائر، أو الأسلحة، أو ملحقاته، أو في مخزن عسكري أو معدات عسكرية، أو منجم، أو بئر للنفط، أو في مستودع للوقود، أو مواد قابلة للالتهاب، أو المفرقعات، أو في محطة للقوة الكهربائية، أو المائية، أو الذرية، أو محطة للسكك الحديدية، أو ماكنة للقطار، أو في عربة فيها شخص، أو في عربة ضمن قطار فيه أشخاص، أو في مطار، أو في طائرة، أو في حوض للسفن، أو في سفينة،أو في محل آهل بجماعة من الناس، أو مؤسسة ذات نفع عام(8).وهذا لا يكفي بل لابد من ان تكون إرادته متجهة الى تحقيق النتيجة الضارة التي حظرها المشرع من خلال تجريمه للسلوك المنشيء لهذه الجريمة، فإذا لم تتوفر تلك الإرادة انتفى عنصر من عناصر القصد العام وبالتالي لا يسأل الشخص عن جريمة عمدية، وكذا الحال بالنسبة لعلمه فإذا انتفى علم بالسلوك الإجرامي بمعنى انه لم يكن عالماً أو كان جاهلاً بان الفعل الذي يرتكبه يمكن ان يؤدي الى النتيجة الضارة المحظورة فهنا يكون قد انتفى عنصر من عناصر الركن المعنوي وبالتالي لا يسأل الجاني عن جريمة عمدية وقد ترتكب هذه الجريمة بصورة غير عمدية عن طريق الإهمال أو رعونة أو عدم اخذ الاحتياط الكافي لمنع الضرر أو الخطر، أو الإتلاف أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة والأوامر فان الأمر يستلزم توفر الخطأ كصورة من صور الركن المعنوي بالنسبة للجرائم التي ترتكب بصورة غير عمدية كما لو ارتكبت هذه الجريمة بسبب إهمال العاملين في المستودعات.

الفرع الثالث : الخطر

إن الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر الواقعي ، تشترط لقيامها تحقق الخطر كعنصر من عناصر تحققها ويستخلص هذا الأمر من نص المشرع صراحة عليه ولذلك فإننا نرى بان جريمة إلهاب الألعاب النارية يستلزم لتحققها لو لنهوضها ان يكون هناك خطر منذر بوقوع ضرر أو تلف ، ولكنه خطر من الدرجة الوسطى لا الدنيا ولا العليا لان الأولى لا تحقق جريمة، والثانية تنذر بوقوع ضرر أكيد وحتمي وفي الغالب قد يكون جسيماً، وهو خطر عام وحال وبدونه تنقطع علاقة السببية ما بين السلوك والنتيجة. يلاحظ على هذه الجرائم بأنها تختلف عن الجرائم الماسة بالسكينة العامة ذات الخطر المجرد التي يكون الخطر فيها مفترض قابل لإثبات العكس وغير مباشر وبالتالي تستلزم تحقق علاقة سببية بين الفعل والنتيجة ويستلزم من القاضي إثباته.

_____________________

[1])) ينظر نص المادة (342/ 2) من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969.

(2) العقيد صالح هادي الجبوري، دراسة حول المفرقعات، مدرسة الشؤون الإدارية ، بغداد، 1989، ص3.

(3) نصت المادة (495/أولا ً) على انه (….. من ألهب بغير إذن ألعاباً نارية أو نحوهما…..).

(4) العقيد صالح هادي الجبوري، المرجع السابق، ص3.

(5) نصت المادة (495أولاً ) على انه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر أو بغرامة، أولا :- من ألهب ألعاباً نارية أو نحوها في الجهات التي يمكن ان ينشأ خطر أو ضرر أو إتلاف فيها عن إلهابها).

(6) ينظر نص المادة 29/1من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969.

(7) ينظر ذات المادة (2) من القانون ذاته.

(8) ينظر نص المادة 342/ 2 من قانون العقوبات العراقي.

المؤلف : ندى صالح هادي الجبوري
الكتاب أو المصدر : الجرائم الماسة بالسكينة العامة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .