معلومات هامة عن محاكمة المدنيين في المحاكم العسكرية

بقلـم : عبداللطيف وهبي, محامي ونائب رئيس مجلس النواب

وجود مدني أمام المحكمة العسكرية مسألة شديدة الحساسية يتعين التضييق فيها

من بين شروط المحاكمة العادلة التي تخضع لها المحكمة العسكرية نجد :

1 – من حيث تضييق مجال الاختصاص:
فالقصد دائما أن من أهم شروط المحاكمة العادلة هو مثول المتهم أمام قاضيه الطبيعي، لأن العسكري في حقيقة الأمر تنطبق عليه هذه القاعدة على مستوى القاضي المدني عندما تكون جرائمه ذات صبغة حق عام، أي بعيدة عن المجال العسكري، أما القاضي العسكري فإنه يتحول إلى قاض طبيعي «استثنائيا» حينما تكون الجرائم المرتكبة من طرف العسكري تدخل في المجال العسكري، وتنطبق عليه بشكل خاص النصوص ذات الخلفية العسكرية.

وبالمقابل فإن وجود مدني أمام المحكمة العسكرية هي مسألة شديدة الحساسية يتعين التضييق فيها، لأن القاضي الطبيعي للشخص المدني هو القاضي المدني، وعليه فإن إحالة المدني على القاضي العسكري بحسب طبيعة الجريمة، يجب أن يكون حالة استثنائية ضيقة وبشكل مفرط أمام المحكمة العسكرية.

في حقيقة الأمر فإنه يمكن الجزم أن المحكمة تكون متخصصة عندما تبت في جرائم عسكرية مرتكبة من طرف جنود، وتتحول إلى محكمة استثنائية عندما تحاكم مدنيا ارتكب جرائم حتى ولو كانت تدخل في المجال العسكري، لذلك يفترض في أن يكون العنصر الذي يستند عليه في إحالة مدني على المحكمة العسكرية عنصرا أساسيا يرتبط بخطورة الجريمة في شكلها الأقصى، وأن يكون لهذا الفعل الجرمي تماس مع المجال العسكري، وأن يرتبط كذلك بالحالة التي يكون فيها الاستقرار العام معرضا للخطر.

ومن تم فإن اختزال مجال اختصاص المحكمة العسكرية في هذا المشروع بالإشارة إلى أننا أمام محكمة متخصصة وليس محكمة استثنائية – والتي هي محاكم محظورة دستوريا وفقا للفصل 127من الدستور- وأن تضييق مجال اختصاص قضاء المحكمة العسكرية، هو في حقيقة الأمر أحد الحقوق التي أولاها المشرع اهتماما خاصا، وجعلها من العناصر الأساسية لشروط المحاكمة العادلة، ذلك أن المشروع نص صراحة على عدم اختصاص المحكمة العسكرية في العديد من الحالات، كما هو الحال بالنسبة إلى مضمون المادة الخامسة التي نصت على منع محاكمة الأحداث أمامها، وكذلك المادة السادسة التي نصت على عدم محاكمة المدنيين العاملين في خدمة القوات المسلحة، ثم استثنت المادة الرابعة كذلك الجرائم المرتكبة من طرف العسكريين أثناء ممارستهم لمهام الضابطة القضائية .

2 – من حيث تعدد مراحل التقاضي :
إن من أهم ما جاء به المشروع هو إعادة النظر في التنظيم القضائي للمحكمة العسكرية من حيث الشكل، وأصبح حضور المدنيين بشكل متساو مع العسكريين في هيأة الحكم، وخلق المرحلة الثانية للتقاضي «غرف الجنايات»، أي إمكانية الطعن في الاستئناف فيما يهم مجال الجنايات وفقا للمادتين 13 و 14 من المشروع، وهو أمر إيجابي نسجله للمشروع، ولم يكن مسموحا به أمام المحكمة العسكرية سابقا، وكان ذلك الاستثناء عن الإجراءات العادية في المحاكم العادية.

3 – من حيث حضور الدفاع:
نص المشروع صراحة في مادته 64 على ضرورة حضور المحامي الذي يستدعى يومين كاملين على الأقل قبل كل استنطاق، و رغم أن هذه المادة نصت على إمكانية تنازل الطرفين على مؤازرة الدفاع، أي المتهم المطالب بالحق، فإن هذه الإمكانية لا مجال لإعمالها خاصة حينما نكون أمام جرائم الجنايات أو حتى الجرائم الجنحية التي يمكن أن تحال على التحقيق، بحكم أن جرائم العسكريين غالبا ما تتسم بالتعقيد، لكونها تتقاطع بين مضمون القوانين الجنائية وبين الضوابط العسكرية، وهذا الأخير مجال معقد يحتاج إلى نوع من الاهتمام الخاص يتعين معه حضور المحامي، كوسيلة مثلى لإدراك المتهم بحقوقه وفهم قضيته، وأن احتمال تنازله عن دفاعه يجب أي يعوض ليس بالاستغناء عن المحامي ولكن بتعويض المحامي الغائب، لأن حضور المحامي ليس فقط لمصلحة المتهم، ولكنه أساسا لمصلحة العدالة التي هي المدى الأسمى الذي يجب أن تسعى إليه الدولة، وهو أيضا من التزاماتها اتجاه مواطنيها.

إن المادة 62 نصت على أن قاضي التحقيق يشعر المتهم قبل الاستماع إليه في حقه اختيار الدفاع، وإن لم يمارس هذا الحق، فإن لقاضي التحقيق تعيين محام ليؤازره، وهكذا لا يمكن أن نمنح هذه السلطة لقاضي التحقيق _سلطة تعيين محام لمؤازرة المتهم_ ثم نعطي للمتهم حق التنازل عن هذا الحق الذي منحه المشرع لقاضي التحقيق، لأن كما أسلفنا فإن حضور هذا المحامي المعين من طرف قاضي التحقيق أو غير ذلك، هو في حقيقة الأمر قوة لمساعدة قضاء التحقيق نفسه من أجل الوصول إلى الحقيقة القانونية ونسبيا الواقعية التي تخدم العدالة بشكل عام، غير أن المادة 62 عند تأكيدها على ضرورة حضور محام ربطته بمقتضى مستحضرة إياه من الماضي، خلقته ظروف خاصة لتمنح له الاستمرارية في الوجود رغم تغيير الظروف والأحوال، وهذه الحالة هي لائحة المدافعين العسكريين التي تحدد من طرف جلالة الملك، ويعين عسكريين يقومون بمهام الدفاع عن المتهمين أي محام بدون صفة، والحقيقة أن هذا الموضوع مرفوض من حيث مبدأ إطلاقيته، إذ يمكن قبول هذا المقتضى عندما نكون في حالة الحرب وبالتالي يصعب حضور محام في ظل هذه الظروف وأما في حالة السلم، فإن حجم أسرة هيأة الدفاع وحق النيابة العامة وقضاء التحقيق وهيأة المحامين بتعيين محامي في إطار المساعدة القانونية، يجعل هذا المقتضى غير ذي موضوع، إلا إذا حولنا هذه اللائحة إلى مستشارين في المجال التقني العسكري للمحامين المدنيين المنصبين في ملفات أمام المحكمة العسكرية والتي تفترض الإلمام ببعض معطيات المجال العسكري، وان يتم ذلك بناء على طلب من الدفاع، أما وجودهم كمحامين عسكريين تحت يافطة المدافعين فهم يتناقضون مع مبدأين أساسيين لطبيعة المحاماة.

أولا : مع وحدة أسرة هيأة المحاماة لأنهم بصفتهم تلك خارجون على رقابة هيآت ومؤسسات المحامين.
ثانيا : مع مفهوم الاستقلالية التي هي العمود الفقري لمهنة المحاماة.
ومن تم يجب التعامل مع موضوع لائحة المدافعين بتضييق شديد في طبيعة دورهم و في زمان ومكان هذا الدور.