محكمة النقض تضرب بأحكام المحكمة الدستورية العليا عرض الحائط

..
صدمت عندما علمت أن الهيئة المجتمعة للمواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض قد قضت فى الطعن رقم 8529 لسنة ق الصادر بجلسة 17/3/2008 إلى أن السلع الرأسمالية المستوردة تخضع للضريبة العامة على المبيعات بغض النظر عن الغرض من استيرادها ….

ونحن لا نتعرض للأحكام بالتجريح أو نعترض على أحكام القضاء ..، ولكن نضع بحثنا القانونى ووجهة نظرنا لعله يكون مفيدا ….

فمن المسقر عليه فقها وقضاء أن أحكام لمحكمة الدستورية العليا لها حجيتها وملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة ، وكذلك حيثيات أحكامها فلا يجوز فصل منطوق الحكم عن حيثياته ، وولاية المحكمة الدستورية العليا فى المسائل التى تدخل فى أختصاصها هى ولاية منفردة لا مزاحمة فيها ، ولقد نص الباب الثالث من قانونها على الأحكام والقرارات فى المواد من 46 إلى 51 ، كما نصت أيضا المادة 26 من قانونها على الآتى :- ” تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور وذلك إذا أثارت خلافا فى التطبيق ، وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها .

كما أن للمحكمة الدستورية العليا متى عرض عليها دعوى من الدعاوى فلها أن تفصل من تلقاء نفسها فى جميع المسائل الفرعية إعمالا لنص المادة 47 من قانونها ..

ومما تقدم يكون قد بات واضحا وجليا أن المحكمة الدستورية العليا هى الأقدر على تفسير القوانين ، كما أنها صاحبة هذا الاختصاص بنص القانون ، ويكون لها أن تفسر القانون باعتباره أحد المسائل الفرعية المعروضه عليها فى أحد الدعاوى ، وأختصاصات المحكمة الدستورية العليا هى اختصاصات فريدة لا تملكها أى محكمة أخرى مهما كانت درجتها .

ولقد قضت المحكمة الدستورية العليا فى الطعن رقم 3 لسنة 23 ق ” دستورية” بتاريخ 13/5/2007 بالحكم الآتى :

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد 13 مايو سنة 2007 م ، الموافق 26 من ربيع الآخر سنة 1428 ه .
برئاسة السيد المستشار/ ماهر عبدالواحد رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين :ماهر البحيرى ومحمد عبد القادر عبد الله وأنور رشاد العاصى والهام نجيب نوار وسعيد مرعى عمرو وتهانى محمدالجبالى
وحضور السيد المستشار / نجيب جمال الدين علما رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم3 لسنة 23 قضائية “دستورية”

المقامة من

السيد رئيس مجلس إدارة شركة النيل للكبريت والمساكن الخشبية الجاهزة

ضد

1 – السيد رئيس الجمهورية
2 – السيد رئيس مجلس الوزراء
3- السيد وزير المالية
4 – السيد رئيس مصلحة الضرائب على المبيعات

الإجراءات

بتاريخ الحادى عشر من شهر يناير سنة 2001 أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبة الحكم بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة الثانية والفقرات (2، 3، 4) من المادة السادسة من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين طلبت فيهما الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 1032 لسنة 1999 تجارى كلى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضد المدعى عليه الثالث طالبة الحكم بإلزامه وآخرين متضامنين بأن يؤدوا إليها مبلغ قيمته 99ر826730 جنيهاً قيمة الضريبة المسددة منها عن (55) رسالة قطع غيار مستوردة من الخارج لاستخدامها فى أعمال الصيانة والإحلال والتجديد لمعدات مصانعها، وبجلسة 29/3/2000 قضت تلك المحكمة برفض الدعوى طعنت المدعية على هذا الحكم بالاستئناف رقم 1249 لسنة 56 قضائية أمام محكمة استئناف الإسكندرية، وأثناء نظره دفعت بعدم دستورية نصوص الفقرة الأولى من المادة الثانية والفقرات 2، 3، 4 من المادة السادسة من قانون الضريبة العامه على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للشركة المدعية برفع دعوها الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.

وحيث إن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن المصلحة الشخصية المباشرة وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، بما مؤداه أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة، وهو ما يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية ويرسم تخوم ولايتها فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى، وبالقدر اللازم للفصل فيها، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً، ويتعين دوما أن يكون الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلا بالعناصر التى يقوم عليها، ممكناً تحديده وتسويته بالترضية القضائية، عائداً فى مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن النص قد طبق على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعاً، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه قبلها.

وحيث إن المقرر أيضاً فى قضاء هذه المحكمة، أن الخطأ فى تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها فى حمأه المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة فى ذاتها، وأن الفصل فى دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التى فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها عليه إلى الضوابط التى فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعاً.

وحيث إن نصوص قانون الضريبة العامة على المبيعات تعتبر كلاً واحداً، يكمل بعضها البعض ويتعين أن تفسر عباراته بما يمنع أى تعارض بينها، إذ أن الأصل فى النصوص القانونية التى تنتظمها وحدة الموضوع، هو إمتناع فصلها عن بعضها، باعتبار أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معانيها وتتحد توجهاتها ليكون نسيجا متألفاً، ولما كان نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1999 سالف الذكر تنص على أن (تفرض الضريبة العامة على المبيعات على السلع المصنعة والمستوردة إلا ما استثنى بنص خاص…..) – فإن تعين هذا الالتزام الضريبى لا يستقيم منهجا إلا بالكشف عن جملة دلالات ومفاهيم عناصر هذا الالتزام: كماهية المكلف، وماهية المستورد، وهو ما لا يتأتى سوى بالتعرض وجوباً لدلالات الألفاظ التى حسبما أوردها المشرع بالمادة الأولى من ذات القانون، حيث عرفت (المكلف) بأنه “الشخص الطبيعى أو المعنوى المكلف بتحصيل وتوريد الضريبة للمصلحة سواء كان منتجا صناعياً، أوتاجرا أو مؤديا لخدمة خاضعة للضريبة بلغت مبيعاته حد التسجيل المنصوص عليه فى هذا القانون، وكذلك كل مستورد لسلعة أو خدمة خاضعة للضريبة بغرض الاتجار مهما كان حجم معاملاته”. كما عرفت “المستورد” بأنه “كل شخص طبيعى أو معنوى يقوم ياستيراد سلع صناعية أو خدمات من الخارج خاضعة للضريبة بغرض الاتجار” – الأمر الذى يتضح معه بجلاء اتجاه إرادة المشرع إلى إخضاع السلع والخدمات التى يتم استيرادها بغرض الاتجار لضريبة المبيعات المقررة وفقاً لهذا القانون، وقد ربط دوماً فى نطاق الخضوع لها بين الاستيراد والاتجار فيما يتم استيراده، متى كان ذلك وكانت الشركة المدعية تهدف بدعواها الموضوعية إعفاءها من الخضوع للضريبة العامة على المبيعات على قطع الغيار المستوردة لاستخدامها فى الصيانة والإحلال لمصانعها، فإن التطبيق السليم لنصوص قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر القانون رقم 11 لسنة 1991 يكون محققاً للشركة المدعية بغيتها من دعواها الموضوعية، ولا يكون لها مصلحة فى الطعن على النصوص الطعينة بحسبان أن الضرر المدعى به ليس مرده إلى تلك النصوص وإنما مرده إلى الفهم الخاطئ لها والتطبيق غير السليم لأحكامها، ومن ثم فإن الشركة المدعية يمكنها بلوغ طلباتها الموضوعية من خلال نجاحها فى إثبات الفرض من استيراد المواد المجلوبة من الخارج – وذلك شأنها أمام محكمة الموضوع – دون حاجة إلى التعرض للنص من الوجه الدستورية، الأمر الذى تنتفى معه المصلحة فى الدعوى الماثلة، ويتعين القضاء فيها بعدم القبول.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، ومصادرة الكفالة وإلزام الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

وعلى ضوء حيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا صاحبة الولاية المنفردة بهذا الاختصاص فى تفسير القوانين دون مزاحمة فيها ، وبمفهوم المخالفة يكون قد بات واضحا وجليا أن القانون رقم 11 لسنة 1991 قد قرر إعفاء السلع الرأسمالية المستوردة من ضريبة المبيعات متى كانت بغير غرض الاتجار أو البيع ، وهذا الحكم ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة هذا من جهة …

من جهة أخرى ، ولما كان المقرر قانون ووفقا لأحكام المادة 23 مكرر من القانون رقم 11 لسنة 1991 قانون الضريبة العامة على المبيعات ( مضافة بالقانون رقم 9 لسنة 2005) قد نصت على أن :-

” للمسجل عند حساب الضريبة أن يخصم من الضريبة المستحقة عن قيمة مبيعاته من السلع والخدمات ما سبق تحميله من هذه الضريبة على الألات والمعدات وأجزائها وقطع الغيار التى تستخدم فى إنتاج سلعة أو تأدية خدمة خاضعة للضريبة ، وذلك عدا سيارات نقل الأفراد وسيارات الركوب إلا إذا كان إستخدامها هو النشاط المرخص به للمنشأة 0

ويكون الخصم فى حدود المستحق من الضريبة ، ويرحل مالم يخصم إلى الفترات الضريبية التالية حتى يتم الخصم بالكامل ، ويضع وزير المالية قواعد سداد الضريبة على الألات والمعدات 0 “

وأمام صراحة النص لا مجال للأجتهاد ، وعليه يكون قد بات واضحا وجليا أن المشرع قد أتجهت إرادته إلى إعفاء السلع والبضائع الرأسمالية من ضريبة المبيعات متى كانت هذه السلع والبضائع الرأسمالية تدخل فى الأنتاج ،

وسواء كانت هذه السلع محلية أو مستوردة ، وأن القول بغير ذلك يدعوى إلى تساؤل عن ما هى الحكمة التى ابتغاها المشرع من إضافة نص المادة 23 مكرر لقانون الضريبة العامة على المبيعات بالقانون رقم 9 لسنة 2009 الصادر بتاريخ 30 مارس سنه 2005 م …؟

وهذه المادة المضافة قد قررت خصم ما سبق تحميله من ضريبة مبيعات على الألات والمعدات وأجزائها وقطع الغيار التى تستخدم فى إنتاج سلعة أو تأدية خدمة خاضعة للضريبة …

سواء كانت هذه الآلات والمعدات وأجزائها وقطع الغيار محلية الصنع وسدد عنها ضريبة مبيعات عند الشراء أو سبق استيرادها وسداد ضريبة مبيعات عنها أثناء الإفراج الجمركى فنص المادة مطلق ويظل على إطلاقه ولم يحدد الأسس الذى تم على ضوئها سداد ضريبة المبيعات ..

بل اشترط للخصم أن تكون الآلات تستخدم فى إنتاج سلعة أو تأدية خدمة خاضعة للضريبة …..

وهذه المادة أيضا قد أزالت التقصير التشريعى بشأن إزدواج ضريبة المبيعات فالآلات والمعدات كان يسدد عنها ضريبة مبيعات ، ثم يخضع إنتاج هذه الآلات والمعدات لضريبة المبيعات مرة أخرى ، وهو ما يعد إزدواجا ضريبيا ،

وهنا تدخل المشرع بإضافة المادة 23 مكرر لقانون ضريبة المبيعات رقم 11 لسنة 1991 بالقانون رقم 9 لسنة 2005 لعلاج القصور التشريعى .

وكانت مصلحة الضرائب على المبيعات تعالج النقص التشريعى الوارد بالقانون 11 لسنة 1991 – قبل إضافة المادة 23 مكرر – بالتعليمات رقم 2 لسنة 1993 الصادرة بتاريخ 27/3/1993 والتى قررت أن المستورد لحسابه وليس بغرض الاتجار أو البيع غير مخاطب بأحكام القانون 11 لسنة 1991 ….

وأخيرا إن أحكام المحكمة الدستورية العليا هى بمثابة قوانين يجب أن تنفذ من الكافة وجميع سلطات الدولة ….