محاضرة للمحام المبتدئ

المؤلف : محمد نجيب الغرابلي المصدر : مجلة المحاماة – مصر سنة 1931

المحاضرةالتي ألقاها حضرة صاحب السعادة محمد نجيب الغرابلي باشا نقيب المحامين فيحفلة افتتاح المحاضرات السنوية للمحامين تحت التمرين بالقاعة الكبرىبمحكمة الاستئناف الأهلية

في يوم الخميس الموافق 9 إبريل سنة 1931 الساعة الرابعة ونصف مساءً
حضرات السادة،
باسمالله افتتح محاضراتنا في هذا العام لإخواننا المحامين تحت التمرين وأبدأبشكركم على تفضلكم بتلبية دعوة النقابة إلى احتفالنا المتواضع كما أنيأعرب لحضراتكم عن سروري وسرور زملائي بتشريفكم لهذا الاجتماع لأنه ليس أحبإلى نفوسنا من أن يجتمع خدام العدالة على هذا النحو البسيط الخالي منالكلفة والتعقيدات الرسمية ليهبوا شيئًا من ثمرة تجاربهم إلى إخوانهمالناشئين في المحاماة.

فالمحامي الذي يجتاز دور التمرين بحاجة إلى أنيستنير، ليس فقط بتجارب إخوانه الذين سبقوه في المحاماة، بل هو محتاجأيضًا إلى أن يسترشد بتجاريب إخوانه القضاة ورجال النيابة الذين وإن كانوالا يمارسون مهنته إلا أنه تربطهم به رابطة الغرض المشترك وهو خدمةالعدالة، هذا فضلاً عن أن من القضاة من كانوا محامين ومن المحامين منكانوا قضاة وهؤلاء وهؤلاء يستطيعون بفضل ما اكتسبوه من الخبرة والمران أنيسدوا إلى إخواننا المبتدئين خيرًا كثيرًا.

لذلك فإنه مما يزيد سروريوسرور حضرات زملائي أن نسمع في اجتماعاتنا الصغيرة هذه من وقت لآخر كلمةمن رجال القضاء أو من رجال النيابة يدلون فيها بما يعن لهم من الأفكارلتوحيد جهود القضاء والنيابة والمحاماة.
كما أننا وقد اعتزمنا أن نقرنمحاضراتنا بتمرينات عملية يقوم بها حضرات المحامين المبتدئين أنفسهميتدربون فيها على تحرير الأحكام والقيام بوظيفة النيابة العمومية إلى جانبتمرنهم على الدفاع ليلمس المحامي بالفعل حاجة القضاء وحاجة النيابة وحاجةالمحاماة إلى التعاون الوثيق في خدمة العدالة، نرجو أن لا يضن حضرات رجالالقضاء والنيابة بأن يشاركوا حضرات المحامين في إبداء ما يعن لهم منالملاحظات على أعمال هذه المحاكم الإعدادية.

وهذه الطريقة قد سبقتناإليها نقابة المحامين لدى المحاكم المختلطة فنحن إنما نحذو في ذلك حذوهؤلاء الزملاء المحترمين الذين سبقونا إلى هذا الإصلاح، ولعل نقابةالمحامين لدى المحاكم الشرعية ترى من جانبها أيضًا الأخذ بهذه الطريقةفتكون النقابات الثلاث قد وحدت خطتها في إفادة حضرات المحامين تحت التمرين.

وظيفة المحاماة

حضرات الزملاء المحترمين،
إنالمحاماة هي دفع الأذى، والإنسان مفطور بطبيعته على دفع الأذى عن نفسه،ولكنه قد يعجز عن ذلك لأسباب شتى، حينئذٍ تقضي المروءة على كل إنسان قادرأن يهب للدفاع عن ذلك العاجز فإذا قام شخص أو أشخاص بذلك الدفاع سقط هذاالفرض عن الباقين لأنه فرض كفاية.
ولما كان تزايد السكان واتساعالعمران وكثرة المنشآت واختلاف صور المعاملات يقضي بتخصص بعض الرجاللدراسة الحقوق وطرق المطالبة بها والدفاع عنها كان طبيعًيا أن يلتجئ هؤلاءالضعفاء إلى من انقطعوا إلى دراسة الحقوق لأن نبل المرء ومروءته وشرفمقصده، كل ذلك لا يكفي لجعله مدافعًا حسن الدفاع بل لا بد من أن يكونملمًا بالحقوق التي يريد أن ينتصر لها عالمًا بأساليب المطالبة بها أوالذود عنها.
فالباعث إذن على احتراف مهنة المحاماة هي نزعة شريفة إلىالدفاع عن المظلومين، وهذه النزعة الشريفة لا تؤتي ثمارها إلا بدراسةالحقوق وتطبيقها تطبيقًا صالحًا وكلا الأمرين لا غنى له عن الأخر، فدراسةالحقوق لا تؤهل الإنسان للمحاماة إذا كان مجردًا عن هذه النزعة الشريفةكما أن هذه النزعة الشريفة وحدها لا تجعل من الإنسان محاميًا إذا هو لميدرس الحقوق علمًا وعملاً.
فالمحامي هو قبل كل شيء نصير المظلوم ثم هو بعد ذلك الرجل القانوني الذي يستطيع أن ينتصر لذلك المظلوم انتصارًا مفيدًا.
وعلىهذا الأساس يجب أن يفهم الناس وظيفة المحاماة فمن وجد في نفسه ميلاًفطريًا لنصرة المظلوم ومحاربة الباطل فليسلك سبيل المحاماة إذا أراد ومنلا يحس في نفسه بهذا الميل الغريزي فإني أنصحه أن يبتعد عن المحاماة وأنيشق له في الحياة طريقًا أخر.
وإني أوجه القول إلى أولئك الذينيحفزهم حب ال**ب إلى الاشتغال بالمحاماة فأقول لهم إنه من الخطر علىالعدالة أن يكون غرض الإنسان من الاشتغال بالمحاماة مجرد ال**ب، لأنه إذاأصبح هم المحامي الإثراء من هذه المهنة كان معنى ذلك أن المحاماة عندهوسيلة وأنتم تعلمون أيها السادة أن الوسيلة عرضة للتعديل والتحوير حتىتؤدي الغرض المقصود بالذات.
فالمحاماة إذن هي في أيدي طلاب المالعرضة للتعديل والتحوير بما يوافق هواهم ويحقق لهم مطامعهم المادية وقدتنتهي بهم الحال إلى أنك تنظر إلى المحاماة بين أيدي هؤلاء الطامعين فلاتكاد تعرفها لما طرأ عليها من التشويه بل إنها قد تنقلب في أيديهم إلى شيءآخر تنكره المحاماة نفسها هو تشجيع الظالمين وأكل أموال المظلومين.
ومتىكان جمع المال غاية فما أشقى المحاماة بهذه الغاية بل ما أشقى العدالةبمحاماة تكون وسيلة لجمع المال لأن كل وظيفة من وظائف العدالة تفسد وتنقلبإلى خطر محقق إذا كان صاحبها طالب عيش قبل كل شيء إذ أن الوظيفة تكون فيهذه الحالة مسخرة لخدمة الشخص وليس الشخص هو المسخر لخدمة الوظيفة، فيالها من جريمة شنيعة جريمة أولئك الذين يستخدمون وظائف العدل لإشباع بطونهمقبل أن يشبعوا العدالة نفسها

فترة التمرين

ينظربعض حضرات المحامين المبتدئين إلى فترة التمرين نظرة غير مستحبة مصحوبةبشيء غير قليل من الضجر وعدم الاصطبار، لأن حامل شهادة الحقوق المملوءحماسًا للمهنة يريد أن يبرز وحده لميدان العمل المستقل ويدلي من فورهبدلوه بين الدلاء ويضرب بسهم في هذا الميدان الشريف بلا مهل ويرى أنارتباطه بمكتب محامٍ يتمرن فيه يفقده لذة الاستقلال بالعمل الذي تصبو إليهنفسه.
كما أن المحامين الذين ألجأتهم الظروف إلى الاشتغال بالمحاماةيستعجلون الوقت الذي تكون لهم فيه مكاتب مستقلة يجدون فيها موارد لل**ب.
والواقعأن مدة التمرين متى أحسن استعمالها هي خير وبركة على المحامي المبتدئ فهيلا تحرمه من استقلاله بالعمل إلي حد ما لأنه يمكنه أن يترافع باسمه أمامالمحاكم الجزئية وفي الوقت نفسه توفر له معينًا ومرشدًا في خطواته الأولىيأمن بجانبه العثار الخطر ويفتح عينيه على كثير من الحقائق العملية التييحتاج إلى الإلمام بها قبل أن يتوسط ميدان العمل في المحاماة كما تجعلهيتصل بأرباب القضايا اتصالاً نافعًا.
فمواظبته على العمل في المكتب الذي يتمرن فيه وعلى حضور جلسات المحاكم هي دراسة تطبيقية جليلة الفائدة.
والمحاميالذي يؤدي التمرين أداءً شكليًا يعرض نفسه لأذى كبير ويعمل على تأجيلإصلاح الخطأ الذي يتعرض له كل مبتدئ ثم تكون أخطاؤه بعد ذلك محسوبة عليهولا يلبث أن يؤثر ذلك في عمله أدبيًا وماديًا وعندئذٍ يشعر بالندم ولكنبعد فوات الوقت على تفريطه في مدة التمرين.
وليس بعيب أن يخطئالمحامي المبتدئ لأن التعثر في الخطوات الأولى لا يدل على شيء من العجز بلهو طبيعي في كل بداية ولكن متى انقضت الفترة المعقولة لذلك فعندئذٍ يكونتعثره دليلاً في الغالب على نقص في استعداده ومن شأن ذلك أن يضعف الثقة بهوالثقة هي رأس مال المحامي.
فلنقبل إذًا على التمرن على أعمال المحاماةفي المدة المقررة للتمرين بانشراح ولنفرح كلما عثرنا لأن هذا يدل على أننانتقدم وأننا كنا بحاجة إلى هذا التمرين لنتحاشى مثل هذا العثار فيالمستقبل.

إتمام مدة التمرين – ابتداء المحامي في العمل

ولاشك أن من بين حضرات المحامين من أوشك أن يتم مدة التمرين وهؤلاء وقد أصبحواعلى قيد خطوات من باب الخروج تتزاحم عليهم خواطر النفس: هل يقيمون في مصرأو في الإسكندرية أو في عاصمة أخرى من عواصم الأقاليم ؟
وكأني بمباهجالعواصم تج**هم إليها ليمتعوا أنفسهم بعد عناء الدرس وفترة التمرين بحياةناعمة مرحة تجلو صدأ هذه السنين الطوال التي قضوها عاكفين على الدرسوالتحصيل، وهم معذورون في هذا التفكير ألم يسهروا الليالي الطوال مدةالدراسة ويعانوا من مضض الامتحانات وغير الامتحانات ما يجعلهم بحاجة إلىنسمات هذه العواصم الكبيرة، أليسو بحاجة إلى أن يتنسموا نسيم السعادة قبلضياع الفرصة و**ول العمر؟ لا شك أنهم معذورون.
ولكن هل صحيح أن هذا هوطريق السعادة التي يرجونها لأنفسهم، إني أشك في ذلك كثيرًا بل إذا كانتلاختباراتي الضئيلة قيمة فإنني أرى أن الغاية التي يسعون إليها لا يحققهاأن يبدأوا عملهم في مصر ولا في الإسكندرية ولا في تلك العواصم الكبيرةالتي ترنو إليها أبصارهم الآن فهناك المزاحمة شديدة والجو يكاد يختنقبأنفاس المحامين المقيمين في تلك العواصم وبسبب ذلك يحتاج المحامي المبتدئإلى زمن أطول لإبراز مواهبه وسط هذا الضجيج.
وسيجد صعوبة في أن يشقله طريقًا وسط هؤلاء جميعًا بالسرعة التي يحلم بها وأخشى أن يؤثر ذلك فينفسيته فينقلب ساخطًا على المحاماة لأنه لم يجد قطوفها دانية بقدر ما كانيتصور وإذا سخط الإنسان على العمل فيالبؤسه وطول شقائه.
فكيفيةالابتداء لها أثر كبير في سير العمل نفسه ولقد عرفت زملاء لي في الدراسةكان لهم من الاستعداد للمحاماة ما يغبطون عليه فلما ابتدأوا بداية غيرموفقة لم ينجحوا في المحاماة واضطروا إلى أن يلوذوا بوظائف الحكومة بينمانجح غيرهم ممن أحسنوا الابتداء نجاحًا فوق المنتظر.
وكان السبب في عدمتوفيق أولئك هو أنهم بدأوا العمل في العواصم الكبيرة فلم تتهيأ لهم الفرصةلإبراز مواهبهم فانطفأت في نفوسهم شعلة التحمس للمحاماة ثم لم يلبثوا أنانقلبوا ساخطين عليها وسعوا للتخلص منها.

اختيار محل الإقامة

وأحسنبداية في رأيي يبدأ المحامي بها عمله بعد إتمام مدة التمرين هي أن يتخذمحل إقامته في محل محكمة جزئية فلن يجد هناك سوى عدد قليل من المحامينالمقيمين فعلاً ولا يخفى أن أرباب القضايا يفرحون بالمحامى المقيمويفضلونه على غيره ممن لا يرون وجوههم إلا يوم الجلسة ولا يجدون الوقتالكافي لبسط معلوماتهم إليهم بسطًا شافيًا.
والمحامي المقيم في مقرالمحكمة هو كالطبيب المقيم في المستشفى فمكتب المحامي يعالج الحقوق كما أنالمستشفى يعالج الأمراض ومتى كان المحامي مقيمًا سهل اتصال أرباب القضايابه واستفتاؤهم له في شؤونهم القضائية، وبهذا الاتصال الجدي المباشر فيالعمل يلمسون ما يكون في المحامي من المزايا وحينئذٍ تؤتي هذه المزاياثمارها الطيبة المباركة بدون توانٍ ثم تأخذ في النمو والزيادة شيئًافشيئًا كلما طالت مدة إقامته، وبذلك يشعر المحامي بلذة الثقة ولذة العملولذة ال**ب.
وليست هذه كل مزايا هذا الابتداء بل إن له مزايا مهمة أخرى:
أولا:ً رخص تكاليف الحياة عنها في العواصم الكبيرة وسهولة إيجاد الموازنة بين إيرادات المحامي المبتدئ ومصروفاته.
ثانيًا: المركز الأدبي الممتاز الذي يشعر به المحامي في الجهة التي يقيم فيها.
ثالثًا: ما يستفيده أهل البلد الذي يقيم فيه المحامي من اشتراكه في رفع مستوى الوسط الذي يعيش فيه باعتباره رجلاً مه**ا مثقفًا.
رابعًا: إشعار الناس بحقيقة المحاماة والفرق بينها وبين تلك الصناعة الزائفة التي تنكرها المحاماة.
ولايتسرب إلى الذهن أنني أشير على المحامين المبتدئين بأن يجعلوا محل إقامتهمفي الجزئيات باستمرار، كلا بل هذه هي الخطوة الأولى فإذا ما شعر المحاميمن نفسه القدرة على أن يخطو خطوة أوسع فيكون قد مهد لها بهذه الخطوةالأولى حتى لا تزل قدمه في الخطوة الثانية، بل إنه قد يكون لمصلحتهولمصلحة المهنة أن يخطو عندئذٍ هذه الخطوة الثانية وينقل مكتبه إلى مقرمحكمة كلية ليخلو مكانه إلى مبتدئ آخر وليضم كفاءته إلى الكفاءات الأخرىبعد أن يكون قادرًا على المزاحمة الشريفة التي هي في مصلحة العدالة تلكالمزاحمة التي تقتصر على العمل الصالح المنتج حتى إذا رسخت قدمه فيالمحاماة نهائيًا أمكنه متى أراد أن يقيم في البلد الذي يحبه فقد ينتهي بهالمطاف إلى القاهرة ولكنه يضع قدمه فيها حينئذٍ وهو مستعد للكفاح ومنازلةالأقران من كبار المحامين في ميدان الخدمة السامية للعدالة المقدسة من دونأن تضايقه مطالب الحياة.
وهكذا يمكن لمن يبتدئ عمله أمام محكمة جزئيةأن ينتهي بالإقامة في القاهرة إن شاء وأن يتمتع بمباهج العاصمة وأوساطهاالراقية كما يريد وهو قادر على ذلك مالك لناصية العمل، هذا إذا لم تزهدهلذة العمل ولذة ال**ب في تغيير الإقامة.
ولا شك أن ذلك أفضل من أن يبتدئ في العاصمة مثلاً ثم تلجئه الحال بعد ذلك إلى أن يقيم في مقر إحدى الجزئيات ساخطًا متبرمًا.

اختيار الكتبة

ويأتي بعد اختيار محل الإقامة اختيار الكتبة.
سيجدالمحامون الذين ينزلون إلى مقر الجزئيات فوجًا من الكتبة يتزاحمون عليهمللاشتغال معهم لأن هؤلاء الكتبة يفضلون المحامي المقيم على سواه إذ أنهمأدركوا بالاختبار أن مكتب المحامي المقيم يكون أكثر احترامًا وأكثر دخلاًوبالتالي أقدر على دفع المرتبات الطيبة للمستخدمين فليفتح المحامي عينيهجيدًا عند اختيار كتبته، وليقع اختياره على المعروفين بالأمانة والكفاءةمنهم لأن أرباب القضايا يجب أن يشعروا بأن مستنداتهم وأسرارهم ليست عرضةللتلاعب والإفشاء بفعل كاتب مشكوك في أمانته، ولن تفيد أمانة المحامي إذاكان الكاتب موضع ريبة في نفس أرباب القضايا.

السلوك الشخصي وأثره في النجاح

ومتىأحسن المحامي الانتفاع بمدة التمرين ووفق إلى اختيار محل الإقامة الملائمواستخدم في مكتبه عمالاً أمناء لم يبقَ عليه إلا أن يسير على بركة الله فيعمله بخطى متئدة مطمئنة وهو مملوء ثقةً بالمستقبل.
ولما كان رأس مالالمحامي كما قدمنا هو الثقة فإن لسلوكه الشخصي تأثير كبير على عمله ومنالفضول أن نبين لحضراتكم أن المحامي هو أولى الناس بالتحلي بمكارم الأخلاقفإذا كان التحلي بمكارم الأخلاق واجب على كل إنسان فهو على المحامي أوجبوله ألزم.
رأيت بعض المحامين افتتحوا عملهم بضجة هائلة واشتغلوا و**بوا ثم لم يلبثوا أن عرفوا فتركوا واندثروا،
ورأيت محامين افتتحوا عملهم برزانة وسكون ثم لم يلبثوا أن عرفوا ففازوا وأكرموا وكان العامل المهم في الحالين هو السلوك الشخصي.
وهكذا الكفاءات تطغى عليها الأخلاق السيئة فتقتلها أو تشرق عليها الأخلاق المرضية فت**بها لألأ وسناءً.
فعليناإذًا أن نتواصى بمكارم الأخلاق لنكون محامين صالحين جديرين بشرف مهنتنافلا نشوه كفاءاتنا ولا نزعزع الثقة بنا فيضيع مستقبلنا،
ولا تقتل كرامةالمحامي مثل الإعلان عن نفسه فإنه استجداء للثقة وعنوان على العجز، والثقةتُمنح لا تُطلب والعمل الطيب يفوح شذاه ويتضوع عبيره، والمحاماة نجدة دفاعلا سلعة تُعرض في الأسواق لتباع.

قبول المحامي للقضايا

ومنأكبر الكبائر في المحاماة أن يقبل المحامي القضية عن يد وسيط يشترك معه فيقليل أو كثير من أتعابه وعلى من ابتُلي بهذا الداء أن يتصور أنه يعيش علىالسمسرة لا على الثقة وأنه يعمل في كنف السماسرة لا في ظل المحاماة.
فإذاسعى صاحب القضية إلى المحامي فليفسح له صدره لسماع أقواله بغير ملل ولاضجر وقد يرافق صاحب القضية أحيانًا قريبه أو صديقه ليقوم مقامه في إبداءمعلوماته للمحامي فيجب على المحامي أن يترك صاحب القضية نفسه يتكلم ليرسلالكلام على سجيته بدون تصنع ومن غير لف ولا دوران فإن ذلك أدنى أن لا يغشالمحامي في تقدير مركز طالب التوكيل وليُعنَ عناية تامة بالوقوف منه علىالوقائع الصحيحة للدعوى وليكن في ذلك مدققًا كل التدقيق لأن الوقوف علىالوقائع الصحيحة يمكنه من إعطاء الرأي الصحيح.
فإن تبين أن صاحب القضيةليس على حق فيما يدعيه فعليه أن يصارحه بذلك مبينًا له وجه الضرر مناسترساله في الخصومة وما يجره عليه ذلك من خسارة الدعوى وخسارة المالومرارة الحكم ومشونة الباطل.
فإذا فاز بإقناع المبطل بالارتداد عن باطله فقد غنم:
أولاً: راحة ضميره لأنه أنهى خصومة بين طرفين،
وغنم ثانيًا: ثقة صاحب القضية الذي اقتنع ببطلان خصومته فارتد وهو يحمد الله على توفير الكرامة والمال،
وغنمثالثًا: حسن الأحدوثة حين يعرف الناس له ذلك وأنه طالب الحق لا طالب مادة،ورب قضية رفض المحامي قبولها كانت سببًا في عدة قضايا يسند إليه فيما بعدمباشرتها،
فليتدبر ذلك حضرات المحامين المبتدئين وليعلموا أنهم لنيخسروا أتعاب القضية التي يرفضون قبولها بحق وأنهم بالع** سي**بون بهذاالرفض النزيه أضعافه.
وقد تكون قيمة الدعوى مغرية وقد تكون أتعابها إذاقبلها المحامي ضخمة وقد يكون المحامي حين يرفضها في ضيق من المال لظرف منالظروف، فليحذر المحامي أن يكون لهذه الأمور تأثير على رأيه لأنه إذا قبلقضية خاسرة تحت تأثير هذه الاعتبارات فهو إذًا مخادع.
إن كثيرًا منالمنازعات يمكن تسويتها صلحًا بين المتخاصمين غير أن العناد أو الطمع قديحمل أحد الطرفين على الالتجاء إلى المحاكم فإذا ما أيقن هذا المعاند أوهذا الطامع بأنه لن يبوء من القضية إلا بالفشل وأنه سيخسر الدعوى ويخسرإلى جانبها الأتعاب التي يدفعها للمحامي ومصاريف الدعوى وأتعاب محاميالخصم التي تقدرها المحكمة وأنه فوق ذلك سيخسر الصلح المعروض عليه أو الذييمكنه الحصول عليه وديًا فقد يعيده ذلك إلى صوابه ويسعى إلى التفاهم معخصمه بطريقة ودية ويكون الفضل في ذلك للمحامي الشريف الذي أخلص النصيحةوحسم الشر ووفر على المتقاضين الإنفاق على الخصومة والاسترسال فيالمنازعات.
فعلى المحامين أن يكونوا في هذه الحالة مصابيح للتنبيه إلىالخطر لا مزالق لسقوط الموكلين في الهاوية، أما إذا اطمأن المحامي إلى أنصاحب القضية على حق فليأخذ بيده في ضوء الحقيقة إلى ساحة العدل وليقفبجانبه منتصرًا لحقه مناضلاً عنه بكل مقدرته، بذلك يكون العمل شريفًالذيذًا مباركًا.

أتعاب المحامي

وليكن مقابل أتعابالمحامي هو آخر ما يفكر فيه بعد تفهم وقائع الدعوى من موكله واستقرار رأيهعلى قبول التوكيل عندئذٍ يكون في مركز يسمح له أن يحدد مقابل أتعابهمراعيًا مقدار المجهودات التي يبذلها وقيمة الدعوى وحال الموكل.
وليجتنبالمحامي المبالغة في تقدير أجره ولتكن هناك موازنة عادلة بينما يعطيوبينما يأخذ فكل ما يأخذه المحامي من الأتعاب زائدًا عن قيمة المجهوداتالتي يبذلها لا يكون إلا عن وهم أو تبرعًا من الموكل ومحرم على المحامي أنيستفيد من طريق الوهم كما أن كرامته تأبى عليه أن يأكل من تبرعات الناسوتقضي عليه أن يكون في مركز المتكرم المتفضل.
فإذا ساغ للموكل أن يطمعفي مجهودات المحامي فلا يسوغ للمحامي أن يطمع في مال الموكل وليعتبرالمحامي مقدم الأتعاب وديعة في ذمته للموكل لا يستحله إلا بالعمل فلا يكونمثله مثل الذين يفقدون شهية العمل بعد أن يذوقوا لذة القبض والمحامونجميعًا هم وكلاء عن صاحب كل حق معسر لا يجد ما ينفقه في أتعاب المحاماةفليجد الفقراء في مكاتب المحامين مكانًا يسع المطالبة لهم بحقهم من غيرمقابل، وليجعلوا ذلك زكاةً عن عملهم وتطهيرًا لما قد يرتكبونه من الخطأغير عامدين أثناء قيامهم بواجباتهم.
ومن حق المحامي بل من واجبه ألا يقبل جزاءً على أتعابه يجرح عزة المحاماة،
أما أولئك الذين يقبلون أتعابًا تزري بكرامتهم وكرامة مهنتهم فإنهم يجنون على أنفسهم وعلى زملائهم معًا.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت