العنف ضد المرأة
ترد بعض الأحيان بلاغات إلى مراكز الشرطة فحواها قيام بعض الأزواج بضرب زوجاتهم، والتي عادة ما تكون نتيجة حدوث سوء تفاهم بين الأزواج وغيرها من المشكلات العادية التي لا تستدعي اللجوء إلى استعمال العنف ضد المرأة عموما، حيث قد تصاب الزوجة بإصابات بليغة كجروح في الوجه أو كسر في العظم من جراء الاعتداء عليها من قبل الزوج، ولا تتقدم المسكينة ببلاغها إلا حين تبلغ بها القسوة مداها مما يجعل ملاذها الوحيد مركز الشرطة لا لتنتقم أو تقتص منه، وإنما لكي يكف الزوج أذاه عنها.

ولعل السبب في اختيار هذا الموضوع هو قيام أحد الأزواج بضرب زوجته؛ لكونها قالت له “لا أريد أن أخرج اليوم لأني متعبة”، وقد أحدث اعتداء الزوج بها كسرا في يدها اليمنى، حيث اتجهت بعد علاجها مباشرة إلى مركز الشرطة لتضع حدا لاعتداءات الزوج المتكررة، وحين قابلها الضابط المسئول وشرحت له بأنها لم تفعل شيئا يسوغ لزوجها ضربها بقسوة، كما أفادت بأنها لا تريد تصعيد الموضوع وإنما ما تريده هو إيقافه عن اعتداءاته المتكررة من دون سبب يستدعي ذلك، وعلى إثر ذلك تم استدعاء الزوج وسؤاله عن سبب ضربه لزوجته وكسر يدها، والذي قال إن هذه زوجته وإن من حقه تأديبها وفعل ما يشاء بها وليس لها أن ترفض أمره، وكانت الزوجة حاضرة عند استجواب الزوج وعندما رأته يعاند ويكابر آثرت تهدئة الأمور بدلا من إثارتها لما قد يترتب على ذلك من الإضرار برب أسرتها، وأعلنت عن رغبتها في التنازل، إلا أن الزوج قد ثار وقال إن الشرع والدين أعطاه حق تأديبها.

وعليه، فإن الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الأول في التشريع، وإن كانت تقر حق الزوج في تأديب زوجته استنادا لقوله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)، إلا أنه لم يتم إطلاق هذا الحق ليعبث به العابثون ويفسروه حسب أهوائهم ويشرعوا به ما يحلو لهم، بل قيدته بمجموعة من الضوابط ينبغي أن تتوافر مجتمعة مما يجعل تحقيق وإقرار هذا الحق للزوج في حالات محدودة.

الضابط الأول: حق الزوج في تأديب زوجته يثبت له وحده ولا يحق لوالده أو أخيه أو صديقه أن يباشر عنه هذا الحق حتى لو كانت المباشرة بتكليف من الزوج نفسه.

الضابط الثاني: أن تأتي الزوجة معصية حتى يمكن للزوج أن يستعمل هذا الحق كأن لا تطيعه فيما هو واجب عليها لزوجها بأمر من المولى عز وجل.

الضابط الثالث: أن يكون استعمال حق التأديب بعد استنفاد مرحلة الوعظ – أي توجيه الزوجة وإرشادها بعدم تكرار خطأها – وتأتي بعدها مرحلة الهجر في المضجع لمدة محددة كأسلوب أشد في حالة عدم جدوى أسلوب الوعظ في ردعها عن تكرار المعصية أو الخطأ.

الضابط الرابع: أن يكون الضرب المستخدم في التأديب بسيطا غير مؤذٍ، ومقياس الضرب البسيط المجاز في تأديب الزوج لزوجته هو الذي لا يترك أثرا في الجسم ولا يغير لونه؛ لأن الغاية منه ليس الإيلام الجسدي.

الضابط الخامس: أن يكون الهدف من التأنيب هو تقويم الزوجة. أما إذا كانت الغاية من الضرب الإذلال أو الإيذاء الجسدي – كما حدث في الواقعة السابقة – فإنه لا يجوز للزوج استخدام هذا الحق لتخلف الغاية من التأديب.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت