_ أولاً : مضمون المبدأ : 

تعتبر القاعدة القانونية ملزمة بذاتها للمخاطبين بها متى تكونت ونشأت صحيحة من أحد المصادر الرسمية للقانون . ويخضع الأفراد للقانون ولو لم يرضوا به ، ويلتزمون بأحكامه ولو لم يعلموا به ، فمتى نشر القانون فانه يسري على الجميع دون استثناء ويطبق على كافة من يتوجه اليهم حكمه ولا يعفى أحد من الخضوع له . ولا يقبل من أحد الاعتذار بجهله بالقانون ، أي لا يجوز لأي شخص مهما كانت ظروفه الاحتجاج بجهله بحكم قاعدة قانونية تهرباً من تطبيق أحكامها ، حتى لو ثبت فعلاً أنه كان يجهلها ، فهذا الجهل لا يصلح عذراً للافلات من الخضوع للقانون ، ولا يقبل الاعتذار بأن حكم القانون لم يكن جلباً واضحاً بل كان محل تأويل وتفسير . ويعبر عن كل ذلك بأنه لا يفترض في أحد الجهل بالقانون .

_ ثانياً : مبررات المبدأ : 

يجد هذا المبدأ مبرراته في الاعتبارات العملية ، اذ لو أبيح الافلات من تطبيق القانون بحجة عدم العلم به لترتب على ذلك عدم تطبيق القانون في حالات كثيرة مما يؤدي الى الفوضى وعدم الاستقرار ، ويؤدي ذلك الى اهدار صفة الالزام في القاعدة القانونية لأن تطبيقها سيكون متوقفاً على علم الأفراد بها من عدمه ، ويؤدي ذلك بطبيعة الحال الى البلبلة والتحايل على اثبات عدم العلم بالقانون تهرباً من حكمه .

يتضمن القانون صفة الالزام في ذاته سواء بأحكامه أو بضرورة علم الأفراد والسعي نحو هذا العلم والقول بغير ذلك ينطوي على اهدار مبدأ المساواة بين المواطنين وذلك من خلال تطبيق القانون على البعض دون الآخر ، وهذا ما يتعارض مع سيادة القانون واستقرار النظام في المجتمع وتحقيق الصالح العام . لذا كان من الضروري اقامة قرينة قاطعة على علم الناس بالقانون وهذه القرينة لا تقبل العكس . وتجد هذه القرينة أساسها في أن الأفراد يعلمون بالقانون من الناحية الواقعية من خلال وسائل الاعلام المختلفة والنشر في الجريدة الرسمية . هذا بالاضافة الى أن المواطن العادي يتبصر ويتحرى عن حكم القانون قبل الاقدام على الفعل ، ويعد ذلك المسلك تنفيذاً لالتزام قانوني عام ووجوب العلم بالقانون وهو أمر تقتضيه الطبيعة الانسانية وحتمية العيش في مجتمع متمدن ومنظم . ولا تثور مشكلة بالنسبة للعلم بالعرف نظراً لأنه ينشأ ويتكون بين الأفراد في الجماعة بطريقة تدريجية ومستقرة وثابتة ويتولد لديهم الاعتقاد بلزومه خاصة بالنسبة للقواعد العرفية المتصلة بالدين في مسائل الأحوال الشخصية ، حيث يتواتر الناس على اتباعها والعلم التام بها .

_ ثالثاً : نطاق المبدأ : 

ان مبدأ امتناع الاعتذار بجهل القانون عام التطبيق على كل القواعد القانونية أياً كان مصدرها أو طبيعتها . ويسري هذا المبدأ على سائر القواعد القانونية أياً كان المصدر الرسمي الذي تستمد منه سواء كانت قاعدة تشريعية أو قاعدة عرفية أو قاعدة مستمدة من الشريعة الاسلامية أو القانون الطبيعي والعدالة . ويطبق هذا المبدأ كذلك على كل القواعد القانونية أياً كانت طبيعتها سواء أكانت قاعدة آمرة أو قاعدة مقررة . ولا تثور صعوبة أو شك بالنسبة للقواعد الآمرة ، أما بالنسبة للقاعدة المكملة أو المقررة فقد ذهب البعض الى جواز الاحتجاج بالجهل بها نظراً لأنه يجوز الاتفاق أصلاً على مخالفتها . ولكن الرأي الصحيح أنه لا مجال للتفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة من حيث تطبيق المبدأ . فصفة الالزام تتوافر للقواعد المكملة شأنها في ذلك شأن القواعد الآمرة كل ما في الأمر أن القواعد المكملة يشترط لتطبيقها سقوط الأطراف عن مخالفتها أي عن تنظيم الموضوع الذي تتناوله بطريقة مغايرة ، فاذا أجزنا عدم تطبيق حكم القاعدة المقررة في حالة الجهل بأحكامها لأدى ذلك الى استبعاد حكمها مما أدى الى وجود فراغ لأنه لا يوجد فيه اتفاق يحل محلها .