الجرائم الالكترونية خطر يهدد النساء، هل من سبيل لردعها؟

رنا الشيخ علي

“لقد قاموا بتهديدي بإيذاء عائلتي، وبالخطف، وقد وصلت التهديدات في أحد المراحل إلى درجة التهديد بالقتل، وكل ذلك كان بسبب ما أنشره على حسابي الشخصي على الفيس بوك”

بهذه الكلمات تصف لمى (تم تغيير الاسم) الناشطة في مجال حقوق المرأة، تجربتها مع العنف الإلكتروني والتي دامت قرابة الأربعة أشهر، حيث اعتادت لمى على مشاركة النشاطات التي تقوم بها في دمشق مع الجمهور العام، دون تخصيص، عبر حسابها الشخصي على الفيس بوك.

العنف بوسائل غير تقليدية بحق المدافعات عن حقوق الإنسان

تتعرض لمى وغيرها من المدافعات عن حقوق الإنسان للعديد من الانتهاكات لكونهن نساء ومدافعات عن حقوق الإنسان في آن واحد. وفيما تعتبر قضايا حقوق الإنسان بشكل عام من القضايا الثانوية التي يتم تجاهلها اليوم على حساب جهود مكافحة الإرهاب، ولم تعد التهديدات التي تطال المدافعات عن حقوق الإنسان مقتصرةً على النمط التقليدي مثل الملاحقات القضائية، الاعتقال أو العنف الجسدي بل بدأت تتخذ أشكالاً جديدة ومتطرفة من العنف كالمضايقات عبر الانترنت من تشهير ووصم وتتبع علاوة على التمييز على أساس الجنس والتي سمحت بها التطورات الحاصلة في وسائل التكنولوجيا وتقنيات الاتصالات بعدما باتت متاحة للجميع.

وقد ثبت أن هذا النوع من التهديد الإلكتروني يؤدي إلى زيادة فرصة وقوع الهجوم الفعلي والقتل كما حصل بحق المدافعة العراقية عن حقوق الإنسان (سميرة النعيمي) التي تم إعدامها رمياً بالرصاص من قبل تنظيم داعش على خلفية انتقادها للتنظيم عبر حسابها الشخصي على الفيس بوك.

الإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان غير ملزم قانوناً وغير مألوف

وعلى الرغم من مرور عقد من الزمن على تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان الحماية المتعلق بالمدافعين عن حقوق الإنسان إلا أن الجهود المبذولة في إطار تطبيقه لاتزال غير كافية وفق ما تراه المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان في تعقيب صدر بخصوص هذا الموضوع في عام 2011.

يعتبر هذا الإعلان صكاً غير مألوف بالمستوى الكافي سواءً بالنسبة للذين يتحملون مسؤولية تطبيقه، والحكومات وحتى بالنسبة لأصحاب الحقوق نفسهم المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وهذا ما تؤكده لمى “رغم اطلاعي الواسع لم أكن على علم أن هناك منظمات تقدم الدعم للناشطين في مجال حقوق الإنسان، ،لم اسمع من قبل بالإعلان الخاص المعني بأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان”.

وعلى الرغم من تضمن هذا الإعلان على حقوق معترف بها أصلاً في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان بالإضافة إلى إدماج منظور النوع الاجتماعي والذي يولي عنايةً خاصة بالمدافعات عن حقوق الإنسان باعتبارهن الأكثر عرضة لأشكال معينة من العنف والانتهاكات مقارنةً مع نظرائهن من الرجال إلا أنه يعتبر غير ملزم قانوناً.

دور المنظمات في حماية المدافعات عن حقوق الإنسان من العنف الإلكتروني

يعتبر انتشار العنف الإلكتروني بحق الناشطات دافعاً للتساؤل حول دور المنظمات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان وكيف يمكن لهذه المنظمات أن تحمي لمى وغيرها من الناشطات من هذا النوع من التهديدات الإلكترونية.

تعمل المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان غالباً على إدانة الانتهاكات التي تتعرض لها المدافعات إلا أن الإدانة وحدها لا تكفي حيث يشير التعقيب الخاص على الإعلان المتعلق بتعزيز وحماية حقوق الإنسان الصادر عام 2011 عن المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان إلى ضرورة العمل على تبني الإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان في تنظيم عمل المدافعين لخلق بيئة أكثر أمناً لعمل المدافعات والدفع نحو تطوير القوانين المحلية بما يتمشى مع مفهوم النوع الاجتماعي وشرعة حقوق الإنسان.

هذا بالإضافة إلى ضرورة العمل على بناء استراتيجية شاملة تتعلق بحماية المدافعات من خلال إجراء سلسلة من الأبحاث والتقارير والمبادرات وفق ما يراه مركز الخليج لحقوق الإنسان في تقرير أولي نشره عن آليات الحماية الملموسة للمدافعات عن حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من أن لمى تمكنت من الحد من هذه التهديدات بإخفاء جميع أنشطتها عن حسابها على الفيس بوك والقيام بإبلاغ عائلتها الذين أبلغوا بدورهم الأمن حول الحسابات التي كانت تصدر منها التهديدات، لا تزال كثير من المدافعات عن حقوق الإنسان، لا يملكن الأدوات المناسبة للتصدي لهذا العنف ومواجهته، الأمر الذي يعرضهن لخطر حقيقي مع تشريعات قاصرة في توفير الحماية لهن، وغياب سياسات وآليات عمل واضحة للحد من هذه الجرائم الالكترونية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت