مفهوم التوريق
التوريق المصرفي Securitization هو أداة مالية مستحدثة تفيد قيام مؤسسة مالية بحشد مجموعة من الديون المتجانسة والمضمونة كأصول ، ووضعها في صورة دين واحد معزز ائتمانيا ثم عرضه على الجمهور من خلال منشأة متخصصة للاكتتاب في شكل أوراق مالية ، تقليلا للمخاطر ، وضمانا للتدفق المستمر للسيولة النقدية للبنك .

لذلك يتمثل مصطلح التوريق ( التسنيد ) في تحويل القروض إلى أوراق مالية قابلة للتداول Marketable Securities أي تحويل الديون من المقرض الأساسي إلى مقرضين آخرين.

وعلى ذلك ، تبدو القروض المصرفية وكأنها قروض مؤقتة أو معبرية Bridging أي تنتقل القروض عبرها من صيغة القرض المصرفي إلى صيغة الأوراق المالية ، فبالاعتماد على الديون المصرفية القائمة ، يمكن خلق أصول مالية جديدة ، وتوفير تدفقات نقدية .

وتقوم تكنولوجيا التوريق أساسا على الإبداعات المستمرة في هيكلة الموجودات ، وتبويبها بما يساعد على تقييم أدائها من جهة ، والتمويل اللاحق من جهة أخرى ، بهدف تحقيق الدخل ، واستبعاد مخاطر الإفلاس.

يتضح مما تقدم ، أن عملية التوريق تؤدي إلى تحويل القروض من أصول غير سائلة إلى أصول سائلة The conversion of illiquidAssets to Marketable securities

العناصر الرئيسية للتوريق
يقوم التوريق على العناصر الرئيسية التالية :
-1 المقترض Borrower سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا .
وقد يكون الغرض من الاقتراض هو مواجهة التعثر المالي أو إعادة الهيكلة، Restructuring ، أو الاستعانة بالأموال المقترضة للوفاء بديون حل تاريخ استحقاقها ، وإحلال دين القرض طويل الأجل محل هذه الديون .

-2 الأصول موضوع التوريق ، يتجسد الدين في صورة سندات مديونية ، والأصول الضامنة للدين محل التوريق دائما ما تكون أصول ذات قيمة مرتفعة ، لذلك غالبا ما تكون حقوق رهن رسمي للبنك على عقارات أو منقولات يملكها الراهن الذي يدين للبنك .

-3 الخطوات السابقة لعملية التوريق : يسبق إجراء عملية التوريق خطوات متعددة تنتهي باتفاق البنك الذي ينشد الحصول على سيولة نقدية سريعة لديونه مقابل نقل ملكية الأصول ، وتتمثل الخطوات التمهيدية لذلك في قيام البنك أو المؤسسة المالية باستطلاع رأي عملائه المدينين فيما ينوي عمله في شأن توريق ديونهم ، وفى حالة موافقتهم فإن على البنك تنظيم تفاصيل العلاقة الجديدة بين المدينين والدائن الجديد .

هناك أيضاً العديد من المهام التي تتم في إطار عمليات التوريق ، والتي تحتاج لعناية وتخصص ، وفى مقدمتها : التقييم الواقعي لقيمة الأصول ، وتحديد السعر الملائم للأوراق المالية المزمع طرحها للاكتتاب ، والتخطيط لبرامج الترويج للاكتتاب ، وإعداد الدراسات الخاصة بالتدفقات النقدية ، … الخ .

-4 إدارة الأصول : على الرغم من انتقال ملكية الأصول الضامنة للوفاء بقيمة الأوراق المالية المصدرة من الذمة المالية للبنك القائم بالتوريق للدائنين الجدد ، فإن الممارسة العملية أثبتت انه في معظم الصفقات يناط بهذا البنك مهام إدارة واستثمار محفظة هذه الأصول وضماناتها أثناء إنجاز أو تنفيذ عمليات التوريق .

أنواع التوريق
يمكن تصنيف التوريق في نوعين أساسيين هما :
-1 تصنيف التوريق وفقا لنوع الضمان :
• التوريق بضمان أصول ثابتة .
• التوريق بضمان متحصلات آجلة .

-2 تصنيف التوريق وفقا لطبيعته :
• انتقال الأصول من خلال بيع حقيقي مقابل شهادات لنقل الملكية لإعادة بيعها ، وتوزيع التدفقات المالية وفقا لحصص محددة ، وهنا تكون الأوراق المالية معبرا لتحقيق هذا الهدف .
• انتقال الأصول بكفاءة في صورة إدارة مديونية ، وإصدار أوراق مالية ( سندات ) عديدة تختلف فيما بينها وفقا لدرجة التصنيف وسرعة الدفع ، وإمكانية فصل مدفوعات الأصل عن الفائدة.

ويمكن تمويل صفقة التوريق بأحد بديلين :
(1) القروض التجارية : يمكن توفير التمويل اللازم لشراء الأصول ( الديون ) التي يتم توريقها باللجوء إلى القروض التجارية ، مع مراعاة تزامن جدول السداد الخاص بالديون محل التوريق مع التزامات الدفع للمقرضين .

(2) إصدار سندات دين : تقوم الشركة – في هذه الحالة – بإصدار سندات بقيمة تعادل قيمة الديون موضوع التوريق ، استنادا على ما يتوفر لهذه الديون من ضمانات ، وبحيث تستخدم حصيلة الاكتتاب في هذه السندات في شراء تلك الديون ، ويراعى أن تتوافق تواريخ استحقاق السندات وعوائدها مع تواريخ استحقاق أقساط الديون وفوائدها ، وان تكفى لسدادها عند حلول آجال استحقاقها .

أساليب التوريق
تقوم صفقات التوريق بالضرورة على أطر أو جوانب قانونية تؤخذ بعين الاعتبار لضمان إنجاز الصفقة بالشكل الصحيح إذ يتعين التعرف على الأساليب القانونية للتوريق التي تبنتها الممارسة لكفالة حقوق كافة أطراف عملية التوريق .

ويتم التوريق بأحد الأساليب الثلاثة الآتية :
-1- استبدال الدين :
إن تحقيق عملية التوريق من خلال هذا الأسلوب يسمح باستبدال الحقوق والالتزامات الأصلية بأخرى جديدة ، غير انه يقتضي الحصول على موافقة جميع الأطراف ذات الصلة بالقرض على إمكانية تحويله كلياً أو جزئياً – إلى ورقة مالية .

-2- التنازل :
ومؤداه التنازل عن الأصول لصالح الدائنين أو المقرضين ، ويشيع استخدام هذا الأسلوب في توريق الذمم الناشئة عن بيع بعض الأصول أو إيجارها ، ففي عقدي الإيجار والبيع يتم الاستمرار في دفع الأقساط إلى الممول الأصلي الذي يقوم بدوره إما بتحويلها إلى مشتري الذمم المدينة أو تسديدها ضمن سلسلة من الحوالات متفق عليها عند التعاقد على التوريق وبالمقابل يقوم باسترداد المبلغ من المؤجرين .

-3- المشاركة الجزئية :
يتضمن هذا الأسلوب بيع الذمم المدينة من قبل الدائن الأصلي إلى مصرف متخصص بشراء الذمم وتمويلها ، ولا يتحمل بائع الدين بعدها أي مسئولية فيما لو عجز المدين عن التسديد ، لذلك يجب على مشتري الدين التأكد من أهلية المدين وجدارته الائتمانية ويلاحظ أن هناك طرقا عديدة لحماية هذا المشتري تتراوح بين حصوله على ضمانة عقارية وحقوق إدارة الدين كوصي عليها .

كيف تتم عملية التوريق
الهدف من التوريق هو ربط الديون الأصلية بالأوراق المالية مباشرة من خلال تجميع الديون في شكل محفظة ، وحوالة المحفظة ، ثم إصدار أوراق مالية مقابل تلك المحفظة مضمونة بضماناتها ( الضمانات المتعلقة بالأصول ) .

وقد أوجب قانون التمويل العقاري ضرورة وجود ضمان من البنوك على الأوراق المالية المصدرة في شكل السندات التي يتم إنشاؤها بديلا عن الديون.

لذلك يستوجب توريق الحقوق المالية تجميع حزمة من القروض أو الديون المتماثلة أو المتشابهة ذات التدفقات النقدية المستمرة في المستقبل، والمضمونة بأصول محددة ، وإصدار أوراق مالية مضمونة بتلك الأصول ، بمعنى قيام المؤسسات المعنية بطرح أوراق مالية مقابل مجموعة من الديون المدرة للدخل التي لديها ، كالديون بضمان رهونات (العقارات– الآلات – .. الخ ) . وعند قيام المقترضين ( أو المدنيين ) بسداد هذه الديون مع فوائدها ، فإن حاملي الأوراق المالية يستفيدون بهذه التدفقات النقدية .

وتلجأ بعض شركات الإقراض العقاري إلى بيع مجمع من قروض الرهونات العقارية لشركة توريق ، والتي تقوم بمسك هذه القروض وتمويلها عن طريق إصدار سندات .Asset – Backed Securities مطابقة لاستحقاقات القروض حيث تمكنها حصيلة السندات من شراء هذه القروض من المنشئ Originator ، وهذه القروض تكون مضمونة بالرهونات العقارية.

وعلى ذلك ، فإن التوريق أو التسنيد يعني تكوين مجمعات متجانسة Pools من القروض العقارية ، ثم إعادة تحويلها إلى المستثمرين عن طريق إصدار أوراق مالية عادة ما تكون في شكل سندات ذات عائد دوري ثابت .

ويحصل المستثمر حامل السند على الفوائد الدورية بالإضافة إلى أصل مبلغ السند ، ولهذا يجب مراعاة أن تتوافق تواريخ استحقاق السندات وعوائدها مع تواريخ استحقاق أقساط الديون وفوائدها ، وهكذا يتم خلق ما يسمى بالسوق الثانوي للرهن العقاري أو سوق السندات ، التي يمكن أن يمثل جانب الطلب فيه صناديق التأمينات والمعاشات ، وصناديق الاستثمار، والمؤسسات المالية والاستثمارية ، وشركات التأمين والأفراد المستثمرين في شراء السندات والذين يبحثون عن عوائد ثابتة .

وهكذا تتمكن البنوك أو شركات الإقراض العقاري من الاستفادة من الأموال الناتجة عن بيع الأوراق المالية بالبورصة ، حيث يتم إعادة توظيفها بمنح قروض جديدة أو توظيفات أخرى مشابهة .

دوافع عمليات التوريق
لعل السبب الرئيسي الذي يدفع المؤسسات المالية للالتجاء لعمليات التوريق يتمثل في التحرر من قيود الميزانية العمومية حيث تقضي القواعد المحاسبية والمالية مراعاة مبدأ كفاية رأس المال ، وتدبير مخصصات لمقابلة الديون المشكوك فيها ، وهو ما يعرقل أنشطة التمويل بشكل عام ، ويبطئ بالضرورة من دورة رأس المال ، ويقلل بالتبعية من ربحية البنك .

والتوريق في هذه الحالة يعد بديلا مناسبا حيث يسمح بتدوير جزء من الأصول السائلة Recycle Cash الناجمة عن توريق أصوله غير السائلة الضامنة لديونه لدى الغير دون أن يحتم ذلك زيادة في الجزء المخصص للمخاطر في ميزانية البنك ، أي دون الحاجة لمخصصات مناظرة في الميزانية العمومية .

إلى جانب هذا ، أو بالتوازي معه ، ثمة مجموعة من الدوافع والأهداف لعمليات التوريق في مقدمتها ما يلي .

-1- رفع كفاءة الدورة المالية والإنتاجية ومعدل دورانها ، عن طريق تحويل الأصول غير السائلة إلى أصول سائلة لإعادة توظيفها مرة أخرى .

مما يساعد على توسيع حجم الأعمال للمنشآت بدون الحاجة إلى زيادة حقوق الملكية .

-2- تسهيل تدفق التمويل لعمليات الائتمان بضمان الرهون العقارية ، وبشروط وأسعار أفضل وفترات سداد أطول .

-3- تقليل مخاطر الائتمان للأصول ، من خلال توزيع المخاطر المالية على قاعدة عريضة من القطاعات المختلفة.

-4- انحسار احتمالات تعرض المستثمرين للإخطار المالية، وإنعاش سوق الديون الراكدة.

-5- تخفيف وطأة المديونية ، مما يساعد في تحقيق معدلات أعلى لكفاية رأس المال .

-6- تنشيط السوق الأولية في بعض القطاعات الاقتصادية مثل العقارات والسيارات.
-7- تنشيط سوق المال من خلال تعبئة مصادر تمويل جديدة ، وتنويع المعروض فيها من منتجات مالية ، وتنشيط سوق تداول السندات .

-8- التوريق اداة تساعد على الشفافية ، وتحسين بنية المعلومات في السوق ، لأنه يتطلب العديد من الإجراءات ، ودخول العديد من المؤسسات في عملية الاقراض ، مما يوفر المزيد من المعلومات في السوق .

-9- توفير العملات الأجنبية في حالة التوريق عبر الحدود ، فيما لو أمكن التعامل مع إحدى المؤسسات المهتمة بتحويلات العاملين في الخارج ، أو بطاقات الائتمان وغيرها .

تكلفة التوريق
أن إنجاح أسلوب التوريق لا يمكن أن يأتي بدون تكلفة أو بدون مخاطر ، إنما هناك تكلفة تتمثل في تكلفة تمويل الديون والقروض المصدرة، والمصروفات الإدارية المصاحبة لإنشاء الدين ، بالإضافة إلى تكاليف تحسين الجدارة الائتمانية ، ودفع أجور القائمين بعملية التوريق ، وتكاليف الاستشارات المحاسبية والقانونية ، والتكاليف الخاصة بمؤسسات التصنيف ، وتكلفة تغيير وتطوير الأنظمة حتى تتناسب مع نظام التوريق .

ومن ناحية أخرى ، لا يخلو نظام التوريق من مخاطر تصاحبه مثل مخاطر الائتمان ، ومخاطر الضمان ، وحالات الإفلاس سواء للمصدر أو للحاصلين على القروض ، ومخاطر السوق ، بالإضافة إلى مخاطر مؤسسية للجهات العاملة في التوريق ، ومخاطر تتعلق بإدارة وتشغيل عملية التوريق، ومخاطر تقلب أسعار الفائدة .

خاتمــــة
تعرضنا في هذه الدراسة لكافة جوانب عملية التوريق :
عناصره – أنواعه – أساليبه … ،

من الضروري أن نشير إلى أن نجاح عملية التوريق أو ( التسنيد ) رهن بتوفر الإطار المؤسسي الكفء ، الذي يتضمن الآتي :
(1) وجود بورصة نشطة في مجال السندات ،

(2) وجود شركات متخصصة في تداول السندات لتشجيع الاستثمار وتنشيط السوق .

(3) توفر منظومة متكاملة من المؤسسات ، والتي منها : شركات التمويل العقاري ، أو الاقراض العقاري ، وشركات مساندة مثل مكاتب الاستعلام عن العملاء .

ومؤسسات التصنيف الائتماني Rating Agencies حيث يلعب التصنيف دورا بارزا في معاملات ” التوريق ” ، لأنه من الصعب تسويق الأوراق المالية المصدرة بدون التصنيف الذي يساعد على تمكين المستثمرين من قياس مخاطر الأوراق المالية بدقة ، فضلا عن شركات تقييم الأصول ، وشركات التأمين .