ما هو سن التخيير للمحضون فـي القانون

مقال حول: ما هو سن التخيير للمحضون فـي القانون

سـن التخيير للمحضون فـي القانـون السـوري

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

فرض المشرّع فترتين من عمر الطفل قدّر فيهما حاجته في نشأته وتربيته للحضانة؛ فما دامت الزوجية قائمة بين الأبوين فإن الولد ينشأ بين أحضان أمه ورعاية أبيه. أما إذا وقعت الفرقة بين الأبوين، فلا شك في أن مصلحة الطفل توجب وضعه عند من هو أقدر على الاهتمام به والعناية بشؤونه في كل فترة من فترتي حياته. ولما كان الطفل في بدء حياته يحتاج إلى تربية ورعاية وحنان وشفقة وهذا يتوافر في النساء عادة أكثر من الرجال، كان الأحق بحضانته شرعاً أمه. والفترة الثانية هي مرحلة انتقال الطفل إلى أبيه وفيها يحتاج فيها إلى من يقوم على تربيته وتعليمه وحفظه وصيانته. وفي كلتا المرحلتين يراعى أولاً وقبل كل شيء مصلحة الطفل. ولقد نظم قانون الأحوال الشخصية بعد تعديل المادة 146منه هذه المرحلة من حياة الطفل بالنص:

“على أنه مدة حضانة الصغير تنتهي إذا بلغ الصغير الثالثة عشرة والصغيرة خمسة عشر عاماً”.

لكن من أكثر الأمور التي تواجه الطفل عند انتهاء حضانته موضوع انتقاله من الأم إلى الأب وما يخلق من معاناة وألم بالنسبة له أو لأمه أو بالعكس. وكثيراً ما يطرح السؤال على المشتغلين بالقانون من محامين وقضاة؛ هل يحق للطفل أن يختار بين أبويه وما هو موقف القانون من هذا الحق؟

إن قانون الأحوال الشخصية أغفل ذكر هذا الحق بنص واضح وصريح وتولى الاجتهاد القضائي الرد عليه بحرمان المحضون من حق الاختيار؛ فقد جاء في اجتهاد محكمة النقض السورية رقم أساس 346 قرار تاريخ 26 / 8/ 1969 أن:

“الشرع لم يترك للولد بعد تجاوزه سن الحضانة أن يبقى لدى أمه”. وهذا الاجتهاد لا سند له في السنة والفقه؛ حيث نجد أن المذهب الشافعي أقر هذا الحق للمحضون؛ ويرى أصحابه أنه بعد انتهاء سن الحضانة حين بلوغ الاثنين (الفتاة والصبي) سن السابعة، يُخيّر المحضون بين بقائه مع والدته أو انتقاله إلى والده. وجاء في رد المحتار لابن عابدين: “أنه ينبغي للمفتي أن يكون ذا بصيرة ليراعي الأصلح للولد، فقد يكون له قريب مبغض يتمنى موته ويكون زوج أمه مشفقاً عليه يعز عليه فراقه، فيريد قريبه أخذه منه ليؤذيه ويؤذيها.

وقد يكون له زوجة تؤذيه أضعاف ما يؤذيه زوج أمه الغريب، وقد يكون له أولاد يخشى على البنت منه الفتنة لسكناها معهم؛ فإذا علم المفتي أو القاضي شيئاً من ذلك لا يحل له نزعه من أمه، لأن مدار الحضانة على نفع الولد، إذ لكل حالة اجتهاد خاص بها يقرها القاضي الذي عليه أن يحكم بالعدل وأن يسمع لحجج الطرفين ويأخذ مصلحة الولد أولاً وأخيراً”.

وبالرجوع إلى سيرة أصحاب النبي(ص) وعندما كان أبو بكر (ر) إماماً يحكم بين الناس، حكم على ابن عمر بن الخطاب أن يبقى مع جدته لأمه التي ربته بعد أن طلق عمر ابنتها التي تزوجت وتركته وما راجعه عمر في كلامه؛ أي أنه سلّم له بحكمه والتزم به.

كذلك نجد في كتاب الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على مذهب الامام أبي حنيفة النعمان لمحمد قدري باشا والمعول عليه فيما سكت عنه القانون، عملا ًبالمادة 305 من قانون الأحوال الشخصية، أنه ذكر في المادة 498 منه، أنه: “إذا بلغ الغلام رشيداً وكان مأموناً على نفسه فله الخيار بين أبويه؛ فإن شاء أقام عند من يختار وإن شاء انفرد عنهما”. وبالنسبة للفتاة قرر في المادة 499 من ذات المرجع، أنه:

“إذا بلغت الأنثى مبلغ النساء فإن كانت بكراً شابة أو ثيباً غير مأمونة فلا خيار لها ولأبيها أو جدها ضمها إليه، وإن كانت بكراً ودخلت في السن واجتمع لها رأي وعفة أو ثيباً مأمونة على نفسها فليس لأحد من أوليائها ضمها إليه”.

وإزاء هذا الوضع كثرت المناداة لدى منظمات حقوق الإنسان والطفل والمرأة، المطالبة بالعدول عن هذا الاجتهاد الجائر الذي لا يراعي مصلحة المحضون ولا رغباته وحقه في الاختيار، ولا ينسجم حتى مع قانون الأحوال الشخصية في المادة 164 فقرة 2، التي أجازت للقاضي أن يأذن للقاصر بعد بلوغه الخامسة عشرة وسماع أقوال الوصي بتسلم جانب من أمواله لإدارتها، ولا مع الراجح في المذهب الحنفي كما توجب المادة 305 من ذات القانون؛ لذلك، رأت محكمة النقض العدول عن هذا الاجتهاد، وصدر عنها اجتهاد قضائي حديث يقرّ بهذا الحق، ويصحح الخطأ السابق، وهو القرار رقم أساس 2943 قرار رقم 2944 تاريخ 19 /12/2011 والذي يشير إلى أن “سن التخيير هو بعد بلوغ الغلام الخامسة عشر”.

وبذلك يكون هذا الاجتهاد قد أقر حق التخيير للمحضون عند بلوغه سن الخامسة عشر في الاختيار بين العودة إلى أمه أو البقاء مع أبيه كون فترة حضانته تنتهي عند أمه لدى بلوغه الثالثة عشر، وحقق نقلة نوعية في مجال الحضانة وكان أكثر انسجاماً مع روح الشريعة والقانون والفقه في مراعاة مصلحة الطفل في مسألة الحضانة، وعبّر بذلك عن الوجه الناصع والإنساني للشريعة الإسلامية في احترام إرادة الإنسان، والطفل خصوصاً، واقترب أكثر في مجاراة التشريعات الغربية التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال.

وأخيراً، نرجو من المشرّع عند النظر في تعديل قانون الأحوال الشخصية أن يقر هذا الاجتهاد بنص صريح وخاص، وألا يترك الأمر للاجتهاد والرأي، وبذلك يحسم الكثير من المشاكل الأسرية التي تزخر بها أروقة المحاكم الشرعية، والتي تكون الأذية والكيدية جوهرها، وضحيتها الطفل دون غيره.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.