ما هو المقصود بهجرة الأعيان إلى مجلس النواب ؟

د. ليث كمال نصراوين

قدم العين عبد الهادي المجالي والعين غازي الزبن استقالتيهما الخطيتين من مجلس الأعيان لعزمهما خوض الانتخابات النيابية المقبلة المنوي إجراؤها مع بداية العام المقبل، وذلك تطبيقا لأحكام المادة (76) من الدستور التي تحظر الجمع بين عضوية مجلس الأعيان ومجلس النواب. وقد جاءت استقالة العضوين من مجلس الأعيان قبل ستين يوما من تاريخ الانتخاب رغم عدم وجود نص دستوري أو قانوني صريح بذلك على خلاف الوزراء والموظفين العامين الذين حدد لهم الدستور الأردني فترة زمنية معينة للاستقالة قبل الانتخابات النيابية. فقد نصت المادة (74) من الدستور على أنه يجب على الوزير الذي ينوي الترشح للانتخاب أن يستقيل قبل ستين يوما على الأقل من تاريخ الانتخاب.

أما باقي الموظفين العامين من موظفي الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات والهيئات الرسمية العامة وأمين عمان وأعضاء مجلس أمانة عمان الكبرى وموظفي الأمانة ورؤساء المجالس البلدية وأعضائها وموظفي البلديات فقد اشترطت المادة (11) من قانون الانتخاب رقم (25) لعام 2012 أن يتقدموا باستقالاتهم الخطية قبل ستين يوما من الموعد المحدد لتقديم طلب الترشح.

إن غياب أي نص خاص حول استقالة السادة الأعيان لخوض الانتخابات النيابية يشكل قصورا في الدستور الأردني وفي قانون الانتخاب اللذين كان يفترض أن يحددا مدة زمنية معينة للعين ليستقيل قبل الترشح لمجلس النواب، وذلك أسوة بالوزراء وباقي الموظفين العامين.

وعن ظاهرة هجرة السادة الأعيان إلى مجلس النواب فهي ليست جديدة، فقد سبق وأن تقدم أربعة أعضاء من مجلس الأعيان باستقالاتهم الخطية عام 2010 لكي يتمكنوا من خوض غمار الانتخابات النيابية التي أفرزت مجلس النواب السادس عشر.

ويبقى التساؤل الأساسي حول الأسباب التي تدفع العين إلى الاستقالة من مجلس الأعيان والترشح لعضوية مجلس النواب رغم أن المجلسين يمثلان السلطة التشريعية، فالدستور الأردني قد ساوى إلى حد كبير بين مجلسي الأعيان والنواب في الصلاحيات التشريعية والرقابية. فباستثناء المادة (91) من الدستور التي تلزم رئيس الوزراء بعرض مشروع كل قانون ابتداءً على مجلس النواب، فإن المجلسين يتساويان في الصلاحيات التشريعية ابتداءًً من حق اقتراح مشروعات القوانين الذي قرره الدستور الأردني لعشرة أو أكثر من أعضاء أي من المجلسين وفقا للمادة (95) من الدستور مرورا بحق مناقشة مشروع القانون ورفضه أو الموافقة عليه، وانتهاءً بأحكام الجلسة المشتركة عند رفض مشروع القانون من المجلسين مرتين، التي يقف فيها مجلس الأعيان على قدم المساواة مع مجلس النواب وإن تفوق عليه في أن الجلسة المشتركة تكون برئاسة رئيس مجلس الأعيان حسب المادة (89) من الدستور.

وفيما يتعلق بالصلاحية الرقابية، فقد أعطت المادة (96) من الدستور لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أن يوجه إلى الوزراء أسئلة واستجوابات حول أي أمر من الأمور العامة ووفقا للنظام الداخلي في كل مجلس.

أما المزايا التي يتفوق بها مجلس النواب على مجلس الأعيان فتتمثل في حق مجلس النواب في تحريك المسؤولية الوزارية بشقيها الفردية والجماعية، وطرح الثقة بالحكومة وإجبارها على الاستقالة، وإحالة الوزراء إلى النيابة العامة عن الجرائم التي تتعلق بوظيفتهم. فهذه الصلاحيات الدستورية الخاصة بمجلس النواب قد تقررت له باعتباره ممثلا عن الشعب وتأييدا لمبدأ السيادة الشعبية، إلا أنها يجب أن لا تكون بحد ذاتها مبررا لهجرة كبار رجال السياسة وخيرتها من مجلس الأعيان إلى مجلس النواب، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخل بتركيبة المجلسين، وأن يؤثر سلبا على قدرة مجلس الأعيان في رقابة أعمال وقرارات مجلس النواب باعتباره المجلس الأعلى الذي يضم شخصيات وطنية معروفة بنزاهتها وحياديتها ورغبتها في العمل العام.

كما أن فتح المجال أمام السادة الأعيان بالاستقالة لغايات الترشح لمجلس النواب من شأنه أن يقلل من عدد الأعيان ويدفع نحو حل المجلس وإعادة تشكيله بعد كل انتخابات برلمانية. فالأصل دستوريا أن لا يحل مجلس الأعيان على ضوء حل مجلس النواب وإجراء الانتخابات النيابية، إلا أن النقص في عدد الأعيان جراء تقديمهم استقالاتهم لخوض الانتخابات البرلمانية سيدفع إلى إعادة تشكيل المجلس من دون أي مبرر دستوري لذلك.

ومن ناحية أخرى وبعد استعراض شروط العضوية في مجلس الأعيان الواردة في المادة (64) من الدستور، نجدها قد حددت الطبقات من الأفراد التي يمكن تعيينهم في مجلس الأعيان ومن ضمنهم النواب السابقون الذين انتخبوا لمجلس النواب مرتين على الأقل. مثل هذا الحكم يمكن تفسيره بأن المشرع الأردني قد كافأ أولئك الأشخاص الذين حازوا على ثقة الشعب من خلال تمثيلهم في مجلس النواب مرتين بأن منحهم فرصة العضوية في مجلس الأعيان وذلك تقديرا لهم على دورهم الذي قاموا به في مجلس النواب، ومكافأة يستحقونها بعد اعتزالهم العمل الانتخابي، وإلا فما المعنى من تقرير مثل هذا الاعتراف والتقدير للسادة النواب الذين انتخبوا مرتين في مجلس النواب. فالشخص الذي ما زال يرغب في الترشح والعضوية في مجلس النواب يجب أن لا يقبل العضوية في مجلس الأعيان ابتداء، كونه بسلوكه هذا يكون قد حرم غيره من النواب الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان والذين أعلنوا اعتزالهم معترك العمل الانتخابي من الالتحاق بالمجلس الأعلى. وقد يكون هذا ما دار في ذهن المشرع الدستوري من اعتبار العضوية في مجلس الأعيان مكافأة نهاية الخدمة في مجلس النواب، لذا لم ينص على فترة زمنية معينة لاستقالة العين لغايات الترشح للانتخابات النيابية.

لذا نقترح في هذا السياق أن يعاد النظر في نصوص الدستور الأردني حول حق الأعيان في الاستقالة من مجلس الأعيان وذلك بتقييد تلك الحالات على سبيل الحصر، وأن يحظر عليهم الترشح لمجلس النواب بعد قبولهم العضوية في مجلس الأعيان.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية