ما هو المقصود بالتوقيف للنظر في القانون الجزائري ؟

التوقيف للنظــــــر

مقدمة:

يعتبر التوقيف للنظر إجراء قضائي بالغ الأهمية لأنه يمس بحريات الأفراد المحمية في جميع الدساتير العالمية, والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص علي انه لا يجوز القبض علي أي إنسان أو حجزه تعسفيا, و هو ما كرسه الدستور الجزائري في المادة 47 التي نصت”لا يتابع احد و لا يوقف أو يحتجز إلا في الحالات المحددة بالقانون و طبقا للإشكال التي ينص عليها.” , وأكدت ذلك المادة 48 بقولها “يخضع التوقيف للنظر في مجال الحريات الجزائية للرقابة القضائية و لا يمكن أن يتجاوز مدة ثمان و أربعين ساعة ….”

وقد أكد هذه الضمانات الدستورية قانون الإجراءات الجزائية في مواده 51 إلي 53 و المادتين 55 و 65 إضافة إلي ما جاء في المواد من 107 إلي 109 من قانون العقوبات الجزائري.

تعريف التوقيف للنظر:

هو إجراء توقيف قصير المدة يتخذه ضابط الشرطة القضائية حيال بعض الأشخاص تحت رقابة النيابة العامة بهدف مواصلة التحريات المتعلقة بالتحقيقات أو في إطار تنفيذ الانابات القضائية ,كما يقوم به الولاة استثناءا في جرائم امن الدولة.

الأمر بالمنع من مغادرة المكان:

الأمر من مغادرة مكان الجريمة إجراء يقوم به ضابط الشرطة القضائية طبقا لنص المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية في الجرائم المتلبس بها فقط ريثما ينتهي من تحرياته,رغم أن قانون الإجراءات الجزائية لم يحدد شكلا معينا للقيام به وكل من يخالف هذا الأمر جاز لضابط الشرطة القضائية تحرير محضر يثبت المخالفة.

الأشخاص محل الحجز:

لم تتضمن المواد 51 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية طائفة الأشخاص التي يمكن لضابط الشرطة القضائية وضعها في غرفة الحجز,إذ استعملت هذه المواد كلمة الشخصأوالأشخاصإذ يفهم من القاعدة العامة انه يحق لضابط الشرطة القضائية وضع أي شخص توافرت فيه الشروط المتعلقة بالأدلة , غير انه بالرجوع لبعض الاتفاقيات و القواعد العامة فان هناك بعض الأشخاص لا يمكن أن يكونوا محل الحجز و هم:

1-القصر: لم يشير قانون الإجراءات الجزائية لمسالة وضع القصر في غرفة الحجز و اكتفي بالقواعد العامة الواردة في المادة 49 من قانون العقوبات التي تنص انه تطبق عليه تدابير التربية و الحماية, إلا انه تطرح بعض المشاكل من الناحية العملية في حالة ارتكاب القاصر لجناية أو جريمة خطيرة أو تسريح قاصر مجرم دون وصي .

2-المجنون: كذلك لم يشير قانون العقوبات لمثل هذا الصنف من الأشخاص في الحين الذي أشارت المادة 47 من قانون العقوبات انه لا تطبق عليهم العقوبة إذ يطبق عليهم الحجز القضائي المنصوص عليه في المادة 21.

3–حالة السكر: قد يكون فقدان الوعي بمواد مسكرة أو مخدرة أو أي مواد أخري , أما فيما يحص حجز السكران يطرح مشكل من الناحية العملية لان حالته لا تسمح بأخذ أقواله لعدم وجود أدلة مادية أو شهادة لان المادة 51 تشترط حد ادني من الأدلة قبل الحجز.

4 – الدبلوماسيين: طبقا لاتفاقية فيان فان هذا النوع من الأشخاص لا يمكن أن يكونوا عرضة لأي قبض أو حجز بل يجب معاملتهم باحترام , إلا انه يستثني منهم أعضاء السلك التقني أو الإداري طبقا لنص المادة 37 من الاتفاقية المذكورة.

5 – البرلمانيون: طبقا للمادة 109 من الدستور فان الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب و أعضاء مجلس الأمة, و لا يتخذ ضدهم أي إجراء بسبب ما عبروا عنه أثناء مهامهم البرلمانية, لكن إذا ارتكب نائبا جريمة أخري داخل البرلمان فانه لا تطبق أحكام المادة 109 بل أحكام المواد 110 و 111 من الدستور التي تبيح لضابط الشرطة القضائية بصفة غير مباشرة اللجوء إلي اتخاذ الاجرءات القضائية منها التوقيف للنظر وذلك في حالتين:

* إذا كان هناك تنازل صريح من النائب عن حصانته أو إذن من المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة

بأغلبية الأعضاء.

* إذا تعلق الأمر بحالة تلبس وتقرر رفع الحصانة عنه بأغلبية الأعضاء.

و حالة توافر الشرطين المذكورين وتم وضع النائب رهن الحجز يجب إخطار النيابة العامة.

مدة التوقيف للنظر:

تنص المادة 51/2 ق ا ج علي انه لا يجوز أن تتجاوز مدة التوقيف للنظر مدة ثمان و أربعين ساعة, ونفس المدة أشارت إليها الفقرة الرابعة من نفس المادة ,وذكرتها المادتين 65 و 141 ق ا ج ,إذ يفهم منه أنها المدة الأصلية التي حددها القانون في اطر التحقيق التلبس أو الابتدائي أو الإنابة القضائية, و ذلك في الجرائم العادية غير انه لم يحدد المدة صراحة فيما يتعلق بصلاحية الوالي في المادة 28 ق ا ج إذ نصت المادة علي ضرورة تبليغ وكيل الجمهورية خلال 48 ساعة التالية لبدا الإجراءات.

أما المدة الأصلية للحجز تحت النظر في الجرائم المتعلقة بالأفعال الإرهابية فانه طبقا للماد51/ 5 هي 96 ساعة بنصها “تضاعف الآجال المنصوص عليها في هذه المادة إذا تعلق الأمر باعتداء علي امن الدولة”

أما المدة الأصلية في جرائم المخدرات فانه حددها قانون 04-18 بثمان و أربعين ساعة.

تمديد مدة التوقيف للنظر:

نصت المادة 51/1 ” إذا رأي ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50 فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية ويقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر.

لا يجوز أن تتجاوز مدة التوقيف للنظر ثمان وارعين( 48) ساعة”

الأشخاص المشار إليهم في المادة 50 هم الذين يبدو لضابط الشرطة القضائية أن حجزهم ضروري لمقتضيات التحقيق عندما ينتقل لمسرح الجريمة في حالة التلبس ,ثم يلجا للتحقق من هوية احد الأشخاص فيعجز هذا الأخير عن إثباتها إذ يجوز هنا حجزه لمقتضيات التحقيق , لكن يجب علي ضابط الشرطة القضائية تقديم تقريرا لوكيل الجمهورية عن ذلك, إلا أن المادة 51 لا تبيح تمديد مدة حجزهم لضعف الأدلة .

أما الفقرة الرابعة من المادة 51 فقد نصت” و إذا قامت ضد الشخص دلائل قوية و متماسكة من شانها التدليل علي اتهامه فتعين علي ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده إلي وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من ثمان و أربعين (48) ساعة ” ,ويقصد بهذه الطائفة الأشخاص الفاعلين الأصليين أو المساهمين في الجريمة الذين ضبطوا في حالة تلبس فلم يجيز المشرع تمديد مدة حجزهم بدليل نص المادة” أن يقتاده فورا إلي وكيل الجمهورية دون أن يوقف أكثر من ثمان و أربعين ساعة”

أما في الفقرة الثالثة من المادة المذكورة فقد قيدت مدة توقيف طائفة الأشخاص لا توجد دلائل ترجح ارتكابهم الفعل إلا لمدة سماعهم ثم يطلق صراحهم بنصها ” الأشخاص الذين لا توجد أية دلائل تجعل ارتكابهم أو محاولة ارتكابهم للجريمة مرجحا لا يجوز توقيفهم سوي المدة اللازمة لأخذ أقوالهم ”

جاءت هذه الفقرة للحد من التعسفات ومنها يستخلص انه لا يجوز توقفيهم إلا لمدة السماع فيعني انه لا يجوز تمديد مدة حجزهم.

أما التمديد في حالة التحقيق الابتدائي فقد أشارت إليه المادة 65 من قانون الاجراءات الجزائية بنصها”إذا دعت مقتضيات التحقيق الابتدائي ضابط الشرطة القضائية أن يوقف للنظر شخصا مدة تزيد عن ثمان و أربعين ساعة(48),فانه يتعين عليه أن يقدم ذلك الشخص قبل انقضاء هذا الأجل إلي وكيل الجمهورية.

وبعد أن يقوم وكيل الجمهورية باستجواب الشخص المقدم إليه يجوز بإذن كتابي أن يمد حجزه إلي مدة لا تتجاوز 48 ساعة أخري بعد فحص ملف التحقيق.” ويعني ذلك أن سبب التمديد يرجع إلي كون الجريمة غير ثابتة المعالم في البداية بشرط تقديم المحجوز أمام النيابة قبل انقضاء المدة الأصلية.

غير أن الفقرة الثالثة من المادة المذكورة أعطت استثناء بقولها”ويجوز بصفة استثنائية منح ذلك الإذن بقرار مسبب دون تقديم الشخص إلي النيابة”.

أما إذا تعلق الأمر بالتحقيق في إطار الإنابة القضائية فانه طبقا للمادة 141 ق ا ج فان التمديد يكون بنفس الإجراءات الواردة في المادة 63 إلا أن الإجراءات يختص بها قاضي التحقيق.

أما فيما يخص التمديد في جرائم امن الدولة فان الفقرة الخامسة من المادة 51 ق ا ج أقرت مضاعفة جميع الآجال المتعلقة بالتوقيف للنظر إذا تعلق الأمر بهذا النوع من الجرائم لتصل إلي 96 ساعة بدل 48 ساعة , وقد أوردها المشرع تحت فصل الجنايات و الجنح المتلبس بها لذلك فانه لا يجوز التمديد فيها , ونفس هذه الجريمة وردت في الفقرة الثالثة من نص المادة 65 ق ا ج , غير أن هذه الفقرة وردت تحت عنوانفي التحقيق الابتدائي ونجد فيها نفس المدة المشار إليها أعلاه مع اختلاف في الصيغة المستعملة من المشرع في هذه الفقرة عن سابقاتها إذ استعمل كلمتي جنايات أو جنح بدل لفظ اعتداء علي امن الدولة,أما التمديد في الجرائم الموصوفة بأعمال تخريبية أو إرهابية فقد ورد الحجز و التمديد فيه في المواد51/5 و 65/4 من قانون الإجراءات الجزائية,يخضع تجديدها للسلطة التقديرية لوكيل الجمهورية وذلك كلما انقضت 96 ساعة إلي غاية استنفاذ المدة القصوى المتمثلة في 12 يوما.

أما التمديد بالنسبة لجرائم المخدرات فقد ورد ذكرها في المادة 37 من الامر04-18 المؤرخ 25 ديسمبر 2004 بنصها ” يجوز لضابط الشرطة القضائية إذا دعت ضرورات التحقيق الابتدائي المتعلق بالبحث عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون و معاينتها أو يوقفوا للنظر أي شخص مشتبه فيه لمدة 48 ساعة .

ويتعين عليهم تقديم الشخص الموقوف للنظر إلي وكيل الجمهورية قبل انقضاء هذا الأجل.
وبعد أن يقوم وكيل الجمهورية باستجواب الشخص المقدم إليه يجوز له بإذن كتابي أن يمدد حجزه إلي مدة لا تتجاوز ثلاث(3 ) مرات المدة الأصلية بعد فحص ملف التحقيق.

ويجوز بصفة استثنائية منح هذا الإذن بقرار مسبب دون تقديم الشخص إلي النيابة.”
ويستقرا من هذه المادة أن التمديد في مثل هذه الجرائم يكون فقط في حالة التحقيق الابتدائي فقط.

حساب مدة التوقيف للنظر :

لم يشر المشرع الجزائري في مضمون قانون الإجراءات الجزائية إلي مسالة بداية حساب مدة التوقيف للنظر ,غير أن الفكرة السائدة هي أن بداية حساب المدة يبدأ من اللحظة التي يقيد فيها حرية الشخص,إلا أن تطبيق هذه الفكرة يبقي أمرا نسبيا لان اطر التحقيق تختلف ,لان ضابط الشرطة القضائية يتخذ قرار الوضع في الحجز عقب التوقيف مباشرة في حالة التلبس , لكن يبقي دائما موقف المشرع الجزائري غامضا في بداية حساب المدة في جميع اطر التحقيق.

حقوق المحجوز تحت النظر:

حددت المادتين 51 و 51 مكرر1 حقوق الشخص المحجوز وهي كالتالي:

أ)- الحق في الفحص الطبي: نجد أصل هذا الحق وارد في المادة الثامنة و الأربعين من الدستور التي نصت”ولدي انقضاء مدة التوقيف للنظر يجب أن يجري فحص طبي علي الشخص الموقوف أن طلب بذلك علي أن يعلم بهذه الإمكانية” و هو ما أكدته الفقرة الثانية من المادة 51مكرر1 من قانون الإجراءات الجزائية, التي نصت علي صورتان للفحص الطبي هما:

– فحص طبي بقوة القانون بصريح المادة 51مكرر1 بقولهاوجوباوهذا بعد انقضاء مواقيت التوقيف للنظر.
– فحص طبي جوازي وهذا ما جاء في المادة 52/6 التي أجازت لوكيل الجمهورية سواء من تلقاء نفسه أو بناءا علي طلب احد أفراد عائلة الشخص أو محاميه أن يندب طبيبا لفحصه في أية لحظة أثناء ساعات الحجز.

ب)- الحق في الاتصال بالعائلة وزيارتها له: وهذا بصريح المادة 51 بنصهايجب علي ضابط الشرطة القضائية أن يضع تحت تصف الشخص الموقوف للنظر كل وسيلة نمكنه من الاتصال فورا بعائلته و من زيارتها له ,وذلك مع مراعاة سرية التحريات .

ج)- إعلام المحجوز بحقوقه: وهو ما أقرته المادة51مكرر ” كل شخص أوقف لننظر يخبره ضابط الشرطة القضائية بالحقوق المذكورة في المادة 51 مكرر1 أدناه ويشار إلي ذلك في محضر الاستجواب”أي الحق في الاتصال بالعائلة و الفحص الطبي.

وبالرجوع لنص المادة 52 ق ا ج فانه يجب علي ضابط الشرطة القضائية أن يضمن محضر سماع أقوال كل شخص موقوف تحت النظر مدة استجوابه و فترات الراحة التي تخللت ذلك و اليوم و الساعة اللذين أطلق سراحه فيهما أو قدم للقاضي المختص, و أن يدون الأسباب التي استدعت عملي الحجز تحت النظر.

الجزاءات المترتبة علي مخالفة أحكام التوقيف للنظر

لم يتضمن قانون الإجراءات الجزائية الجزاءات المترتبة علي مخالفة أحكام التوقيف للنظر ماعدا ما نصت عليه الفقرة السادسة من المادةو51 ” إن انتهاك الأحكام المتعلقة بآجال التوقيف كما هو مبين في الفقرات السابقة,يعرض ضابط الشرطة القضائية للعقوبات التي يتعرض لها من حبس شخصا تعسفيا”

يعني ذلك أن ضابط الشرطة القضائية يتحمل المسؤولية الجنائية عن جريمة الحبس التعسفي الوارد ذكرها في المادة 107 إلي 110 من قانون العقوبات.

كما تقوم المسؤولية الجنائية له في حالة رفضه تقديم السجلات إلي السلطات التي لها الحق في الرقابة عليه في مجال الحجز تحت النظر الواردة في المادة 110 مكرر من قانون العقوبات ,إضافة لمسؤوليته في عدم إجراء الفحص الطبي للشخص المحجوز.

وبناءا علي نص المادة 108 من قانون العقوبات فان ضابط الشرطة القضائية في حالة ارتكابه تلك المخالفات يتحمل أيضا المسؤولية المدنية وذلك بنصها “علي مرتكب الجنايات المنصوص عليها في المادة 107 مسؤول شخصيا مسؤولية مدنية ……”

وهذا بغض النظر علي العقوبات التأديبية الصادرة عن الجهة الإدارية الوصية.