بواسطة باحث قانوني
أن الأفعال غير المشروعة التي ترتكب خلال فترة سريان قانون معين و احيل مرتكبها الى المحاكمة يسري عليها القانون الساري انذاك ولا يسري عليه بأثر رجعي

رأيي الشخصي:

النتيجة الطبيعيه لمبدأ شرعيه الجرائم والعقوبات أن نصوص العقوبات لا تسري الا علي الوقائع آلتي تقع من يوم العمل بها، حيث أن حكمها لا يتناول الوقائع السابقة في التاريخ علي هذا اليوم ن ويعبر عن ذللك بمبدأ النفاذ الفوري لنصوص العقوبات علي ما يتلو العمل بها ، وعدم رجعيتها ألي الماضي. ولكن مبدأ رجعيه نصوص العقوبات ليس مطلقا، تثور مشكله تحديد نطاق سريان قانون العقوبات من حيث الزمان حينما تقع جريمه في ظل قاعده جنائيه معينه،وقبل أن يغلق باب الدعوي بحكم بات ، تصدر قاعده جديده مغايره للقاعده الأولي التي وقعت الجريمه في ظلها.فحينئذ يثور التساؤل عن القاعده واجبه التطبيق علي المتهم . هل هي القاعده الأولي، أم القاعده الجديده؟ وبعباره اخري هل تسري القاعده الجديده بأثر رجعي علي الجرائم التي وقعت فبل العمل بها،أم تظل الجريمه محكومه بالقاعده التي وقعت في ظلها ويقتصر نطاق القاعده الجديده علي ما يقع في ظلها من جرائم؟ تحديد المبادئ العامه في قانون العقوبات نوبعض النصوص الدستوريه ونصوص قانون العقوبات، القواعد التي تحكم قانون العقوبات من حيث الزمان .يمكن اجمال تللك القواعد في اثنتين:الأولي: عدم رجعيه النصوص الجديده الأشد. والثانيه:رجعيه النصوص الجديده الاصلح للمتهم، وذللك كله علي التفصيل التالي :

قاعده عدم رجعيه نصوص قانون العقوبات الأشد

من بين أبرز المبادئ و أهمها على الإطلاق مبدأ عدم رجعية القوانين وتعني هذه القاعده أن نصوص العقوبات الأشد من النصوص السابقه عليها ، سواء تعلقت بالتجريم أم العقاب، لا تسري علي الماضي ،أي لا تطبق بأثر رجعي،وانما تسري بأثر مباشر وفقا للأصل العام، أي تطبق فحسب علي مايقع من جرائم منذ بدايه العمل بها.أما ما وقع من جرائم في ظل قاعده قديمه أخف فيظل محكوما بتلك القاعده ، فاذا جاء نص جديد يجرم فعلا كان مباحا وقت اتيانه، ظل الفعل علي اباحته وفقا للقاعده القديمه، ولايسري الا علي الفعل الذي يقع منذ العمل به .واذا جاء النص الجديد بعقوبه أشد جسامه من العقوبه المقرره في القاعده القديمه، امتنع تطبيق العقوبه الاشد علي من ارتكب جريمه في ظل القاعده الاولي ،ويخضع لها فحسب من يرتكب الجريمه منذ لحظه العمل بالقاعده الجديده. وعلي هذا النحو يقتصر سريان كل قاعده علي مايقع في ظلها من جرائم.

وتكتسب هذه القاعده قيمه دستوريه، حيث كرستها الماده 66 من الدستور المصري بقولها “لا عقاب الا علي الأفعال اللاحقه لتاريخ نفاذ القانون” وتحظر الماده 187 من ذات الدستور سن تشريعات بأثر راجعي في المواد الجنائيه. و قد نص الدستور المصري في مادته 188 على انه تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها و يعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حددت لذالك ميعادا آخر.كما قرر بالمادة 187 انه “لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها و لا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها.
وكذللك تنص الماده الخامسه من تقنين العقوبات علي “يعاقب علي الجرائم بمقتضي القانون المعمول به وقت ارتكابها” فهذه القاعده نتيجه حتميه وامتداد طبيعي لمبدأ شرعيه الجرائم والعقوبات الذي يشكل ضمانه هامه لحمايه الحريه الفرديه للأنسان والذي يقضي منطوقه بأنه لا جريمه ولا عقوبه بغير نص، .فان لم يوجد هذا النص اعتبر السلوك مباحا. ومن جهة أخرى، فالدستور الأردني و قانون العقوبات حددا متى ينفذ القانون الجديد بعد نشره في الجريدة الرسمية و المدة هي ثلاثين يوما من تاريخ نشره و اليوم الأول لا يحتسب. و العبرة هي بوقت العمل بالقانون الجديد لا بتاريخ إصداره. و ينص الفصل الرابع من القانون الجنائي المغربي على انه لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن يعتبر جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه. و يشير الفصل الخامس إلى انه لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى قانون صدر بعد ارتكابه. فإن كان قد صدر حكم بالإدانة، فإن العقوبات المحكوم بها، أصلية كانت أو إضافية، يجعل حد لتنفيذها.

ومؤدي ماتقدم أن اشتراط أن تكون الافعال محل العقاب لاحقه للقانون الذي يعاقب عليها،و أنه لا يجوز أن يحكم علي شخص ارتكب جريمه بعقوبه أشد من التي كانت موضوعه لها وقت ارتكابها ،وان فعل القاضي غير ذلك عد هذا منه اهدار لقاعده عدم الرجعيه،ومن ثم مخالفه منه لمبدأ شرعيه الجرائم والعقوبات. نطاق تطبيق القاعد يتحدد نطاق تطبيق القاعده محل البحث بشرط اساسيين :

أولهما- أن يكون النص الجديد أشد من ألنص ألقديم ألذي وقعت الجريمه في ظله.

وثانيهما- ألا تكون معتبره من الناحيه القانونيه واقعه في ظل النص الجديد الأشد.

فمن ناحيه، تحديد نطاق تطبيق القاعده بطبيعه النص الجديد : فيتحدد بالنصوص المتعلقه بنصوص التجريم الأسوأ للمتهم، ويدخل في ذلك النصوص التي تنشئ الجرائم أوتعريفها، والتي تقرر العقوبات وتحددها، أو التي تشدد العقوبات القائمه، سواء بالنص علي عقوبه جديده أشد لذات الجريمه أو بالنص علي ظرف مشدد للعقاب يستمده المشرع من الظروف الماديه للجريمه نفسها،أو من ظروف ألجاني وحالته، وبصفه عامه كل ما شأنه أن يسئ الي مركز المتهم من ناحيه التجريم أو من ناحيه العقاب علي وجه من الوجوه،حتي ولو كان ذلك في صوره الغاء مانع من العقاب كان مقررا من قبل، أو تقيد مثل هذا المانع بقيود أو بشروط لم تكن موجوده من قبل.
وعلي ذلك لا تسري قاعده عدم الرجعيه علي النصوص الجنائيه الأصلح للمتهم،ولا علي النصوص الجديده التفسريه والتي لا تستهدف في الحقيقه غير مجرد توضيح نصوص سابقه، اذا تعتبر جزءا لا يتجزأ من القاعده الأصليه التي صدرت القاعده الجديده لتفسيرها في الحالات التي يكون فيها حكم هذه القاعده غامضان، أو موضوعا لتخبط المحاكم في تطبيقه بين تفسيرات متعدده ولا يحول دون ذللك كون النصوص التفسريه تقرير تفسيرا أشد علي المتهم مما كان يذهب اليه القضاء، ذللك لأن سريان التفسير الجديد علي الوقائع السابقه علي صدوره لا يعتبر خروجا علي مبدأ عدم الرجعيه لأن النص الذي يطبق هو في الواقع النص القديم الذي كان يحكم الواقعه حين ارتكبت والذي كان دور النص الجديد مجرد تفسيره. فهو لا يضيف قواعد تجريم ولا يشدد العقاب الذي كانت تقرره القاعده السابقه، ويلاحظ أن العبره في وصف القانون بأنه تفسيري هو طبيعته وحقيقته بصرف النظر عن وصف المشرع له. ومن ثم اذا وصف المشرع قانونا بأنه تفسيري وتبين للقاضي أنه في حقيقته ليس كذللك، تعين عليه أن يخضعه لقاعده عدم الرجعيه، تأسيسا علي أنه ليس للمشرع ان يخالف هذه القاعده لا في صوره صريحه ولا مستتره باصدار قانون تفسيري يتضمن حكما جديدا أشد بوصف أنه تفسير لنص قديم .

ومن ناحيه ثانيه : ألا تكون الجريمه من الناحيه القانونيه مرتكبه في ظل القانون الجديد : فان كانت قد وقعت من الناحيه الزمانيه بعد العمل بذلك النص،سري عليها هذا الأخير، ولا يقال حينئذ ان في سريانه أثرا راجعيا محظورا .وبعباره أخري شرط تطبيق قاعده عدم رجعيه النص الأشد هو أن تكون الجريمه قد وقعت من الناحيه القانونيه في ظل القاعده القاديمه، فحينئذ تظل محكومه بتلك القاعده ،ولا تسري عليها القاعده الأشد بأثر رجعي.
يثير تطبيق هذه الشروط بعض الصعوبات نظرا لطبيعه الجريمه والتردد حول تحديد اللحظه الزمنيه التي تعتبر الجريمه وقعت فيها. ونبحث ذلك في مطلب مستقل.
كيفيه تطبيق قاعده عدم الرجعيه

لتطبيق قاعده عدم الرجعيه لا بد من التحقق من أمرين : أولهما: تحديد وقت العمل بالقانون الجديد. وثانيهما: تحديد تاريخ ارتكاب الجريمه .

أولا: تحديد وقت العمل بالقانون الجديد :

لتطبيق قاعده عدم الرجعيه بصفه عامه لابد من التحقق من تاريخ العمل بالقانون الجديد، اذ أن هذا التاريخ هو الفيصل في تحديد مجاله الزمني فما كان سابقا من الوقائع علي هذا التاريخ يخرج عن نطاق سلطانه، بعكس مايجئ فيه لا حقا. وتحديد وقت العلم بالقانون لا يثير صعوبه، اذاالمرجع فيهالي القواعد التي يقررها الدستور ، وفي ذللك ينص الستور المصري في الماده 188 علي “تنشر القوانين في الجريده الرسميه خلال اسبوعين من يوم اصدارها ويعمل بها من اليوم التالي لتاريخ نشرها الا اذا حددت لذللك ميعاد أخر” ولكن ينبغي ان يلاحظ في هذا المقام أنه لا يعتبر قانونا جديدا القانون التفسيري لأنه لا يهدف الي تعديل التشريع القائم بل يقتصر علي تفسيره وايضاح معناه في ناحيه مختلف عليها، ومادام الامر كذللك فان القانون التفسيري يندمج مع القانون الاصلي ويصبح له نفس المجال الزمني ، وينبني علي ذللك أن القانون التفسيري ينطبق علي الوقائع السابقه علي تاريخ صدوره ابتداء من تاريخ نفاذ القانون الاصلي دون أن يكون في هذا اهدار لقاعده عدم الرجعيه، وذللك بشرط الا يتضمن القانون التفسيري أحكاما جديده لا يتضمنها القانون الاصلي، والا فانه يتحد مع القانون الأخير، ويستقل بنطاقه الزمني الذي يبدأ من تاريخ نفاذه هو، أي يعامل القانون التفسيري في هذه الحاله معامله القانون الجديد ولا يجوز سريانه بأثر رجعي.

ثانيا : تحديد تاريخ ارتكاب الجريمة :

هناك بعض الجرائم التي لا يثير تحديد وقت ارتكابها أدنى صعوبة لأنها ترتكب و تتم في لحظة واحدة من الزمان. فمن يطلق النار على غريمه فيخر على الفور صريعا، لا يتردد أحد في تحديد وقت ارتكاب الجريمة لأنها تبدأ و تتم في لحظة زمني فتحديد وقت ارتكاب الجريمة خلال سريان النص الجنائي لا يثير صعوبة بالنسبة للجريمة الوقتية، فالفعل يبدأ و ينتهي خلال فترة زمنية وجيزة ة واحدة، فالصعوبة تظهر في تلك الجرائم التي يتراخى أمدها في التنفيذ، تلك الجرائم التي استقر العرف على تسميتها بالجرائم الزمنية لانطوائها على عنصر زمني يباعد بين الفعل و النتيجة في أغلب الأحوال و هي ما يعرف بالجرائم المستمرة كإخفاء الأشياء المسروقة، و الحبس بدون وجه حق ووضع جرعات من السم على فترات زمنية متباعدة، الهدف منها قتل الشخص أو المريض بعد مدة ما…الخ.