ماهية نظام الكلية الانتخابية ؟

نظام الكلية الانتخابية

هو نظام انتخابي يعتمد التمثيل الكلي للانتخابات الفرعية المختلفة التي تنظم في المحافظات أو في الولايات المختلفة، بمعنى أن المحافظات والولايات المختلفة تنظم انتخاباتها المختلفة، على أسس انتخابية قد تتفق مع بعضها البعض وقد لا تتفق، ولكنها من خلال هذه الانتخابات تفرز مجموعة من الممثلين لمجلس مركزي ليس مهمته التمثيل السياسي وإنما مهمته كمجلس هو انتخاب المجلس السياسي الممثل أو الشخصية السياسية التي تم انتخاب المجلس لانتخابه. أي أن المجلس المركزي هو مجموعة من الأشخاص الذين لهم حق التصويت بالتكليف، أي أنهم يصوتون بحسب التكليف الممنوح لهم من قبل من انتخبهم لدخول المجلس. والهدف الأساسي من هذا النوع من المجالس الانتخابية ينبع من أنه في الماضي لم يكن هناك إمكانية للناخبين أن يتعرفوا على المرشح الذي يريد أن يتولى فرضاً رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة، ولذلك فقد تم ابتكار النظام بحيث ينتخب الجمهور مجموعة من الممثلين الذين يعرفهم بشكل مباشر في منطقتهم ويثق بهم ليمثلوهم في المجلس المركزي. وهؤلاء يتوجهوا إلى مركز انعقاد المجلس المركزي ويقوموا بالتعرف عن قرب بالمرشحين للمنصب وينتخبون من يقتنعوا أنه كفؤ للمركز. ومن أشهر المناصب في العالم التي تعتمد هذه الآلية منصب رئيس الجمهورية للولايات المتحدة الأمريكية ومنصب الحبر الأعظم (البابا) في الفاتيكان.

تنبع فكرة نظام الكلية الانتخابية من الاعتقاد بأن المواطن العادي لا يملك من الخبرة والوعي السياسي ما يؤهله لأن يختار بحكمة الممثل المناسب للمنصب الذي يتم التصويت له. فيتم بالتالي ترشيح عدد من الأشخاص الثقات الذين يتم انتخابهم بشكل مباشر من الجمهور العام والذين لهم صفة اعتبارية أو حزبية بشكل معين في مجتمعهم المحلي، وهؤلاء النخبة هم من ينتخب في النهاية الشخص المؤهل للمنصب المحدد في الانتخابات. وأول من نفذ أسلوب من أساليب الكلية الانتخابية كان اليونان القدماء حيث البرلمان في الواقع هو نوع من أنواع الكلية الانتخابية. فالنواب لا يتم انتخابهم بشكل مباشر من الشعب، بل يتم ترشيحهم للمنصب من خلال عائلاتهم بحيث يتم تمثيل كل عائلة من عائلات النبلاء بعدد من الممثلين تتناسب مع حجم وقوة العائلة. وتجدر الإشارة هنا أن الديمقراطية اليونانية هي ديمقراطية تنحصر في طبقة الأسياد دون سائر طبقات المجتمع. وقد اعتبر باركليس مجدداً في الديمقراطية اليونانية لأنه سمح للحرفيين والتجار بأن يكونوا جزءاً من العملية الديمقراطية وأن يتم تمثيلهم في مجلس الحكماء.

وقد انتشر تطبيق نظام الكلية الانتخابية في أوروبا العصور الوسطى وبالأخص في الدولة الرومانية المتأخرة وفي الممالك الشمالية كألمانيا والنمسا. أما اليوم فإن أكثر التطبيقات قوة وتأثير على العالم للكلية الانتخابية يتمثل بانتخاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وانتخاب من يجلس على الكرسي البابوي في الفاتيكان. كما يعمل بها في الانتخابات الرئاسية الهندية والايطالية وفي انتخابات ممثلي الأحزاب لانتخاب زعيم الحزب في كل من حزب العمال البريطاني والحزب الديمقراطي والجمهوري في أمريكا، وعلى الرغم من الاختلافات الطفيفة في طريقة التصويت فإن الفكرة الأساسية لكل عملية الانتخاب في الكلية الانتخابية واحد: الهدف الأساسي انتخاب مجموعة من الممثلين الذين يتولون انتخاب الشخص المناسب للمناصب ذات العلاقة.

نظام الكلية الانتخابية في انتخابات الرئاسة الأمريكية

تعتمد معظم ولايات الولايات المتحدة الأمريكية نظام الاصوات المتعددة على مستو الولاية، ولكنها تعتمد الكلية الانتخابية على مستوى انتخاب الرئيس للاتحاد الفيدرالي. والكلية الانتخابية في أمريكا تساوي في عددها عدد مجلسي الشيوخ والنواب بالإضافة إلى بعض الأصوات الإضافية التي اكتسبتها واشنطن في مرحلة من مراحل التطور السياسي في الولايات المتحدة وبذلك يكون المجموع هو (435 نواب +100 شيوخ+ 3 واشنطن = 538) ولكن أعضاء الكلية الانتخابية أو مجلس الحكماء ليسوا هم نفسهم أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لكن يتم اختيارهم خلال عملية التسابق نحو البيت الأبيض في أغلب الولايات بطريقة من يكسب الولاية يكسب جميع أصوات الولاية في الكلية الانتخابية. وعلى الرغم من أن أعضاء مجلس الحكماء أحرار من حيث المبدأ في اختيار المرشح الذي يريدون لإشغال مركز الرئيس إلا أن هناك التزام أخلاقي ووعد بانتخاب من ينجح في التصويت في الولاية على مستوى الأصوات الشعبية.

ومؤخراً تمت المطالبة بإلغاء فكرة الكلية الانتخابية نظراً إلى أن دورها الأساسي الذي اتخذت من أجله لم يعد فاعلاً. إذ أن الفكرة الأساسية التي تم تبني النظام على أساسها ينبع من أن الناخب في الولايات لا يستطيع أن يتعرف على المرشح لمنصب الرئاسة وكان من الصعب على المستوى العملي أن يتم اللقاء مع كل الناخبين في كل الولايات ليتعرف الناخب على المرشح. وبالتالي فالناخب في الولايات المختلفة ينتخب من بيئته المحلية ممثلين يعرفهم ويثق بهم على أنهم سيختارون الشخص المناسب لمركز الرئيس. ولكن هذه الحجة لم تعد صالحة اليوم في ظل الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات. فكل ناخب في أقصى الولايات وأقربها سيكون في مقدوره اليوم التعرف على المرشح بشكل مباشر من خلال البث التلفزيوني. كما أن الحملات الانتخابية الطويلة التي يقودها المرشحين تسمح لهم بالتنقل إلى كل الولايات ويسمح لهم بمقابلة الناخبين بشكل مباشر. وبالتالي فالناخب الأمريكي اليوم لا يحتاج إلى الوسيط الروحي لكي يتوسط بينه وبيت المرشح للرئاسة بل يمكنه أن يختار المرشح بشكل مباشر.

هنا يجب الإشارة إلى أن معظم المرشحين يركزون بالتالي على الولايات ذات العدد الأعلى في الكلية الانتخابية. وهذا العدد حدد عند الاتفاق على الإتحاد اعتماداً على حجم الولايات بالمقارنة مع وزنها في الإتحاد ولكن هذه النسب قد اختلت اليوم والكلية الانتخابية لا تعكس بالضبط الوزن لكل ولاية في مجلس الحكماء.

إذن الانتخابات الرئاسية في أمريكا إلى الآن هي عبارة عن 50 انتخاب تحت نظام الصوت الواحد تجرى في اليوم نفسه لتحديد الكلية الانتخابية أو مجلس الحكماء الذين يتولون بالتالي انتخاب الرئيس.

في الانتخابات الرئاسية لعام 2000 في الولايات المتحدة الأمريكية تنافس كل من آل غور من الحزب الديمقراطي وجورج بوش الابن على مركز الرئيس. وبعد معركة حادة بقيت أصوات ولاية فلوريدا لتحدد من الفائز بسباق الرئاسة. ونظراً لتقارب الأصوات بين المرشحين تم عد الأصوات أكثر من مرة وانتهى الأمر بفوز جورج بوش بالكلية الانتخابية لولاية فلوريدا وفوزه بالتالي بمنصب الرئيس. ومن المفارقات التي برزت في هذه الانتخابات أن الرئيس بوش قد فاز بمنصب الرئاسة في الكلية الانتخابية بالرغم من عدم فوزه بالتصويت الشعبي. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية التي لا يكون هناك توافق بين الكلية الانتخابية ومجلس الحكماء. وأكثر ما أثار النقاش حول الحالة أن المرشح الديمقراطي آل غور حصل على أكثر من مليون صوت إضافة لما حصل عليه بوش في الصوت الشعبي ومع ذلك ونتيجة للكلية الانتخابية فقد نجح بوش.