ظاهرة التستر في المعاملات .. المفهوم والأسباب
د. محمد عرفة
لقد لوحظ فـي السنوات القليلة الماضية انتشار ظاهرة سلبية كانت من نتاج العمالة الأجنبية وهي ظاهرة التستر فـي المُعاملات التجارية، التي استرعت أنظار السلطات المُختصة، واهتمت بها وسائل الإعلام للحد من نطاقها وآثارها السيئة.

وأعدت وزارة الداخلية حملات قوية وجادة للقضاء عليها، ارتكزت على محورين أساسيين هما: توعية المواطنين بخطورة التستر على العمالة الأجنبية من النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وحثهم على التعاون مع السلطات المُختصة فـي هذا الصدد, وتطبيق العقوبات الجنائية والجزاءات الأخرى التي تنص عليها الأنظمة تطبيقاً صارماً بعد القبض على المُخالفـين. ومما لا شك فـيه أن موضوع التستر فـي المُعاملات التجارية له أهمية كبيرة بالنسبة إلى المواطن والمُقيم على حد سواء، كما أنه يُفـيد السلطات المُختصة للتعرف على جوانبه المُختلفة، ولا سيما أن هناك نظاما يُعالج هذا الموضوع يُسمى نظام مُكافحة التستر (صادر بالمرسوم الملكي رقم م/49 وتاريخ 16/10/1409هـ)

وينص على عقوبات جنائية وأخرى ذات طبيعة “إدارية و”عقوبات تبعية” تُوقع على المُخالف (المتستر) تتمثل فـي شطب السجل التجاري وإلغاء الترخيص.

فضلاً عن أن هذا النظام يحث المواطنين ويُشجعهم على التبليغ أو الكشف عن المُخالفـين بعد التأكد من وقوع المُخالفة، وذلك بمنح المُبَلِّغِ مُكافأة مالية. وأجاز إعطاء حوافز مالية للعاملين على تطبيق أحكام هذا النظام. ويأخذ هذا النظام بمفهوم واسع للمتستر، لا يقصره على المواطن السعودي، بل يُمكن أن يكون الأجنبي متستراً كذلك على أجنبي آخر، وذلك إذا كان مسموحاً له بممارسة نشاط تجاري معين فـي المملكة أو استثمار رأس المال الأجنبي فـي إطار الأنظمة السائدة، حيث يعهد بهذا النشاط إلى شخص (أو أشخاص آخرين) من الأجانب مقابل أن يدفع له هذا الأخير مبلغاً معيناً ومحدداً كل شهر أو كل فترة زمنية محددة، ويتولى المتستر عليه إدارة المشروع والحصول على الأرباح التي يحققها المشروع لحسابه هو ولكن باسم المتستر.

وينتشر التستر عادة فـي المشاريع التجارية الصغيرة ولكن يصعب تصوره فـي المشاريع الكبيرة أو فـي شركات المساهمة، نظراً لوجود أنظمة واضحة ومحددة لتأسيس هذه الشركات وضوابط تكفل إشهارها والتعرف على المساهمين والمسؤولين عن إدارتها. ويزداد عنصر الخفاء فـي المشروع إذا كان صاحبه فردا واحدا، إذ يستطيع أن يتستر على شخص أو أشخاص آخرين يعملون لديه، أما إذا زاد عدد الشركاء فـيصعب إخفاء عملية التستر.

وعلى الرغم من توافر عنصر الرضا التام بين المتستر والمتستر عليه، ورغم تحقيق مصلحة كل منهما الفردية من عملية التستر، إلا أن الحكمة من تجريمها هي حماية المصلحة العامة الاقتصادية والأمنية للبلاد، تلك المصلحة التي تتبلور فـي المحافظة على مكتسبات المواطن السعودي والموارد الاقتصادية التي تمتلكها المملكة فـي أيدي أبنائها، وعدم السماح للأجانب بالاتجار أو الاستثمار أو ممارسة أي نوع من النشاط الاقتصادي بها إلا فـي أضيق الحدود، وبالضوابط التي تضعها الأنظمة وتقررها السلطات المختصة.

كما أن العمل الذي يقوم به المتستر عليه يخالف الأنظمة السائدة وخاصة أن نظامي الاستثمار الأجنبي والإقامة يشترطان تحويل رأسمال أجنبي لاستثماره فـي البلاد.

أما عندما يقوم الأجنبي المتستر عليه بالاستثمار فـي مشروع أو محل تجاري باسم شخص آخر سعودي أو أجنبي آخر، فإنه فـي الغالب لا يُدخل للمملكة أموالاً محولة من الخارج، بل يحل محل صاحب المشروع الأصلي فـي استغلاله، وبذلك يعتبر هذا التصرف بمثابة نوع من التحايل على أحكام نظامي الاستثمار والإقامة من هذه الناحية. ومن ناحية أخرى فإن هذا النظام يشترط عدة شروط تتعلق بضرورة الحصول على ترخيص للاستثمار فـي المشروع الذي ينوي الاستثمار فـيه، وأن يتم ذلك فـي مشروعات التنمية الاقتصادية التي تحددها القواعد النظامية، إذ إن عملية التستر تؤدي إلى مخالفة هذه الشروط والقواعد كلها، ومن ثم يصبح العمل الذي يقوم به المتستر عليه غير مشروع من الناحية النظامية.

والحقيقة أن معالجة ظاهرة التستر تتطلب أولاً تحديد أسبابها, وأرى أن هناك العديد من الأسباب منها أسباب تتعلق بالأنظمة المتعلقة بالتجارة والتي لها دور مؤثر فـي انتشار هذه الظاهرة، إذ تشترط فتح المحلات التجارية مدة عشر ساعات، مما يجعل المواطن السعودي غير قادر على تحقيق الربح المتوقع من المشروع مقارنة بالتكلفة الضخمة له، لذا فعندما يعجز عن تحقيق هذا الربح يفضل ترك المحل لشخص آخر مقابل مبلغ مالي محدد كل شهر. كما أن عدم وجود رقابة كافـية من المواطن صاحب المشروع وتركه زمام الأمور فـي يد الأجنبي المسؤول فـي بداية الأمر يترتب عليه خسارة المحل وعدم تحقيقه الأرباح المتوقعة، بل لا يغطي أية تكلفة دفعت فـيه، مما يجعل صاحب المشروع مهيأ ومستعداً لتركه للأجنبي مقابل مبلغ مقطوع ومحدد حتى يعوض خسارته.

يضاف إلى هذا أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بالاتساع الأفقي فـي المدن وامتداد المحلات التجارية بعشرات الكيلومترات، واشتراك العديد منها فـي نوع واحد من النشاط التجاري الذي يكون أغلبه نشاطا استهلاكيا للمأكولات والملبوسات مما يجعل نسبة الربح الناتج من المشروع قليلة، إن لم تكن خسارته هي الأكثر توقعاً.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت