الحبس التنفيذي

المحامي عمار حاج علي

الحبس التنفيذي

لمحة عامة في الحبس التنفيذي
عرف الحبس التنفيذي لدى الشعوب القديمة كاليونان والرومان والبرابرة حيث كانت العبودية منتشرة لأن فكرة الحبس التنفيذي مؤسسة عليها وكان الرجل يعتبر سلعة من السلع ويمكن أن يستخدم جسمه بالتالي في الوفاء بالالتزام المترتب عليه .

فقد كان في قانون الألواح الأثني عشر لدى الرومان أنه بإمكان الدائن أن يحبس المدين في حال عدم تنفيذ التزامه لمدة شهرين يعمد في نهايتها إلى بيعه أو قتله وإذا كان هناك أكثر من دائن قطعت جثته ووزعت عليهم بمقدار الدين

أما في مصر القديمة
فكان يجوز للدائن بعد وفاة مدينه أن يضع يده على جثته وأن يمنع دفنها قبل إيفاء دينه مما يجعل الورثة يهرعون إلى دفع الدين اتقاء للعار إلا إن ذلك لم يعمر طويلاً بعد أن جاءت التشريعات السماوية بمبادئ عادلة ألغت الأحكام القاسية التي كانت معروفة عند الشعوب القديمة فمثلاً الشريعة الإسلامية أجاز الفقهاء حبس المدين غير أنهم فرقوا بين الغني والفقير فمنعوا حبس المدين الفقير وأجازوا حبس الغني الممتنع عن الوفاء

ففي القرآن الكريم قال تعالى (أو ينفوا في الأرض )سورة المائدة الآية 33والنفي عند الجمهور الحبس

أما السنة النبوية : قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم )
وكذلك الأمر عند رأي الصحابة والتابعين من الفقهاء على جواز حبس المدين الغني

وقد دخلت مؤسسة الحبس التنفيذي في التشريعات المختلفة ومنها التشريع الفرنسي وقانون الإجراء العثماني الذي كان مطبقاً حتى صدور قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد بالمرسوم التشريعي رقم/ 84/ تاريخ 8/9/1953 والمطبق في 1/11/1953 إذ عمد الشارع إلى التضييق من نطاق الحبس لأن مال المدين هو الضامن للإيفاء بالتزاماته لا شخصه ومن شأن ذلك أن يسهل المدين العمل للحصول على دخل يفي به دينه .

ثانياً : طبيعة الحبس التنفيذي
الحبس التنفيذي وسيلة تهدف للضغط على شخص المدين بحرمانه من حريته لمدة مؤقتة لحمله على تنفيذ التزامه أي هو تدبير إداري مؤقت يهدف على حرمان الشخص من حريته ولا يعتبر هذا الحبس عقوبة وإن كان تضمن مفهوم حجز الحرية وإنما هو وسيلة من وسائل ضمان تنفيذ الالتزام

 

ويترتب على ذلك خضوع الحبس التنفيذي للقانون الساري بتاريخ إصدار قرار بتنفيذه حتى لو كان التشريع السابق الذي نشأ في ظله الالتزام أو الحكم مغاير للتشريع الحالي وذلك أن الحبس التنفيذي من قواعد الأصول التي تتمتع بأثر فوري فهو ليس بعقوبة ولو كان كذلك لوجب تطبيق القانون الأرحم

كما أنه في الضرر الناتج عن جرم جزائي والذي من أجله يجوز الحبس لا يقوم التوقيف الاحتياطي الذي تقرر في دعوى الحق العام بديلاً عن الحبس التنفيذي لاختلاف التكيف القانوني لكل منهما

كما أنه لا يؤثر العفو الخاص وإعادة الاعتبار على حق المتضرر بطلب الحبس إذا كان الضرر ناتج عن جرم جزائي فأثره يتناول الناحية الجزائية أما الحق الشخصي في هذه الأموال يبقى قائماً وكذلك طرق تحصيله بما فيها الحبس.

فالحبس التنفيذي ليس تدبيراً جزائيا وأن كان قد تضمن مفهوم حجز الحرية وإنما هو وسيلة لاختبار ملاءة المدين سيء النية الذي أخفى أمواله لحمله على إظهارها وعدم كون الحبس التنفيذي عقوبة هو ما يبرر عدم شموله بالعفو العام أو الخاص ……
الحقوق التي يجوز فيها الحبس التنفيذي

تنص المادة 460 من أصول المحاكمات المدنية بما يلي :

يقرر الرئيس حبس المحكوم عليه لتأمين استيفاء الحقوق التالية دون غيرها :
أ – تعويض الأضرار المتولدة عن جرم جزائي .
ب – النفقة .
جـ – المهر .
د- استرجاع البائنة في حال فسخ عقد الزواج والتفريق المؤقت أو الدائم .
هـ – تسليم الولد إلى الشخص الذي عهد إليه بحفظه وتأمين إراءة الصغير لوليه .

وهذه الحالات المذكورة أنفا وردت على سبيل الحصر لا المثال وبالتالي لا يجوز التوسع فيها وغاية المشرع في ذلك تقييد نطاق الحبس التنفيذي فحصره فيها دون غيرها لان مال المدين هو الضامن للوفاء لا شخصه ، وبالتالي فإن ذلك يسهل على المدين العمل للوفاء بالتزامه وأيضاً لان في الحبس منافاة لكرامة الإنسان .

– ما هي الحقوق التي يقرر رئيس التنفيذ حبس المحكوم عليه لتأمين استيفائها

أولاً – تعويض الأضرار المتولدة عن جرم جزائي :
بغض النظر عن وقوع الجرم تحت أي قانون سواء أكان قانون العقوبات أو قانون جزائي آخر ما دام المشرع أعتبر أن الفعل الذي سبب الضرر جرماً جزائياً كما لا يشترط في التعويض أن تكون المحكمة الجزائية قد بتت فيه ،فقد تكون محكمة مدنية قد بتت فيه ولكن يشترط في المحكمة المدنية التي بتت في التعويض أن يكون حكمها لاحقاً للحكم الجزائي واعتمدت عليه ولكن في حال كان الحكم المدني لاحقاً للحكم الجزائي والقاضي لم يعتمد عليه فبالتالي لا يؤثر ذلك على طلب الحبس التنفيذي .

ويقول الدكتور نصرة منلا حيدر في أصول التنفيذ الجبري:
في حال اتهم شخص بارتكاب عدة جرائم ورأت المحكمة أنها مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة وقضت بعقوبة الجرم الأشد فقط لوجود التعدد المعنوي وكان التعويض الذي قضي به للمتضرر في إحدى الجرائم التي لم يقضي بها جزائياً ففي هذه الحالة يجوز الحبس من اجل تحصيل التعويض رغم عدم إيقاع العقوبة المقررة لهذه الجريمة ( أصول التنفيذ الجبري ص 264 ) .

ويجب أن نذكر هنا أن المشرع في قانون العقوبات كان قد نص على حكم مماثل للنص الوارد في المادة 460 أصول مدنية وعلى أحكام أخرى تتعلق في هذا الموضوع فالمادة 129 من قانون العقوبات تنص على ما يلي :

” الالتزامات المدنية التي يمكن للقاضي الجزائي القضاء بها هي الرد والعطل والضرر والمصادرة ونشر الحكم والنفقات “
المادة 146 من قانون العقوبات تنص ” يمكن اللجوء إلى الحبس التنفيذي وفقاً لأصول المحاكمات للقضايا المدنية وذلك لتنفيذ الالتزامات المدنية باستثناء الرد ونشر الحكم “

لكن ما يثير التساؤل السؤال التالي :
هل يجوز تطبيق الحبس التنفيذي في حالة الحكم بالرد والذي هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الجرم ؟؟
إن الحكم بالرد هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الجرم (130م/1عقوبات عام)والحكم بنفقات النشر في الجرائد لا يمكن إجراء تنفيذها بطريقة الإكراه الجسدي (صلاح سلحدار _أصول التنفيذ المدني ص 447 )

كما ذهبت محكمة استئناف حلب حول عدم جواز الحبس من اجل تنفيذ حكم الرد وفق ما ورد في القرار 900 تاريخ 31/10/1960
الرد الجزائي الوارد ذكره في المادة 129 عقوبات لا يدخل ضمن مفهوم التعويض عن الأضرار المتولدة عن جرم جزائي ولا يجوز الحبس من اجله .

أما الحكم الجزائي لقاء قيمة شيك يخرج عن مفهوم الرد فلا يجوز حبس المحكوم عليه بقيمة الشيك دون رصيد عملاً بأحكام المادة 460 أصول مدنية لأنها تعتبر من قبيل الرد وليس التعويض (نقض رقم أساس 1090 / تاريخ 15/11/ 1974 مجلة المحامون ص 44 لعام 1945 ) .
كما أن الاجتهاد القضائي رفض السماح بالحبس لتنفيذ قرار برد مال أسيئ ائتمانه بحجة إن الشارع قد فرق في الالتزامات المدنية بين الرد من جهة والعطل والضرر من جهة أخرى ( م 129 عقوبات عام ) .

وان الحبس التنفيذي الذي أجازه القانون هو بشأن العطل والضرر ( مادة 460 أصول مدنية ) كما يتوجب لإيقاع الحبس التنفيذي أن يكون الضرر ناجماً عن الجرم .

ويعتر ضنا في معرض بحثنا هذا أسئلة عدة .
السؤال الأول : هل يجوز حبس المحكوم عليه إذا كان مسؤولاً بالمال عن الأضرار المتولدة عن جرم جزائي .
استقر الاجتهاد القضائي على عدو جواز حبس المسؤول بالمال إطلاقا لان العلاقة بين المحكوم له والمحكوم عليه ( المسؤول بالمال ) علاقة مدنية سواء كان المسؤول بالمال ولياً أو وصياًَ عن المجرم أو مالك أو حارساً على الشيء .

لمحكمة استئناف حلب قرار صدر بتاريخ 29/11/1958 رقم 189 جاء فيه :
الحبس لا يكون إلا لفاعل الجرم الجزائي والسبب المباشر للجرم الذي نشأ عنه التعويض ولا يتعدى المسؤول بالمال .
ولمحكمة استئناف دمشق قرار مماثل أساس 147 قرار 149 تاريخ 8/11/1964 جاء فيه لا يجوز حبس المسؤول مدنياً بالتعويض ……..

موانع الحبس التنفيذي
الحبس التنفيذي : حق استثنائي أولاه القانون للدائن كوسيلة ضغط على مدينه وإجباره على الوفاء
ما هي الحقوق التي يقرر رئيس التنفيذ حبس المحكوم عليه لتأمين استيفائها
1-تعويض الأضرار المتولدة عن جرم جزائي
2- النفقة
3- المهر
4-استرجاع البائنة في حال فسخ عقد الزواج والتفريق المؤقت والدائم
5-تسليم الولد إلى الشخص الذي عهد برعايته وحفظه وتأمين إراءة الصغير لوليه

ما هي قيود موانع الحبس التنفيذي الشخصية والموضوعية :
القاعدة : الحبس التنفيذي وسيلة ضغط على المحكوم لإكراهه على الوفاء ببعض الحقوق يتناول جميع المواطنين والأجانب المقيمين في سوريا على السواء باعتبار أن أصول التنفيذ من النظام العام
فإذا زال المانع عاد الممنوع طبقاً لأحكام القواعد العامة والموانع خاصة بالأشخاص الذين عددتهم المادة 463/464/من أصول المحاكمات المدنية السورية

والمادة /55/من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /148/لعام 1949/وتعديلاته
والمادتان 617/581/ من قانون التجارة بالمرسوم 146/1949
الغاية من كل ذلك لضرورات علمية واعتبارات إنسانية

من هم الأشخاص المستثنيين من الحبس التنفيذي:
1- الصغير : لا يجوز حبس الصغير حبساً تنفيذياً إذا لم يكمل الخامسة عشرة من عمره

2- الكبير الذي تجاوز الستين من عمره ما لم يكن الحبس لتأمين استيفاء نفقة إعمالاً للمادة 463/ من أصول محاكمات المدنية

3- المفلس : لا يجوز حبس المفلس مادامت معاملات الإفلاس قائمة ما لم يكن الإفلاس احتيالياً

4- الصلح الواقي من الإفلاس : لا يجوز حبس المحكوم عليه إذا كان تاجر اً أو تقدم إلى محكمة البداية المدنية بطلب عرض الصلح الواقي من الإفلاس فإيداع طلب الصلح من شأنه وقف كل معاملة تنفيذية تحت البطلان

5- صلة القرابة :لا يجوز حبس المحكوم عليه إذا كان من عموم النسب الدائن فقط فيما عدا النفقة
6- الزوج أو الزوجة : إذا كان لديهم أولاد تقل سنهم عن ثمانية عشر سنة لا يجوز حبسهما معاً وإنما على التتالي وفقاً للمادة 55/ من قانون العقوبات

7- الحامل: كذلك الحامل لا يجوز حبسهما إلا بعد أن تضع حملها بستة أسابيع وفق المادة /55/ من قانون العقوبات
ومن خلال ما تقدم نعود لنذكر إنه في حال زال المانع عاد الممنوع طبقاً للقواعد العامة