موت رحيم
القاضي إياد محسن ضمد
“حياتي كانت بائسة خلال السنوات الأخيرة الماضية وأنا سعيد بإنهائها”.. هذا ما قاله عالم النباتات الاسترالي كودال قبل وفاته بعد ان اختار الموت الرحيم في احدى العيادات المختصة بتقديم خدمة الموت الرحيم.

الموت الرحيم خدمة تقدم لمن يختار بمحض إرادته ان يموت لاصابته بمرض لا يؤمل شفاؤه يسبب له آلاما جسدية كبيرة ويريد التخلص منها وفي الغالب يتم إعطاؤه شرابا مخصصا لانهاء الحياة بطريقة غير مؤذية و مريحة.

مؤيدو القتل الرحيم يستندون الى فكرة أن الإنسان كما انه يمتلك الحق في الحياة وسلامة الجسد فانه في الوقت ذاته يمتلك الحق في طلب الموت وانهاء معاناته في آلامه الجسدية.

القتل بأبسط تعريفاته هو إزهاق روح إنسان على قيد الحياة عمدا أو خطأ وهو فعل جرمته كافة الشرائع والقوانين وهو بهذا التعريف لا يختلف عن القتل الرحيم إلا بان الأخير يتم بناء على طلب المجنى عليه وإلحاحه ولمساعدته في التخلص من آلامه. موجع ومؤلم هو الأمر في كلتا حالتيه؛ فان تركت مريضا مصابا بمرض عضال وهو ينهش اعضاءه الجسدية ويسبب له الاما لا طاقة له على احتمالها فالامر مؤلم له ولمحبيه وان ساعدته على انهاء معاناته واراحته فالامر مخيف ومقلق للمجتمع ولاحاسيسه الانسانية فالقتل، الرحيم يمس بسلامة الجسد ويمس كذلك بمسؤولية الدولة ومؤسساتها الصحية والقانونية في حماية حياة مواطنيها.

اغلب الدول منعت تشريعاتها القتل بناءً على طلب المجنى عليها صراحة بالنص في قوانينها ومنها قانون العقوبات السويدي اذ نصت المادة 114 منه على انه: يعاقب بالحبس كل من قتل شخصاً بناء على طلبه الجدي والملح.

اما بعض الدول فقد اجازت تشريعاتها القتل الرحيم مثل هولندا وبلجيكا وبعض التشريعات العربية نصت صراحة على تجريم القتل الرحيم كالقانونين اللبناني والسوري الا ان العقوبات التي فرضها المشرع في هذين القانونين على من يرتكب جريمة القتل بناءً على طلب المجنى عليه كانت اخف من عقوبة القتل العمد وهو اقرار ضمني من المشرع بان طلب الضحية في ان يموت سببا موجبا لتخفيف العقاب عن الجاني في حين سكتت بعض التشريعات عن معالجة مثل هذه الحالة كالتشريع العراقي فالمواد 405 و 406 اللتان عاقبتا على القتل لم ترد فيهما اشارة الى رضا المجنى عليه اذ نصت المادة 405 على انه “من قتل نفسا عمدا يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت”، ولم يميز النص بين ان يكون القتل بدافع عدواني او ان يكون بدافع الشفقة عليه فالنص هنا يسري ويطبق على اطلاقه واذا اعتبرنا ان المجنى عليه في القتل الرحيم يريد الخلاص من عذاباته ويسعى للانتحار ويطلب المساعدة من اخر فان المادة 408 تنطبق برأيي اكثر على مثل هذه الواقعة كونها عاقبت بالسجن لمدة لا تزيد على سبع سنوات كل من حرض آخر على الانتحار او قدم له مساعدة في ذلك.

ويمكن كذلك في مثل هذه الوقائع ان تسري الأعذار المخففة على المتهم ويعتبر قتله لباعث شريف ويتم الاستدلال بنص المادة 128 عقوبات عند فرض العقوبة. وفي حدود مطالعاتي وقراءاتي للقرارات الصادرة من المحاكم العراقية فلم اجد ان قضية عرضت تشتمل على قتل بدافع الشفقة سواء أكان قتلا لمريض يعاني من مرض مستعص على الشفاء او قتل الاباء لأبنائهم من ذوي الاعاقات الشديدة التي لا يؤمل شفاؤها كتلك القضايا التي عرضت في المحاكم الاوربية فقد برأت محكمة فرنسية والدة فتاة صغيرة قتلتها باستخدام مادة قاتلة لانها مصابة بالصم والبكم وفقدان التوازن وقد افادت امام المحكمة انها ستقدم على الفعل ذاته لو انها عادت الى الموقف مجددا ورغم كل ما يسوقه المدافعون عن الحق في اختيار الموت من مبررات فان سن تشريعات لاتجرم هذا الفعل يمكن ان يسبب مخاطر لحياة الكثير من الاشخاص ممن لا يقدرون على التعبير عن إرادتهم الذين أصيبوا بامراض مستعصية وفي الوقت ذاته هم مصابون بالتوحد او بعاهة الصم او البكم وان الدولة بمثل هكذا تشريع تكون قد تخلت عن حمايتها لهم وتركتهم مشاريع ضحايا بيد اوليائهم واقربائهم يمكن ان يجهزوا عليهم في اي وقت تحت مظلة القانون.

 إعادة نشر بواسطة محاماة نت