مقالة رائعة حول تعاطي المخدرات من المنظور القانوني

أ \ عبد الصبور

مقدمة:

إن من المعلوم أن مضار المخدرات كثيرة ومتعددة ومن الثابت علمياً أن تعاطي المخدرات يضر بسلامة جسم المتعاطي وعقله مما يوقع المتعاطي في الجريمة بشتى أنواعها, وإن الشخص المتعاطي للمخدرات يكون عبئاً وخطراً على نفسه وعلى أسرته وجماعته وعلى الأمن ومصالح الدولة وعلى المجتمع ككل. فأن للمخدرات أخطار بالغة في التأثير على النسيج الاجتماعي للمجتمع وتفكيك ترابطه, لذلك جاءت الشريعة الإسلامية و القوانين و الأنظمة بما يحرم التعامل بالمخدرات و المسكرات و يمنع تداولها و تعاطيها و إدخالها للبلاد, ويعاقب من يقع في التعامل بها ردعاً له و عظةً لغيره للوصول إلى مجتمع سليم و معافى وخالي من الجريمة و الآفات .

تعريف المخدرات من الناحية القانونية :

1/ المادة المخدرة:

تعرف المخدرات من الناحية القانونية أنها: (مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان و تسمم الجهاز العصبي و يحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون و لا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك . و تشمل الأفيون و مشتقاته و الحشيش و عقاقير الهلوسة و الكوكايين و المنشطات , و لكن لا تصنف الخمر و المهدئات والمنومات ضمن المخدرات على الرغم من أضرارها و قابليتها لإحداث الإدمان)

أثر المخدرات على الأسرة والمجتمع وارتباطها بالجريمة :-

أولاً:- أثر المخدرات على الأسرة :-

الأسرة هي الخلية الرئيسية في البناء الإجتماعي ومن الثابت أن الشخصية الأنسانية تتكون جذورها في أحضان الأسرة ‘ ولا شك أن تعاطي المخدرات يشكل عبئاً إقتصادياً على الأسرة وميزانيتها حيث ينفق الوالد كل دخله بل قد يقترض أحياناً إذا ما سقط فريسة للإدمان للحصول على المخدر ومستلزماته مما يؤثر على الحالة المعيشية العامة للأسرة من النواحي السكنية والغذائية والصحية والتعليمية والأخلاقية فلا يستطيع أفراد الأسرة الحصول على إحتياجاتهم الأساسية اللازمة للمعيشة الكريمة وقد تضطر الأم للعمل وقد تتعرض للإنحراف والتشرد وقد ينحرف الأبناء ويتورطون في إرتكاب الجرائم ةالأعمال غير المشروعة والغير أخلاقية وهكذا تأكل المخدرات ميزانية الأسرة وتهلك روحها المعنوية وتقضي على أخلاقها وتعطل أنتاجها وتشل نشاطها فتصبح الأسرة عبئاً على التنمية بدلاً من كونها عاملاً من عوامل تنشيطها ودعمها .

ثانياً:- أثر المخدرات على المجتمع وإرتباطها بالجريمة :-

لا شك أن المجتمع يتأثر تأثراً مباشراً من هذه الظاهرة إقتصادياً وإجتماعياً وأمنياً فيجب أن لا نغفل مدى القلق والفزع الذي يلحق أفراد المجتمع من جرائم متعاطي المخدرات فقد أكدت الدراسات والإحصائيات إرتباط تعاطي المخدرات بالجريمة فكلما زادت ظاهرة تعاطي المخدرات زادت معها معدلات الجرائم المختلفة من قتل وسرقة وإعتداء على النفس والعرض فضلاً عن حوادث السيارات والحريق وإصابات العمل – فالمخدرات في حد ذاتها جريمة يعاقب عليها النظام ومن يرتكبها يمكن أن يستنريء لنفسه إرتكاب غيرها من الجرائم فهي تشجعه على مخالفة الأنظمة الآخرى – وقد تزين له نفسه غير الواعية تحت تأثير المخدرات – أن يرتكب الفواحش والجرائم فتعرضه لعقوبة السلطة وتؤدي به إلى السجن – فيفصل من عمله إن كان موظفاً ويضيع مستقبله ويضر بأسرته التي يتركها دون عائل فيتشرد أبناؤه ويسيرون في طريق مظلم دون هاد أو راع لهم ويضلون السبيل وتتفكك الأسرة التي هي عماد المجتمع .

كما أن تعاطي المخدرات يؤدي إلى أمراض نفسية وخيمة وعلل جسمية فتاكة وتنشأ الخلافات بين أفراد الأسرة ويزداد الصخب بين الزوج وزوجته وأولاده وقد يلجأ إلى العنف والضرب والسب والمقاطعة والمطاردة ويمتد أثر ذلك خارج نطاق الأسرة ثم الجيران فضلاً عن الفضائح في نطاق العمل والمجتمع .ومتعاطي المخدرات يكون لديه الاستعداد للسقوط في السلوك الإجرامي فقد يلجأ إلى السرقة أو الإختلاس أو التورط في عصابات الدعارة والتهريب وقد يتجسس على أسرار بلاده من أجل الحصول على المخدر .

هل يحق لصاحب العمل فصل المدمن من العمل ؟ :-

نعم من حق صاحب العمل فصل العامل المدمن من العمل متى ثبت تعاطيه المخدرات وإدمانها والسبب في ذلك يرجع إلى أن إدمان المواد المخدرة يعود بأسوأ النتائج على الفرد في صحته الشخصية وإرادته وعمله وإنتاجه ووضعه الاجتماعي فيعاني من الأمراض وضعف البنية والشخصية وينتابه الخمول والوهن ويفقد السيطرة على تحركاته وأعماله وأقواله ويتحول إلى شخص يفتقر إلى الطاقة المهنية والحماس والإرادة اللازمة لتحقيق واجباته العادية المألوفة ويصبح شخصا ًكسولا سطحياً متواكلاً غير موثوق فيه مهملاً منحرف المزاج فينعكس أثره على عمله وعلى تعامله مع الناس وغالباً ما يفشل فيطرد من عمله ويقل إيراده وينعكس ذلك على أسرته فلا يكون له القدرة على رعاية أبنائه وتربيتهم التربية السوية فهو شخص مهموم مرتبك التفكير لا هم له إلا أين ومتى وكيف يتعاطى الجرعة التي اعتادها فيحطم بذلك ذاته وعلاقاته مع أسرته ومعارفه وجماعته وتصبح أهداف الحياة لديه ثانوية.
ولنا أن نتصور أن كان هذا المدمن عاملاً على آلة أو ماكينة فإنه يتسبب بفعل المخدر وعدم وعيه إلى إتلافها أو إلى إحداث حريق مدمر للمؤسسة التي يعمل بها أو أن يصاب بإصابة تعجزه عن العمل أو تودي بحياته – فيخسر نفسه وتخسره أسرته – ففي مثل هذه الحالة يكون من حق صاحب العمل فصل هذا العامل المدمن إذا ثبت تعاطيه المخدرات وإدمانه لها .

مدى ولاية المدمن – متعاطي المخدرات – على ماله- زوجته- أولاده :-

أولاً :- ولايته على ماله :

من الثابت أن مدمن المخدرات شخص غير سوي من كافة النواحي نفسياً وإجماعياً وحتى عقلياً حيث أنه من المعلوم والثابت أن المخدرات تذهب بعقل متعاطيها خاصة إذا كان قد وصل إلى حد الإدمان فلا يعقل أن تكون لمثل هذا الشخص ولاية على مال لديه يملكه فيجب تعيين قيم أو وصي على الشخص الذي يثبت إدمانه المخدرات لأنه يكون غير مكتمل الأهلية ويحق لذويه طلب الحجر عليه –هذا بالنسبة للمدمن الذي يتمتع بحريته – أما في حالة مدمن المخدرات الذي قبض عليه وحوكم بعقوبة مقيدة للحرية فإنه وبقوة القانون فإن يده تغل عن إدارة أمواله .

ثانياً :- ولايته على زوجته :

أما بالنسبة لزوجة المدمن فإنه مما سبق أن أوضحنا من أن المدمن يعتبر عديم الأهلية فإنه بالتالي لا تصح أن تكون له ولاية على غيره من الأشخاص حتى لو كانت زوجته فهو شخص غير سوي في أمام المجتمع والنظام ويحتاج للقوامة عليه من الغير فيحق لزوجته أن تطلب الحجر عليه .

ثالثاً :- ولايته على أولاده :

إن المدمن شخص غير مؤهل لأن يكون مربياً لأولاده فإن فاقد الشيء لا يعطيه وكما سبق فإنه شخص يحتاج للقوامة عليه وبالتالي فلا يكون له حق الولاية على أبنائه ولا يكون بالتالي حق تربيتهم أو حضانتهم .

طلاق السكران – هل يمضي أم لا ؟ :-

إن الثابت أن السكران وهو في حالة السكر فإنه يكون إنسان مغيب عن الوعي لا يدري ماذا يفعل ويهذي بكلمات غير مدرك لها وبالتالي إن وقع منه طلاق لزوجته وهو على هذه الحالة فلا يحسب عليه ولا يقع منه الطلاق وهو على هذه الحالة .
هل يحق للزوجة طلب الطلاق من مدمن المخدرات ؟ :-

للزوجة الحق في أن تطلب تطليقها من زوجها الذي أدمن المخدرات ولا يقع عليها أثم في ذلك – ولكن يكون لها ذلك في حالة ما إذا كان ذلك الزوج قد تم عقابه وتعزيره مرات متعددة ولم يتوب عن معاقرة المخدرات التي أدمنها وقد ساءت حالته وأصبح لا أمل في عودته إلى الاستقامة وكانت تخشى على حياتها معه من أن يوقع بها الأذى الجسيم سواء في نفسها أو عرضها أو مالها فلها في هذه الحالة أن تطلب تطليقها منه ولا أثم عليها في هذه الحالة .

العقوبات المقررة لجرائم المخدرات في المملكة العربية السعودية:

نظام مكافحة الاتجار بالمواد المخدرة في المملكة العربية السعودية معمول به بموجب الأمر السامي الكريم رقم 4/ب/966 وتاريخ 10 / 7 / 1407 هـ المتضمن قرار هيئة كبار العلماء رقم 138 وتاريخ 20 / 6 / 1407 هـ، وكذلك قرار مجلس الوزراء رقم 11 لسنة 1374 هـ . ويفرق نظام مكافحة المخدرات بين المهرب والمروج والمتعاطي على النحو التالي:

المهرب:
قرر النظام له أشد العقوبات وهي القتل “الإعدام” لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها إلى لبلاد من فساد عظيم لا يقتصر على المهرب بل يمتد إلى الأمة بأكملها فيصيبها بأضرار بالغة وأخطار جسيمة، ويلحق بالمهرب (الشخص الذي يستورد المخدرات من الخارج)، وكذلك الشخص الذي يتلقى المخدرات من الخارج فيوزعها على المروجين.

المروج:
يفرق النظام بين من يروج المخدرات للمرة الأولى، وبين العائد بعد سابقة الحكم عليه بالإدانة في جريمة تهريب أو ترويج. ففي الحالة الأولى تكون العقوبة هي الحبس أو الجلد أو الغرامة المالية أو بهذه العقوبات جميعاً حسبما يقتضيه النظر القضائي. وفي حالة العودة إلى الترويج تشدد العقوبة، ويمكن أن تصل إلى القتل قطعاً للشر العائد عن المجتمع بعد أن تأصل الإجرام في نفسه وأصبح من المفسدين في الأرض.

المتعاطي:
يعاقب المتعاطي بالحبس لمدة سنتين ويعزر بنظر الحاكم الشرعي، ويبعد عن البلاد إذا كان أجنبياًً، ولا تقام الدعوى العمومية ضد من يتقدم من تلقاء نفسه للعلاج بل يودع في مستشفى لعلاج المدمنين، وقد أخذ النظام السعودي في ذلك بتوصيات الأمم المتحدة، وأسوة بما هو متبع في الكثير من دول العالم، وعطفاً على مرضى الإدمان وعملاً على علاجهم من هذا الداء.

معاملة خاصة للطلاب المتهمين في قضايا المخدرات:
استثنى النظام الطلبة من تطبيق العقوبات المنصوص عليها فيه والاكتفاء بتأديبهم التأديب المناسب ومراقبتهم بعد ذلك للتأكد من صلاحهم، وأخذ التعهد على أولياء الأمور بحسن تربيتهم، ويشترط فيمن يستفيدون من هذا الاستثناء ما يلي:
• ألا يزيد عمر الطلاب عن عشرين عاماً.
• أن يكون الطالب متفرغاً للدراسة.
• ألا يكون الطالب مروجاً للمخدرات أو مهرباً لها.
• أن تكون الجريمة تعاطي الحبوب المخدرة فقط .
• ألا يكون له سوابق في تهريب المخدرات أو ترويجها أو تعاطي الحبوب أو أي سوابق في جرائم أخلاقية لم تردعه عقوباتها.
• ألا تكون تهمته مقترنة بجريمة أخرى أخلاقية.
• ألا تكون تهمته مقترنة بحادث مروري نتج عنه وفاة أو إصابات يترتب عليها حقوق خاصة وعامة.
• ألا يكون ممتهناً للسواقة برخصة عمومية.
• ألا تكون قد صدرت عنه مقاومة للسلطات عند القبض عليه.
وعادة لا تتجاوز مدة الحبس المحكوم بِها على الطالب ثلاثة أشهر أو يعاقب بالجلد خمسين جلدة.