التجارة الإلكترونية الآمنة
سعد بن عبدالله القاسم
محامي ومستشار قانوني

العالم في حركة دائمة؛ والتطور المتلاحق في أنظمة الاتصال والتواصل جعل من الصعب على القوانين الماضية مسايرة نمط حياتنا والحكم والفصل فيها فضلًا عن فض النزاعات؛ الأمر الذي أحالنا تلقائيًا كمجتمعات ودول إلى استحداث أنظمة وقوانين جديدة تتفاعل مع الحاضر وتسدد مواضع القصور والضعف في القوانين القديمة، والنظام التجاري ليس استثنائًا من ذلك، فهو جزء من كل، حيث شهد تطورًا كبيرًا في كافة مستوياته بدءًا من المستوى الإداري مرورًا بالحقوق الإبداعية والشعارات وانتهاءً بنوافذ الشراء والبيع وتبادل المنافع.

لعل التجارة الإلكترونية هي الصورة الأكثر وضوحًا لما نعنيه بالتطور التجاري، فأمور مثل البيع والشراء لم تعد تحتاج إلى ذلك المجهود الكبير الذي كنا نبذله قديمًا من أجلها في التنقل من مكان لآخر، حيث ضغطة زر الآن كافية لتفتح لك أضخم متجر يمكن أن تراه عينك، متجر إلكتروني تستطيع من خلاله بكل سهولة أن تختار السلعة التي تودها، وذلك بعد معاينة تامة لمواصفاتها وشكلها وما تعنيه، ليس هذا فحسب؛ بل التنقل بين سلع متشابهة والتقييم والاختيار من بينها، ثم بعد ذلك يصلك اختيارك حتى باب منزلك دون أدنى عناء.

إنه لشعور رائع أن تأتيك الأشياء وأنت في مكانك; دون انتقال إليها ودون وقت ضائع، لكن أحيانا يخالف التصور الحقيقة، فما تبنيه مواقع التسوق في عقولنا من صورة معينة لمنتج ما قد نجد خلافها على أرض الواقع، الأمر الذي يجعلنا في حيرة من أمرنا ويفرض علينا إلحاحًا داخليًا شديدًا نحو إرجاع المنتج أو تغييره على الأقل، هنا يبرز دور قانون التجارة الإلكترونية في إرساء القواعد وتنظيم الحقوق وحمايتها، حيث ساعد على إحكام قبضة القانون على المعاملات الإلكترونية وحفظ الحقوق وساهم في تحقيق العدالة.

إن أكثر العوائق التي تواجه التجارة الإلكترونية هي فكرة الموثوقية وانتقال المستهلك التقليدي من خانة التسوق الواقعي في متاجره الاعتيادية إلى فكرة التسوق الإلكتروني والاعتماد عليه، حيث يتخوف المستهلك التقليدي دائمًا من فكرة الوقوع في شراك الاحتيال أو النصب، الأمر الذي يؤثر بشكل كامل في تطور هذا الجانب الاستثماري المهم.

لكن أتى قانون التجارة الإلكترونية ليرسم صورة جديدة وخارطة طريق فعالة نحو طمأنة المستهلك، حيث أوجب القانون السعودي على الشركات ضرورة تضمين عناوين مواقعها الإلكترونية في داخل السجل التجاري الخاص بها، وذلك بغرض نشر الهوية الإلكترونية ودفع الشركات في اتجاه استخدام التكنولوجيا، وكذلك تقنين وضعها الإلكتروني والمساهمة التراكمية في بناء قاعدة بيانات موثوقة لدى الجهات المعنية، قاعدة تفيد بكل تأكيد مستقبلًا في نشر المصداقية والحد من عمليات الاحتيال.

كذلك من ضمن المكاسب الرئيسة التي ترافقت مع إصدار قانون التجارة الإلكترونية؛ تشجيع المستهلكين أنفسهم على التسوق الإلكتروني عبر خلق بيئة تسوق آمنة تحفظ عليهم حقوقهم وتقيهم أي احتيال، وبالتالي يترتب على ذلك فائدة اقتصادية واجتماعية جمة تعود على الوطن والمواطن بالخير والنفع.

لكن لدى أحدهم سؤالًا مهمًا، حول ما يمكن اتخاذه من إجراءات في حال تم غشه تجاريًا أو الاحتيال عليه عن طريق مواقع التسوق المختلفة أو عبر أي وسيلة إلكترونية أخرى، الإجراء المناسب في هذه الحالة هما أمران يجب عليك القيام بهما:
الأول: تقديم شكوى مباشرة عن طريق الإنترنت أو عن طريق الاتصال لجمعية حماية المستهلك السعودية، تطالب فيها باسترداد حقك وحمايتك وحماية غيرك من هذا الغش الذي أصاب، مع تضمين ما حدث لك تفصيلًا وتبيان عنوان الموقع الإلكتروني أو الشركة التي قامت بهذا الأمر أو نحو ذلك.

الثاني: هو التأكد من هوية الموقع وهل لديه شهادة معروف أو سجل تجاري أم لا، ويمكنك التأكد من ذلك عبر الدخول على موقع “معروف” والبحث عن المتجر والتأكد من هويته، أو عبر اتباع الخطوات على الموضحة في هذا الموقع، وإذا تأكدت من امتلاكه سجلًا تجاريًا أو امتلاكه شهادة معروف؛ فعليك مباشرة الإبلاغ عنه عن طريق أبشر أو الأمن العام أو كلنا أمن، وإذا تأكدت أنه لا يمتلك سجلا تجاريًا، فعليك تقديم بلاغ تجاري.

وفي حالة ثبوت الغش التجاري فإن العقوبة المتوقعة على الجاني قد تصل إلى الحبس لنحو ثلاث سنوات مع غرامة تصل لمليون ريال، كما تشمل العقوبة التشهير وإيقاف الخدمات، وترحيل العمالة بعد قضائها للمحكوميات.

وفي هذا الإطار لابد أن ألفت النظر إلى أن مجتمعنا السعودي لا يزال محتاجًا لحملات توعية مكبرة حول حقوقه كمستهلك وكيفية التصرف في الحالات المختلفة من الغش التجاري، وهذا الدور بالتأكيد منوط بوزارة التجارة القيام به وكذلك أجهزة الإعلام والصحف المختلفة، وعلى جهة أخرى منوط بنا كمجتمع أن نتبنى مبادرات تهدف لنشر الوعي بهذا الشأن، مبادرات ستساهم حتمًا في كف الأذى عن الناس ووقايتهم الوقوع ضحايا لمثل هذه الجرائم.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت