الإقرار ودوره في الإثبات
زامل شبيب الركاض
يعتبر الإقرار سيد الأدلة، فالإنسان غير متهم فيما يقر به على نفسه لانتفاء التهمة، فهو يعد من أسرع طرق الإثبات من ناحية الفصل في الخصومات، ففيه يقر المقر بثبوت الحق للغير على نفسه وكما لا يجبر إنسان على تقديم دليلاً ضد نفسه فلا يصح الإقرار مع الإكراه سواء كان مادياً أو معنوياً لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وحتى يعتبر الإقرار مشروعاً لا بد أن يكون عن طواعية واختياراً، وبذلك يكون حجة لإثبات الحق وحسم النزاع جنائياً كان أم مدنياً، ودليله قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسم} وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها» والإقرار منه صريح مثل أن يقر شخص بأنه مدين لآخر ومنه ما هو ضمني أو دلالة ولا يثبت الوفاء به إلا بتقديم بينة مثل أن يقر المدين بقضاء الدين للدائن، فهنا تقوم البينة باعتبارها الحد الفاصل لصحة الإقرار بقضاء بالدين أم عدمه.

الإقرار له أربعة أركان مقر ومقر له ومقر به والصيغة، فالمقر به هو محل الإقرار من حق الله وللعبد أو مشترك بينهما، والصفة هي اللفظ الذي يدل به ويقوم مقام الإقرار لفظاً بالإشارة والكتابة والسكوت وغيرها، وحتى يكون الإقرار صحيحاً لا بد من توافر شروطه كالعقل والبلوغ والطواعية، ويقبل اقرار المحجور عليه للسفه في كل ما لا يعد محجوراً عليه فيه شرعاً، كذلك عدم التهمة فالإقرار يعتبر شهادة على النفس، والشهادة ترد بالتهمة.

فالمقر به نوعان، نوع خاص بحقوق الله تعالى والآخر بحقوق العباد فالإقرار بحقوق الله تعالى كحد الزنا والسرقة وشرب الخمر يعد صحيحاً فإذا رجع المقر عن إقراره بموجب الحد قبل إقامته عليه فتدرأ الحدود بالشبهات، وأما حقوق الشخصية كالطلاق والنسب وغيرهما، أما الحق في طلب القصاص أو الدية والتي تعتبر من حدود الله تعالى ولخطورتها ومدى تأثيرها على الفرد الجاني فقد اشترط للإقرار فيها أن يكون بلفظ صريح وأمام القاضي وأن يكون مفصلاً بدقة متناهية لسد باب الشبهات، ففي جريمة الزنا لا بد للمقر فيها أن يقر بفعله للزنا أربعة مرات، فعندما أقر ماعز بارتكابه للزنا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أعرض عنه رسول الله حتى أقر بها أربعاً ثم أمر بإقامة الحد عليه.

والإقرار القضائي هو الإقرار أمام القاضي بالوقائع أثناء سير الدعوى، وأما الإقرار غير القضائي هو ما كان في غير مجلس القضاء ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه فيؤخذ منه الضار به ويترك الصالح له، بل يؤخذ جملة واحدة إلا إذا انصب على وقائع متعددة، مثل الإقرار المكون من واقعتين حصلتا في زمن مختلف كاشتمال الإقرار على الوفاء مع الإقرار بالحق، ويعتبر إقرار الخصم حجة قاصرة عليه، ولا بد من التفريق في الإقرار بين حالتي المرض والصحة فيميز بين مرض الموت الذي يعجز فيه صاحبه عن مزاولة أعماله تماماً، والمرض اليسير الذي لا يمنع صاحبه من ممارسة عمله ولو مات منه فعلاً وفيه يعتبر تصرف المريض كما تصرفه في حال الصحة، ويعتبر نافذاً بذلك، فالإقرار في حالة الصحة يصح للوارث وغيره وينفذ في جميع مال المقر لعدم تعلّق حق الورثة في ماله في حال الصحة. أما الإقرار في النسب فلا بد من توافر شروطه حتى يعتبر قيام النسب صحيحاً، وهي أن يكون المقر به مجهول النسب وأن يكون محتمل الثبوت وأن لا يكذب الظاهر وأن يصدق المقر في إقراره وألا يكون فيه حمل النسب على الغير إلا بالضوابط الشرعية.

ونخلص إلى أن الإقرار هو اخبار شخص بواقعة تثبت مسؤولية مدعى بها عليه ويكون صراحة، ودلالة باللفظ والكتابة ويكون بالإشارة المعهودة من الأخرس ويشترط لصحة الإقرار أن يكون صادراً من إرادة حرة غير معيبة بأحد عيوب الإرادة كالإكراه المعنوي والمادي وألا يكذبه ظاهر الحال ويكون الإقرار حجة قاطعة على المقر إلا إذا اختلت بعض شروط صحته أو كان الإقرار في غير مجلس القضاء فتتبع في إثباته القواعد العامة في البينة.

[email protected]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت