الحق في حرية العقيدة الدينية

المؤلف : كوثر عبد الهادي محمود الجاف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري لعلاقة الدولة بالفرد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

سنعرض لمضمون الحق في حرية العقيدة الدينية وتنظيمه، وذلك في فرعين:

الفرع الأول. مضمون الحق في حرية العقيدة الدينية.

الفرع الثاني. تنظيم الحق في حرية العقيدة الدينية.

الفرع الأول. مضمون الحق في حرية العقيدة الدينية:

وهو من الحقوق التي تتصل بالحالة المعنوية للفرد والتي لا يجبر الإنسان على الإفصاح عنها من خلال مكنون نفسه وما يجيش بها من خلجات قد لا يحب إظهارها او يأنف من ذلك(1).

ويعني هذا الحق ، أن للإنسان الحق بأن يختار الدين الذي يشاء ، وأن يمارس الشعائر المتعلقة به (2). وتنطوي حرية العقيدة الدينية على حريتين وهما: حرية العقيدة ، وحرية ممارسة الشعائر الدينية المتصلة بالعقيدة . وسنعرض لهاتين الحريتين بشئ من التفصيل ، وكما يأتي :

أ-حرية العقيدة: فالعقيدة هي عبارة عن تصور للإنسان يحدد موقعه في الوجود وعلاقته بالكون وبما وراء الكون، وهذا التصور وذلك المفهوم هو مايسمى بالعقيدة(3). والعقيدة سواء كانت دينية ام فلسفية فكرية، هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارة وجميع الأنظمة الاجتماعية الأخرى.(4)وتمثل حرية الاعتقاد لونا من ألوان الحرية التي تتعدد مظاهرها وتطبيقاتها وإذا كانت الحرية، بصفه عامة ، تعني القدرة على التصرف بدون عائق، فأن حرية الاعتقاد الديني تعني قدرة الإنسان في أن يؤمن بما يشاء من معتقدات دينية وفلسفية دون أن يكون لأحد حق الكشف عما يؤمن به في قلبه او عقله .وتصبح ، من ثم ، ملاحقة الإنسان أو تتبع الحقيقة التي يؤمن بها عائقاً يهدد تلك الحرية(5). أذن فالمقصود بحرية العقيدة أن يكون الشخص حراً في اعتناق أي دين أو مبدأ يعتنق به، والعقيدة أمر داخلي ليست له مظاهر خارجية (6). وهي العلاقة بين الفرد وخالقه، وما يؤمن به أو يعتقد فيه، وهي صلة روحية تدخل في نطاق الضمير والسرية، وهي بلاشك خارج نطاق الرقابة او التقييد(7). ومع وضوح هذه الحقيقية ، فقد كانت هناك فترات في التاريخ البشري أعطى بعض الحكام لأنفسهم حق التفتيش عما يدور في عقول المحكومين ثم محاسبتهم بعد ذلك عما يظنونه مخالفاً مع معتقداتهم وآرائهم.

ب-حرية ممارسة الشعائر الدينية: يقصد بحرية ممارسة الشعائر الدينية : ان يتمكن الإنسان من إعلان شعائر ملته ، واظهار طقوس عقيدته ليلا او نهارا ، سرا او جهرا ، وان يتعبّد او لا يتعبّد بدين ، وان يباشر او لا يباشر أي نشاط عقائدي(8). ولا يتنافى مع حرية العبادة ، وحرية العقيدة ، اعتناق الدولة لدين معين بحيث يكون دينا رسميا لها ؟ لان اعتناق الدولة لأحد الأديان يجب الا يؤثر على من يعتنق الأديان الأخرى ، وإلا يحول دون إتباع بعض الناس لأديان مخالفة ، وإلا يمنع من ممارستهم شعائر دينهم ، ما التزموا بحدود النظام العام والآداب العامة(9) فالعبادات هي ممارسة الشعائر الدينية ، وهي مجموعة المناسك او الأفعال او الطقوس الواجب على الأشخاص القيام بها لإعلان طاعة الله(10). وتمثل ممارسة الطقوس الدينية المظهر الايجابي للحرية الدينية الفردية ، وهو الجانب السلبي لحرية العقيدة ، وتعد عبثا نفسيا كبيرا للفرد الذي لا يستطيع التعبير عن عقيدته(11).

الفرع الثاني. تنظيم الحق في حرية العقيدة الدينية:

اولاً. النظم الدستورية:

إن حرية العقيدة لا تحتاج إلى كفالة أو ضمانة ، إذ أن العقيدة محلها القلب ولا يعلم ما في القلب إلا خالقه.أما حرية ممارسة الشعائر الدينية التي تتطلبها العقيدة فتخضع لنوع من النظم القانونية الذي يقيدها بعض القيود حفاظاً على النظام العام (12).

وحرص المشرع الدستوري على تنظيم حرية العقيدة الدينية حيث نص الدستور العراقي لعام 2005 (13). في المادة (40) منه على أن : لكل فرد حرية العقيدة . ونصت المادة ( 35/ ثانياً ) منه على أن : تكفل الدول حماية الفرد من الإكراه الديني …. ونصت المادة (41) منه على أن : أتباع كل دين أو مذهب أحرار في ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية . وإدارة الأوقاف وشؤون مؤسساتها الدينية وينظم ذلك بقانون ونص الدستور المصري لعام 1971 في المادة (46) منه على أن : تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية (14).

ونص الدستور الايطالي لعام 1947 في المادة (19) منه على أن : يحق للجميع المجاهرة بمعتقدهم الديني بحرية وبأي شكل ، فردي او جماعي ، والدعاية له وممارسة شعائره في الحياة الخاصة وعلنا ، شرط أن لا تتنافى طقوسه مع الأداب . ونصت المادة (20) منه على أن : لا يمكن أن يشكل الطابع الكنسي وغاية الدين والعبادة المتضمنة او مؤسسة سببا لغرض قيود قانونية خاصة عليها ولا لغرض آعباء ضريبية على انشائها ، على أهليتها القانونية او على أي نشاطاتها.

واقر الدستور السويسري لعام 1999 حرية العقيدة الدينية ، وخصص المادة (15) منه لحرية الضمير والعقيدة . ونصت على ما يأتي :

1. يكفل الدستور حرية الضمير والعقيدة .

2. لكل شخص الحق في اختيار دينه واعتقاده الفلسفي بحرية وان يجاهر بهما فردياً او جماعياً .

3. لكل شخص الحق في الانتماء الى جماعة دينية او في الاشتراك فيهما او الاستماع للتعليم الديني .

4. لا يجوز ممارسة أي ضغوط على أي شخص للالتحاق بجماعة دينية او الانتماء اليها او ممارسة اية شعائر دينية او الاستماع للتعليم الديني .

أما الإحكام القضائية فقد جاءت لتؤكد حق الإفراد لحريتهم في اختيار الديانة التي يعتنقوها ، او الطائفة او الملة التي ينتمون اليها ، فقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على أن : تغيير الطائفة او الملة وأن كان امراً يتصل بحرية العقيدة ، الاانه عمل ارادي من جانب الحرية الدينية المختصة ، ومن ثم فهو لايتم ولا ينتج آثره بمجرد الطلب اوبداء الرغبة، ولكن بعد الدخول فيها واتمام طقوسها ومظاهرها الخارجية الرسمية او مثل الانضمام الى الطائفة مما مقتضاه أن على الرئيس الديني ان يتحقق قبل قبول الطلب من جديته وأن يستوثق من صدوره عن نية تسليمه كما أن له أن يبطل الانظمام بعد قبوله اذا تبين عدم جديته وأن الشخص لم يستهدف من التغيير الا التحايل على القانون (15) .

واقرت المحكمة الاتحادية السويسرية واجب احترام حرية العقيدة بشأن الطالبة المسلمة من دروس السباحة المختلفة لأنها تخالف الشريعة الإسلامية ، وأخذت المحكمة بما نصت عليها المادة (9) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1950 بشأن حرية العقيدة ولاحظت أن هناك قواعد تنظم شروط الإعفاء من بعض المقررات المدرسية لأسباب دينية(16).

ثانياً. الدستور الدولي المشترك:

نصت المادة (18) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 على أن : لكل شخص حق في حرية الدين، ويشمل هذا الحق حرية في تغيير دينه او معتقده وحريته في إظهار دينه او معتقده والتعبد وإقامة الشعائر او الممارسة بمفرده ومع جماعة وامام الملأ او على حدة (17) . وأبدت الدول العربية والاسلامية تحفظها على هذا النص وبشكل خاص على مسألة تغيير الدين. واشارت المادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عام 1966(18). الى أن :

لكل انسان حق في حرية الدين ويشتمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين او معتقد يختاره ، وحريته في إظهار دينه او معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة بمفرده ، او مع جماعة ، وإمام الملأ او على حدة.
لايجوز تعريض احد لإكراه في شانه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما او بحريته في اعتناق أي دين او معتقد يختاره.
لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه او معتقده إلا للقيود التي تعرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة او الآداب العامة او حقوق الأخرين وحرياتهم الأساسية.
تتعهد الدول الإطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء والأوصياء عند وجودهم في تأمين تربية أولادهم دينياً وخلقياً وفقاً لقناعتهم الخاصة(19).
ونصت المادة (9) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1950 على أن:

لكل أنسان الحق في حرية العقيدة ، هذا الحق يشتمل حريه تغيير الدين او العقيدة ، وحرية اعلان الدين او العقيدة ، بإقامة الشعائر والممارسة والدعاية ، سواء أكان ذلك على انفراد ام بالاجتماع مع الاخرين ، بصفة علنية او في نطاق خاص .
تخضع حرية الانسان في اعلان ديانته وعقيدته فقط للقيود المحددة في القانون والتي تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصالح أمن الجمهور وحماية النظام العام والآداب او لحماية حقوق الآخرين وحريتهم(20).
وعالجت المادة (12) من الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان الصادرة 1969 حرية العقيدة، كما يأتي :

لكل انسان الحق في حرية الدين وهذا الحق يشمل حرية المرء في المحافظة على دينه او معتقداته او تغييرها، وكذلك حرية المرء في المجاهرة بدينه او معتقداته ونشرها سواء بمفرده او مع الأخرين سراً او علانية .
لا يجوز أن يتعرض احد لقيود قد تضيّق حريته في المحافظة على دينه او معتقداته او في تغييرها.
لا تخضع حرية اظهار الدين والمعتقدات إلا للقيود التي يرسمها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة او النظام العام او الصحة العامة او الأخلاق العامة او حقوق الآخرين وحرياتهم.
للأدباء والاوصياء حسبما يكون الحال ، الحق في أن يوفروا لأولادهم او القاصرين الخاضعين لوصايتهم تربية دينية وأخلاقية وفقاً لقناعتهم الخاصة(21).
________________

1- منيب محمد ربيع ،ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط الاداري ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 1981، ص 13 .

2- فالحرية الدينية تقضي ، كما يقول Berthelemy ، بأن لايكون ثمة أي قانون او أي نظام ، او أي تعامل اداري ، متضمناً الالتفات الى نوع الايمان لدى المواطنين.

H.Berthelemy، Traite de droit Administratif ، 13 ، ed ، paris 1933.P.276.

– د. آدمون رباط ، الوسيط في القانون الدستوري العام ، جـ2، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط2، 1971 ، ص215.

3- اصل العقيدة في اللغة مآخوذ من الفعل عقد ، اكد ووشقه ، ومنه الفعل اعتقد، بمعنى صدق، قال اعقد فلان الامر اذا صدقه أي آمن به ، ويفهم من هذا آن العقيدة في اللغة تأتي بمعنيين : الاول : بمعنى الاعتقاد، فهي التصديق والجزم دون شك، آي الايمان. الثاني: العقيدة بمعنى مايجب الاعتقاد به ، اما معنى العقيدة اصطلاحاً : فهي التصور الاسلامي الكلي اليقيني عن الله الخالق ، وعن الكون والانسان والحياة ، عما قيل الحياة الدينا ومابعدها ، وعن العلاقة بين ماقبلها وما بعدها. ينظر بهذا الصدد: د. ابراهيم زيد الكيلاني وزميله ، دراسات في الفكر العربي الاسلامي ،ط1، سنة 1988 ، ص 107 . د. هاني سليمان الطعيمات ، حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، دار الشروق ، عمان ، 2001 ، ص 160.

4- د. . هاني سليمان الطعيمات ، حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، دار الشروق ، عمان ، 2001 ،ص 160.

5- د. عبد المنعم محفوظ ، علاقة الفرد بالسلطة ، الحريات العامة وضمانات ممارستها – دراسة مقارنة ، المجلد الاول والثاني ، ط1 ، بلا دار نشر ، بلا تاريخ .

، ص 114 ، وما بعدها .

6- د. شمس مرغني علي ، القانون الدستوري ، مطبعة دار التأليف ، 1977 ، ص 682.

7- منيب محمد ربيع ، المصدر السابق ،ص 136.

8- د. جمال الدين محمود ، حرية الاعتقاد الديني ، أصل مقرر في الإسلام صحيفة الأهرام،1948 ، العدد 35754 ، ص 15 ، أشار إليه ، د. عبدا لمنعم محفوظ، المصدر سابق، ص115.

9- د. اسماعيل ابراهيم بدوي ، دعائم الحكم في الشريعة والاسلامية والنظم الدستورية المعاصرة، دار النهضة العربية ، 1994 ، ص 134.

10- د. عبدالحكيم حسن العيلي ، الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الاسلام، دراسة مقارنة،دار الفكر العربي ، القاهرة،1983، ص113.

11- د. محمد السعيد عبدالفتاح ، نطاق حق الانسان في حرية العقيدة والعبادة ، كلية الشرطة مجلة مركز البحوث الشرطة ، العدد 25 يناير 2004 ، ص 146.

12- د. ماجد راغب الحلو، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2005 ، ص862 ومابعدها .

13- كفل الدستور المؤقت العراقي لعام 1970 هذا الحق، وجاء بنص المادة( 25) منه على أن: حرية الأديان، المعتقدات وممارسة الشعائر الدينية مكفولة ، على أن لا يتعارض ذلك مع إحكام الدستور والقوانين، وأن لا يتنافى مع الآداب والنظام العام.

وباجراء مقارنة بين ما ورد في دستور 1970 ودستور عام 2005 نلاحظ ان دستور عام 2005 متضمناً مبادئ جديدة لم يرد ذكرها في دستور 1970.

14- ومن الدساتير العربية التي كفلت هذا الحق ، الدستور السوري لعام 1973 في المادة (35) والدستور الجزائري لعام 1996 في المادة (36) ، والدستور البحريني لعام 2002 في المادة (22). والدستور القطري لعام 2003 في المادة (50).

15- الطعن رقم 1316 و 1905 لسنة 34 } 1/4/1989 { : ينظر د. عبد الفتاح مراد ، المصدر السابق ، ص 367 .

16- حكم المحكة الاتحادية السويسرية الصادرة سنة 1993.

Annuaire International de justice constitutional 1996 p.p.857 – 869.

اشار اليه د. احمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، ط2، دار الشروق ، القاهرة ، 2000 هـ 106.

17- د. عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، دار الثقافة، عمان، 1997 ، ص 59.

18- تاريخ بدء النفاذ في 23 آذار / مارس 1976 طبقاً للمادة 49.

19- د. محمود شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الانسان ، المجلد الاول، الوثائق العالمية ، ط1 ، دار الشروق، القاهرة ، 2003 ، ص79.

20- د. محمود شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الانسان ، المجلد الثاني، الوثائق الاسلامية والاقليمية ، ط1، دار الشروق، 2003. ، ص57.

21- د. محمود شريف بسيوني ، الوثائق الاسلامية والاقليمية ، المصدر السابق ، ص 191.