كيفية حماية الحقوق السياسية للناخب العراقي – مقال قانوني

مقال حول: كيفية حماية الحقوق السياسية للناخب العراقي – مقال قانوني

حماية الحقوق السياسية للناخب العراقي في ضوء قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 99، 104، 106/ 2018 ((حق التصويت والانتخاب والترشح أنموذجا))

القاضي سالم روضان الموسوي
إن الحقوق السياسية هي جزء من حقوق الإنسان التي تهدف إلى حماية الأفراد من الأخطار التي تهدد مصالحهم وكيانهم وأمنهم الشخصي والجمعي ويرى احد الكتاب[1] إن هذه الأخطار عادة تنجم من إهمال الحكومات أو تعمدها ارتكاب الفعل الذي يشكل الخطر على مصالح الشعب، وهذا أدى إلى اعتبار فكرة حقوق الإنسان فكرة شاملة وعالمية ومن المشترك الإنساني للجميع دون تمييز وأخذت بُعدها الدولي والعالمي من خلال شرعة حقوق الإنسان الدولية المتضمنة المواثيق والعهود والاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان، اما الحقوق السياسية قد أشار لها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (21) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة (25) وتعرف هذه الحقوق بأنها (سلطات تقررها فروع القانون العام للشخص باعتباره منتم إلى وطن معين (مواطن)، والتي يستطيع بواسطتها أن يباشر أعمالا معينة يشترك بها في إدارة شؤون المجتمع:

مثل حق الانتخاب وحق الترشيح وحق تولي الوظائف العامة)[2] إلا أن هذه الحقوق لم تتبلور بالشكل الذي عليه الآن إلا بعد نضال شعبي وأممي مرير قدمت من اجله التضحيات الجسام وكانت المناضلة من اجل تلك الحقوق هي الشعوب والخصم العنيد لها هم الحكام والسلاطين، لذلك كان لابد من وجود ضمانات لحماية التي الحقوق التي نالتها الشعوب من محاولة الاعتداء عليها أو خرقها مرة أخرى من قبل سلطات الحكم الدكتاتوري أو الشامل فالقانون لم يعد يعبّرعن الإرادة العامة والسيادة مباشرة،كونه نتاج البرلمان،ممثلا لشعب،إلا إذا جاء متطابقاً والدستور الذي يعبر عن الإرادة العامة والسيادة مباشرة ، ويأتي في رأس تراتبية القواعد والنصوص ،فهو القانون الأسمى في الدولة والضمانة الدستورية للحقوق أصبحت أهم من الضمانة القانونية ،وصونها باترهناً بالقضا ءالدستوري ولاقيمة ،لأي حق معترف به ومضمون دستورياً، إلا بقدر ما يستطيع المواطن التمتع به، ويقول القاضي مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بان الحكم في هذا العصر, هو حكم القانون. إلا أن التجارب دلت أن ليس ثمة ضمانة لكي تأتي القوانين التي يسنها البرلمان متطابقة والنصوص الدستورية الضامنة للحقوق والحريات[3].

إذ من الممكن الالتفاف على تلك الضمانات في عمليةالتشريع, وأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يشكل بمفرده الضمانة التي حددها الدستور للحريات والحقوق. لذلكلابدمنسياساتتؤديإلىتحقيقالشروطالمادية للتمتعبالحقوق[4] والدستور العراقي النافذ الصادر عام 2005 قد افرد باب للحقوق التي تعد من الحقوق الأساسية لأي إنسان وفي المادة (20) أشار بصريح العبارة إلى حق الإنسان العراقي في التصويت والانتخاب والترشيح وعلى وفق النص الآتي (للمواطنين رجالاً ونساءً،حق المشاركة في الشؤون العامة،والتمتع بالحقوق السياسية،بما فيهاحق التصويت والانتخاب والترشيح) وأصبحت هذه الحقوق من أهم واجبات الدولة العراقية بكافة سلطاتها ومؤسساتها والعمل على توفيرها للمواطن وصيانتها وحمايتها من أي خرق ويعرف الحق في التصويت أو الاقتراع بأنه حق المواطن و الفرد في المشاركة في الانتخابات واختيار من يمثله في المجالس النيابية ويعتبر حق التصويت وسيلة تتبع لأخذ رأي قطاع معين من الناس في أمر ما أو اتخاذ قرار، وعادة ما يكون مسبوقاً بالحملات الانتخابية، ويوجد عادة في الدول الديمقراطية والجمهوريات، كما أنه مرتبط بمصطلح آخر وهو المواطنة، وهي امتلاك الشخص مزايا أو قدرات معينة تؤهله للممارسة السياسية، ومنها حق الانتخاب[5] ، وبما إن المبادئ الدستورية لابد من وجود نصوص تشريعية تصدر بموجبها لتفصيلها ولضمان تمتع المواطن أو الفرد في ممارسة هذه الحقوق فان في العراق مثل سائر البلدان يتولى فيه مجلس النواب سلطة التشريع الحصرية وانه اصدر عدة قوانين تتعلق بحق التصويت والانتخابات والترشيح التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 المعدل حيث جاء في نص المادة (3) من قانون التعديل النص الآتي (باستثناء أصوات الأقليات المشمولة بنظام “الكوتا” تلغى نتائج انتخابات الخارج لجميع المحافظات وانتخابات الحركة السكانية لمحافظات “الانبار، صلاح الدين، نينوى، ديالى” و انتخابات النازحين قي المخيمات و انتخابات التصويت المشروط و انتخابات التصويت الخاص في إقليم كردستان( وهذا النص قد ألغى نتائج الانتخابات في بعض المدن والإلغاء هو إلغاء لأصوات الناخبين لان النتائج هي مجموع الأصوات التي أدلى بها الناخبون وبذلك فان نص المادة أعلاه قد خرق أهم مبدأ دستوري يتعلق بالحقوق السياسية للمواطن والفرد العراقي وعندما تم الطعن فيه أمام المحكمة الاتحادية العليا فإنها تصدت لهذا الخرق ومارست مهمتها الأساسية لأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين تدخل في صميم العمل القضائي والمحكمة الاتحادية العليا لا تتعدى على عمل السلطة التشريعية وإنما تباشر مهامها بالمفاضلة بين نصين متعارضين الأول القانون والثاني الدستور ومن ثم تقضي بتطبيق النص الدستوري واستبعاد النص القانوني[6]

وهذا ما قضت به المحكمة الاتحادية العليا في قرارها العدد 99، 104، 106/اتحادية/2018 في 21/6/2018 حيث جاء في الفقرة الحكمية عدم دستورية نص المادة (3) من قانون التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 وإلغائها واعتمدت المحكمة بتسبيبها للحكم بعد الدستورية الى ان ذلك النص القانوني الطعين قد خالف نص المواد (14) من الدستور التي أقرت مبدأ المساواة لان حرمان عدد من الأشخاص من ممارسة حقهم في التصويت عبر إلغاء أصواتهم في عدم مساواة مع أقرانهم الذين قاموا بالتصويت، كذلك مخالفة نص المادة (20) من الدستور التي أقرت مبدأ حق المواطن في التصويت والانتخاب والترشيح ومخالفة نص المادة (38/أولا) التي تكفل حرية التعبير لان التصويت هو وسيلة للتعبير عن أرادة الناخب، فضلا عن الأسباب الأخرى الواردة في حيثيات الحكم القضائي الدستوري أعلاه، حيث أشار الحكم إلى إن إلغاء الأصوات دون تمييز بين الأصوات الصحيحة والباطلة يعد أمر غير دستوري ويشكل ذلك الإلغاء هدرا لهذه الأصوات ومصادرة لإرادة الناخبين ، لكن قد يرى البعض ان ما قام به مجلس النواب باعتباره سلطة تشريعية وهو الذي يشرع القوانين حصرا وان له الصلاحية في ذلك على وفق مفهوم الخيار التشريعي الذي كان للمحكمة الاتحادية العليا أكثر من قرار أقرت فيه لمجلس النواب سلطة التشريع وفق خياراته التشريعية، إلا أن هذا القول يجانب الصواب، لان الخيار التشريعي لمجلس النواب هو صورة من صور السلطة التقديرية التي يتمتع بها المجلس، إلا انه يمتاز بكونه يمثل خيارات متاحة لحول وبدائل عدة تطرح أمام المشرع لكنه مقيد بعدة قيود منها منع المشرع من سن أي قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وهذا يعد قيد دائم لأنه غير محدد بزمن وإنما قائم طالما النص الدستوري قائم، فإذا حاول المشرع إن يشرع قانون خلاف ما ورد في ذلك النص فانه سيكون عرضه للطعن بعدم دستوريته وتعطيل أحكامه من المحكمة الاتحادية العليا وبذلك فانه لا يملك اي خيار تشريعي تجاه إلغاء أصوات الناخبين او حرمانهم من هذا الحق الدستوري، والمحكمة الاتحادية حينما قضت بعدم دستورية المادة محل الطعن لم تكتفِ بذلك

وإنما وجهت مجلس النواب باتخاذ ما يلزم لسد النقص التشريعي بنصٍ بديل يوازن بين الحق الدستوري للناخب وبين سلامة العملية الانتخابية ونزاهة التصويت وهذا الأمر هو ما عملت به معظم المجالس والمحاكم الدستورية في العالم ومنها المجلس الدستوري الفرنسي الذي يعد من المجالس الدستورية الرصينة في العالم الذي تأسس عام 1958 حيث كان قد قضى بقراره العدد 2010-14/22 QPC في 30 تموز 2010 بعدم دستورية نص في قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسي حول التوقيف على ذمة التحقيق واعتبره يتنافى مع المبادئ الدستورية وألزم الجمعية الوطنية التي هي البرلمان الفرنسي بإيجاد تشريع بديل عن هذه المواد يوازن بين حق السلطات في الحفاظ على الامن العام وملاحقة مرتكبي الأفعال المخالفة وبين الحق في ممارسة الحريات كذلك ما أصدره ذات المجلس يوم 5/7/2018 الذي قضى بعدم دستورية نص مادة في قانون إقامة الأجانب كانت تعتبر من يقدم المساعدة الى المهاجرين والمقيمين في فرنسا بشكل غير قانون بان هذه المساعدة بمثابة جنحة ويعاقب عليها بالحبس لمدة خمس سنوات واعتبرها المجلس المذكور غير دستورية لانها تتعارض مع مبدأ الأخوة الذي هو جزء من شعار الجمهورية الفرنسية (مساواة ، حرية، أخوة)

وقضت بإلزام الجمعية الوطنية بإيجاد نص بديل يحفظ التوازن بين إجراءات حفظ الأمن العام وبين ممارسة مبدأ الأخوة ومن صوره تقديم المساعدة إلى المهاجرين حتى وان كانوا قد دخلوا البلاد بشكل غير قانوني، لذلك فان المحكمة الاتحادية العليا في العراق كان لها أكثر من موقف أعربت فيه عن وجوب احترام الحقوق والحريات التي اقرها الدستور العراقي، وكانت تشكل صمام أمان للجميع وملاذ يطمئن إليه الجميع ليس لأنها مشكلة بموجب الدستور فحسب بل لانها توفر القناعة لدى الجميع بان حكمها يعبر عن اجتهاد قضائي صادر بموجب قراءة واستنتاج للمبادئ الدستورية باليات العمل القضائي الذي يتسم بالحياد والنزاهة والاستقلال ولان معالي رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي مدحت المحمود وسائر الأعضاء الأفاضل على قدر عالي من المسؤولية والحكمة والتجربة القضائية الطويلة الذين أسهموا بوجود قضاء دستوري عراقي له سمات خاصة تتناسب وطبيعة نظام الحكم في العراق وينطلق من استقلاله التام وحياده وموضوعيته تجاه القضايا التي نظر فيها وبذلك فان المحكمة الاتحادية العليا قدمت لنا إضافة جديدة في سفرها المجيد في صيانة الحقوق وحفظها من اي اعتداء يعطلها او ينتقص منها.

[1] للمزيد انظر الكاتب الامريكي شارلز بيتر ـ فكرة حقوق الانسيان منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في الكويت عام 2015

[2] موسوعة ويكبيديا https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

[3] القاضي مدحت المحمود ـ العدالة الدستورية ـ مقال منشور في الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 7/7/2018 https://www.iraqfsc.iq/news.4135/

[4] الدكتور عصام سليمان ـ الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية من منظور دستوري ـ دراسة نشرت في الكتاب السنوي الصادر عن المجلس الدستوري اللبناني المجلد الرابع لسنة 2009 – 2010 ـ ص403

[5] موسوعة ويكبيديا ـ مرجع سابق

[6]الدكتور عبدالعزيز محمد سالمان ـ رقابة دستورية القوانين ـ منشورات دار الفكر العربي في القاهرة ـ الطبعة الأولى عام 1995ـ ص74

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.