الألعاب النارية وحماية الطفل
خالد بن محمد العنقري

تعتبر الألعاب النارية والمفرقعات من الألعاب الخطرة والمحظورة بيعا واستيرادا في أكثر البلدان العربية، وينحصر استخدامها في المحافل الرسمية فقط تحت إشراف المختصين، ما جعل دخولها تلك البلاد مقتصرا على الطرق غير المشروعة، ما يعني عدم خضوعها للمواصفات القياسية العالمية، إضافة إلى سوء النقل والتخزين، كما أن المعامل التي تقوم بتصنيعها في تلك البلدان تعمل بشكل غير قانوني، ومن ثم فإنها تفتقر إلى قواعد الأمن والسلامة، كما أن تلك المعامل ليست محلا للمساءلة القانونية حول عيوب التصنيع، ما جعل الخطورة أكبر والبلاء أعظم. وقد أشار تقرير منظمة العمل الدولية عن مصرع عدد كبير من الأطفال في الصين عام 2003 عندما كانوا يصنعون الألعاب النارية؛ لذا وضعت الحكومة الصينية إجراءات صارمة لتقييد إنتاج الألعاب النارية.

الألعاب النارية هي تلك الألعاب المصدرة للأضواء، والمفرقعات هي المصدرة للأصوات، وكلاهما يصنع عن طريق المواد الكيماوية، ولكل منهما خطره على الأذن والعين والجلد، علاوة على الإصابات الناتجة عن الانفجار، وبحسب إحصائية مستشفى العيون في فلسطين في غزة وحدها مع ما تعانيه من فقر وحصار، فإن عدد الأطفال المصابين عام 1424هـ بلغ 119 طفلا في شهر رمضان وعيد الفطر فقط. وفي كل عيد نسمع عن فاجعة هدمت فرحة أسرة، وتسببت في مقتل طفل أو إصابته إصابة بالغة، ولعل زيارة خاطفة لمستشفى الملك خالد للعيون ومشاهدة صور الأطفال الذين فقدوا أعينهم كفيل بتحديد حجم المأساة وأبعاد المشكلة. إن لكل مرحلة عمرية ألعابها، وإظهار الفرح لا يعني المغامرة بالأطفال في مثل هذه الألعاب.

ففي الحديث “كلكم راع ومسؤول عن رعيته…”، كما أن العطف والحنان لا يعني الضعف أمام رغبات الطفل الذي لا يعي حجم الأخطار المحيطة به، ما جعل الوصاية عليه واجبة في حق والديه ومن يرعاه. إن الوعي القانوني والدور المنوط بالجهات ذات العلاقة بالدولة وكذلك الجمعيات الخاصة سواء القانونية أو جمعيات الأطفال- له أثر كبير في حماية الطفل وتوعية المجتمع، ومع أن السعودية مرتبطة باتفاقيات دولية حول الأطفال، فقد سَنَّت نظام حماية الطفل الصادر في 4/2/1436هـ، الذي يُجَرِّم إيذاء الأطفال أو إهمالهم.

نُصَّ في المادة الثالثة من النظام في الفقرة الخامسة على أن كل ما يهدد سلامة وصحة الطفل الجسدية أو النفسية يعد إيذاء أو إهمالا، ولا شك أن هذه الألعاب مما يهدد سلامة الطفل، كما أوجب النظام في مادته السادسة حماية الطفل من كل أشكال الإيذاء والإهمال، وأوكل ذلك في المادة الـ 18 للجهات ذات العلاقة عن طريق اتخاذ جميع التدابير المناسبة لتأمين الطفل من الإصابات الناتجة عن حوادث المركبات وغيرها, كما أوكل التحقيق في هذه الممارسات لهيئة التحقيق والادعاء العام وإقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة.

لا يخفى مدى أهمية ما تقوم به الجهات ذات العلاقة من ملاحقة مروجي هذه الألعاب وإتلافها، وكذلك نشر الوعي بأخطارها لا يقل أهمية عن ذلك، إلا أن تفعيل نصوص نظام حماية الطفل من الأهمية بمكان، وقد جاء في الأثر “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”.

إن حماية هذا المخلوق الضعيف لا تعني سن النظام فحسب، ولا تحديد الآليات فقط، بل تحتاج إلى وعي قانوني في المجتمع بأسره، وأن يشغل هذا الأمر هاجس الجميع، فالطفل قد يحاط بغير الأكفاء والمستهترين والمصابين بأمراض نفسية، واكتشاف ذلك ليس من السهولة بمكان، وقد يكون الخطأ مهددا لحياته أو زوال منفعة من جسده، ولن يتحقق ذلك إلا بتضافر الجهود من المدرسة والشارع والمستشفى وإنشاء الجمعيات الخيرية لحمايتهم والمطالبة بحقوقهم، وقيام الجهات القانونية بدورها المنوط بها، ونكاد نتفق على أن تحريك أكثر قضايا الإيذاء والإهمال بحق الأطفال في العالم قد بدأت من المدرسة أو المستشفى أو الشارع، وهي نتاج الوعي الحقوقي وحياة الضمير. ما تجدر الإشارة إليه هنا أن نظام حماية الطفل قد راعى حساسية القضية، فلم يجعل العقوبة محددة، بل ترك للمحكمة تقرير ما تراه، التي قد تكون باللوم والإنذار، وقد تكون بالمساءلة المدنية أو الجنائية، ولكل حادثة ظروفها وملابساتها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت