المؤلف : سلطان الشاوي
الكتاب أو المصدر : اصول التحقيق الاجرامي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شهادة المسنين
ان القول بأن (الشيخوخة طفولة ثانية) ينطوي على جانب كبير من الصحة فقد ثبت علميا انه كلما تقدم الانسان في العمر كلما تعرض لحالة من الضعف والتدهور التدريجي بحيث لا يشمل جسمه فقط بل حواسه وقواه العقلية ايضا، ان الحواس باعتبارها الأداة الرئيسية في إدراك العالم نجدها تضعف عند المسنين بشكل ملحوظ وخاصة حاستي البصر والسمع وبالتالي نجده لا يدرك المرئيات والسمعيات على حقيقتها، وهذا من شأنه ان يقوم الى الخطأ في الشهادة.

أما قدرة المسن على الانتباه فهي ضعيفة ايضا؛ لأنه يعيش في ماضيه مجترا ذكرياته البعيدة التي يحقق في احداثها ذاته وشخصه وكيانه وهذا بالطبع يمنعه من ان يركز انتباهه في موضوع معين لفترة مناسبة ومعلوم بأن الانتباه من أهم عناصر اكتساب العالم الخارجي، اذ بدونه لا يمكن التعرف على الوقائع بصورة صحيحة. أما فيما يتعلق بالذاكرة فإنها هي الاخرى تتأثر بالشيخوخة تأثراً كبيراً ان للذكريات بالنسبة للمسن تنسى بترتيب عكسي بالنسبة لظهورها. اي ان المسن ينسى ما مر به بالامس من الوقائع الحديثة بينما يتذكر جيدا الحوادث البعيدة جداً، إنه يعيش في ذكرياته الماضية، ولما كانت الشهادة تنصب على وقائع وقعت حديثا فإن النسيان يبدو واضحا بالنسبة لهذا النوع من الشهود. ونتيجة لهذا الضعف والوهن والتدهور في الكفاية العقلية لدى الشيوخ والمسنين فإنهم يكونون مهيئين للإيحاء بأفكار الغير وأفكارهم الخاصة واتجاهاتهم القديمة وينتج عن ذلك كله بأن شهاداتهم تكون على قدر غير كاف من الدقة والشمول (1).
______________
1-انظر أحمد محمد خليفة، المرجع السابق، ص35-36، سعد المغربي المرجع السابق، ص90.

شهادة الأطفال

ان أغلب القوانين النفسية التي تحكم وتنظم الشهادة بالنسبة للكبار تفقد الى حد كبير قيمتها ومعناها عندما يكون الشاهد صغير (1).وذلك للأسباب الآتية :
1-يتمتع الطفل بقابلية محدودة للملاحظة والإدراك والذاكرة والتعبير.
2-يخلط الطفل في أحيان كثيرة بين دلالات الحواس المختلفة (2).
3-يعوز الطفل الوعي بأهمية الشهادة وما يترتب عليه امن نتائج ولذلك لا نجده يقوم باتخاذ الحذر المطلوب عند أداء الشهادة.
4-تختلف شهادة الطفل باختلاف شخصية من يقوم باستجوابه.
5-يتمتع الطفل بقابلية واسعة للخيال، فليس لديه حد دقيق وفاصل بين الحقيقة والاخيلة بل يجد سهولة في الانتقال بين الحقيقة والخيال الى درجة فقدان الحدود بينهما، وخاصة اذا تعلقت الشهادة بموضوعات خطيرة وذات جاذبية تستهوي فضوله وخياله مثل المسائل المتعلقة بالقتل او الامور الجنسية اذ انها تستنفر خياله.
فإذا طلب منه ان يتذكر شيئا من هذه الموضوعات ووجد نفسه لا يستطيع ان يتذكره فإننا نجده غالبا ما يملأ هذه الفجوة في ذاكرته بالخيال، ولا يخفى مدى النتائج الخطرة وغير المتوقعة التي تترب على ذلك.
6-يتعرض الطفل للإيحاء بشكل كبير؛ لأنه مخلوق ضعيف جسميا وعقليا وهذا ما يجعله غير ناضج من الناحية الانفعالية والاجتماعية فاذا وقع الطفل تحت تأثير ايحاء الكبار وخاصة اذا كانت مواقف الايحاء تنطوي على التهديد والتخويف فانه يتأثر بكل ما يوحى اليه(3).

واذا اراد المحقق ان يحصل من الطفل على شهادة اقرب الى الحقيقة، عليه ان يهيئ الظروف الملائمة ويكون ذلك بالحرص على تهيئة جو بسيط خال من التعقيد جهد الامكان. وقبل ان يدخل المحقق في صلب موضوع الشهادة عليه ان يمهد لذلك عن طريق اشاعة جو الطمأنينة والثقة بالنفس. فيبدأ بسؤاله مثلا عن أمور خاصة به كمدرسته وألعابه وأصدقائه ثم يتطرق بعدئذ الى موضوع الشهادة في لباقة ومهارة، ان هذا الاسلوب يدفع الطفل غالبا لأن يتعاون مع المحقق ويدلي بأحسن ما عنده من المعلومات، ومع هذا فإن اتهاماً لا يؤيده سوى أقوال الطفل يجب ان يكون موضع شك كبير.
________________
1-انظر. F.Ferracuti، op. cit، P.114.
2-قد يعتقد بأنه قد رأى شيئا معينا بينما يكون في الحقيقة قد سمع او قرأ عنه فقط، انظر احمد محمد خليفة، المرجع السابق، ص34، سعد المغربي، المرجع السابق، ص89.
3-اجرى احد العلماء تجربة على بعض الاطفال وعددهم ثمان وأربعون بأن وضع بينهم قطعة نقود ذهبية وطلب منهم ملاحظتها، ثم رفعها وسألهم (انكم لاحظتهم جميعا بلا شك الثقب الموجود بقطعة النقود فأيكم يستطيع ان يحدد لي مكان هذا الثقب؟) والواقع انه لم يكن هناك ثقب، ومع ذلك فإن واحدا منهم فقط قد صرح بأنه ليس هناك ثقب، واثنين ترددوا وأما الباقون فقد حدد كل منهم الثقب كما يخل إليه بل إن منهم من حدد مكاني ثقبين، انظر أحمد محمد خليفة، المرجع السابق، ص32.