كل ما تود معرفته عن أنواع الأحكام الجزائية في القانون الجزائري

تختلف الأحكام الجزائية الصادرة عن الجهات القضائية سواء كانت المحكمة بمختلف أقسامها (المخالفات، الجنح، الأحداث) أو المجلس القضائي (الغرفة الجزائية، غرفة الأحداث، محكمة الجنايات) من حيث صدورها بالنسبة للمتهم (حضورية، غيابية، حضورية اعتبارية) ومدى قابليتها للطعن بالمعارضة. وكذا تختلف من حيث كونها فاصلة في الموضوع أو سابقة على ذلك، ومن حيث قابليتها للطعن فيها (ابتدائية، نهائية، وباته). ولمعرفة الأحكام الواجبة التنفيذ كان لزاما علينا التطرق أولا إلى هذه الأنواع المختلفة

أنواع الأحكام الجزائية

أولا:من حيث حضور المتهم وغيابه:

تنقسم إلى أحكام حضورية وغيابية، وحضورية اعتبارية كذا الأحكام الغيابية بالتكرار(1)

*فالحكم الحضوري: هو الحكم الذي يكون فيه المتهم ماثلا بشخصه أمام القاضي عند النطق بالحكم الجزائي، سواء في نفس جلسة المحاكمة أو بعد المداولة، وفي حالة تخلف المتهم ساعة النطق بالحكم رغم حضوره جلسة المرافعات وتم استجوابه، فيصدرالحكم حضوري غير وجاهي، وهو ما يستشف من استقراء المادة 355/3 من قانون الإجراءات الجزائية.

*الحكم الحضوري اعتباري: اعتبر القانون بعض الأحكام التي تصدر- في الحقيقة والواقع- في غيبة المتهم أحكاما حضورية بهدف درأ التسويف في نظر الدعوى، والتقليل من مساوئ المعارضة. فكأن هذه الأحكام مبناها حيلة قانونية مصدرها مخالفة القانون للواقع(2) وتكون كذلك في الأحوال التالية:

-إذا تخلف المتهم عن حضور جلسة المحاكمة دون عذر مقبول رغم تبليغه بالتكليف بالحضور شخصيا (المادة 345 ق.إ.ج)(3).

(1)ع.حاجي: محاضرة حول تبليغ الأحكام والقرارات الجزائية: الإيام الدراسية حول تنفيذ العقوبات من28 إلى30 جويلية2002، 418 ق.ا.ج

(2)د.جلال ثروت: نظم الإجراءات الجزائية، دار الجامعة الجديدة للنشر1997 ص 595.

(3)قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 13 فبراير 1990 في الطعن رقم 61392 غرفة الجنح والمخالفات المجلة القضائية العدد 3 لسنة 1992 ص 227.

-إذا ما كان المتهم في إحدى الحالات التي أوردتها المادة 347 ق.إ.ج ورغم أن الحكم يصدر حضوريا حسب نص المادة إلا أنه وجب تبليغه طبقا لنص المادة 418/2 ق.إ.ج.

-إذا حضر وكيل عنه في الأحوال التي يجيزها القانون(1).

-في الأحوال المنصوص عليها في المادة 350 ق.إ.ج.

*الحكم الغيابي: هو الحكم الذي يصدر في غيبة المتهم وتبين أنه لا يوجد بالملف ما يفيد ويثبت أن المتهم قد توصل بالتكليف بالحضور أو علم بذلك.

وتتجلى أهمية التفرقة بين الحكم الحضوري والحكم الغيابي من حيث قبوله الطعن فيه بالمعارضة، إذ الحكم الغيابي قابل للطعن بالمعارضة خلال 10 أيام من تاريخ التبليغ في حين الحكم الحضوري قابل للطعن فيه بالإستئناف دون المعارضة. أما التفرقة بين الحكم الحضوري والحكم حضوري اعتباري أو غير وجاهي فتظهر أهميتها في كون الأخير تسري مواعيد استئنافه من تاريخ تبليغه للمحكوم عليه بإحدى الطرق المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 418 ق.إ.ج بخلاف الحكم الحضوري الذي تسري مواعيده من يوم النطق به.

ثانيا:الأحكام الفاصلة في الموضوع والسابقة على الفصل فيه:

الأحكام الفاصلة في الموضوع هي التي تقضي في التهمة المنسوبة إلى المتهم بالإدانة سواء كان بالحبس أو الغرامة أو كلاهما معا، مع وقف التنفيذ أو نافذة، بعقوبة الإعدام أو السجن أو الحبس، أو بالبراءة، وكذا الأحكام التي تقضي بانقضاء الدعوى العمومية(2)،والحكم باعتبار المعارضةكأن لم تكن والذي يكون في حالة عدم حضور المتهم الجلسة التي تنظر فيها معارضته التي سجلها بعد تبليغه بحكم غيابي صادر ضده (413/3 ق.إ.ج).

أما الأحكام السابقة على الفصل في الموضوع فلا تفصل في موضوع التهمة المنسوبة للمتهم سواء كانت قد أنهت الخصومة كالحكم بعدم الاختصاص أو لم تنهها، وفي هذه الحالة يميز الفقه بين أربعة أنواع من الأحكام:

-الحكم التحضيري: الذي يهدف إلى اتخاذ إجراء لازم لتحضير نظر الدعوى دون أن يشف عن اتجاه رأي المحكمة، ودون أن تولد أية حقوق لأحد أطرافه، ولا تتقيد به المحكمة فلهاالعدول عنه إذا رأت مقتض لذلك، ومن أمثلته الحكم بإجراء تحقيق تكميلي(3).

(1)المادة 348 ق.إ.ج تجيز مثول المتهم بواسطة محاميه إذا كانت المرافعة لا تنصب إلا على الحقوق المدنية فيكون هنا الحكم حضوري اعتباري بالنسبة للمتهم.

(2)المادة 6 ق.إ.ج تنص” تنقضي الدعوى العمومية الرامية إلى تطبيق العقوبة بوفاة المتهم، وبالتقادم، والعفو الشامل وبإلغاء قانون العقوبات، وبصدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي.

(3) المادة 356 من قانون 01-08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 المعدل لـ قانون الإجراءات الجزائية.

-الحكم الوقتي: هو الذي يفصل في طلب وقتي ويكون الغرض منه الأمر بإجراء تحفظي أو تحديد مركز الخصوم بالنسبة لموضوع النزاع تحديدا مؤقتا إلى أن يتم الفصل في الخصومة بحكم يصدر في موضوعها(1)ومثاله الحكم بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس رهن الحبس المؤقت.

-الحكم التمهيدي: الذي يصدر باتخاذ إجراءات معينة يتوقف عليها مباشرة الحكم في الموضوع، ويشف عن اتجاه رأي المحكمة في الموضوع كالحكم بانتداب طبيب شرعي لتحديد سبب الوفاة ومقارنته بما اعترف به المتهم.

-الحكم القطعي: يفصل في موضوع مسألة أولية ومن أمثلته الحكم بعدم الإختصاص.

ثالثا:الأحكام الإبتدائية والنهائية والباتة:

الحكم الإبتدائي هو الحكم الصادر من محكمة أول درجة سواء كان من قسم الجنح أو المخالفات أو الأحداث وتكون قابلة للطعن فيها بالإستئناف، أما الحكم النهائي فيصدر من جهة الإستئناف الغرفة الجزائية بالمجلس القضائي أو الحكم الصادر من محكمة الجنايات، وقد يكون حكما صادرا من الدرجة الأولى واكتسب صفة النهائية لفوات مواعيد الطعن العادية وعدم ممارستها أو أنه صدر من الدرجة الأولى قسم المخالفات في حدود ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 416 ق.إ.ج وهذا النوع من الأحكام يجوز حجية الشيء المقضي فيه.إذا كان فاصلا في الموضوع كما سبق وأن ذكرناه، بحيث لا يجوز متابعة المحكوم عليه مرة أخرى على نفس الوقائع المحكوم بها عليه، والحكم البات هو الحكم الذي استنفذ طرق الطعن العادية وغير العادية إما بممارستها أو فوات أجلها فلا يجوز فقط حجية الشيء المقضي فيه وإنما قوة الشيء المقضي فيه.

الفرع الثاني : التنفيذ لا يكون إلا عندما يصبح الحكم باتا

تنص المادة 8 من الأمر 72-02 المتعلق بتنظيم السجون وإعادة تربية المساجين على أنه “لا تنفذ الأحكام الجزائية ما لم تكتسب الدرجة النهائية…”بمعنى أن المشرع حصر الأحكام الجزائية الواجبة التنفيذ في الأحكام النهائية فقط، غير أن الحكم النهائي غير كاف ليكون قابلا للتنفيذ، لأن الحكم يصبح نهائيا بانقضاء ميعاد المعارضة والإستئناف دون رفعهما أو الحكم فيهما إذا رفعا، أو صدر الحكم كذك، فرغم أنه فصل في النقطة محل النزاع وبصدوره يصبح القاضي متخل عن القضية ولا يجوز عرض نفس القضية عليه لمعالجتها مرة أخرى وإلا حكم بسبق الفصل، إلا أنه لا يكون قابلا للتنفيذ لأنه مازال يقبل الطعن بالنقض وهذا الأخير يوقف التنفيذ حتى في خلال ميعاد رفعه ولو لم يرفع طبقا للمادة 499 من ق.إ.ج، وبذلك نرى أن المشرع قد أخطأ ولم يوفق في إستعماله لفظ “النهائية” وكان الأجدر به أن يستعمل لفظ “بات” لأن الحكم البات هو الحكم الذي استنفذ كل طرق الطعن العادية وغير العادية ويحوز قوة الشيء المقضي فيه هذا من جهـة ومن جهة أخرى نجد بعض الأحكـام تنفذ

(1) د. جلال ثروت: المرجع السابق ص 621.

مباشرة بعد صدورها دونانتظار انقضاء مواعيد الاستئناف وحتى ولو استأنف أحد أطرافالدعوى العمومية (النيابة،الطرف المدني، وحتى المتهم). كما هو الحال في نص المادة 365 ق.إ.ج وكذا المادة 499/2،3 ق.إ.ج عندما يقضي الحكم بالبراءة أو الإعفاء من العقوبة أو الحكم بالحبس مع إيقاف التنفيذ أو بالغرامة، أو الحكم بعقوبة الحبس مدتها أقل أو تساوي مدة الحبس المؤقت التي قضاها المحكوم عليه. ففي هذه الحالات ينفذ الحكم الجزائي مباشرة بعد صدور الحكم ويخلى سبيل المتهم الموقوف بموجب صحيفة الجلسة التي يحررها أمين ضبط الجلسة، ويؤشر عليها وكيل الجمهورية وهذا استثناء بنص صريح من القاعدة العامة الواردة في المادة 425 ق.إ.ج التي مفادها أن تنفيذ الحكم يوقف أثناء مهل الاستئناف وأثناء دعوى الاستئناف، وبمعنى آخر استثناء من أن الحكم لا ينفذ إلا إذا كان باتا.

وبناء على ما سبق يمكن القول أنه كان على المشرع الجزائري في هذا المجال أن ينص على: “لا تنفذ الأحكام الجزائية ما لم تكن باتة مالم ينص القانون على خلاف ذلك “.

ومن جهة ثالثة عبارة الأحكام الجزائية جاءت بصفة عامة دون تحديد أي نوع منها تكون قابلة للتنفيذ، والأحكام الجزائية كما سبق أن تطرقنا له آنفا أنواع، والأحكام المعنية بنص المادة 8 من الأمر 72-02 هي الأحكام الفاصلة في الموضوع والتي تقضي بالإدانة وتقرير الجزاء، وكون الجزاء ينصرف إما إلى العقوبة وإما إلى التدابير، هذه الأخيرة قد تكون تدابير أمن هدفها الوقاية ومواجهة الخطورة الإجرامية لدى الأشخاص وتطبق حتى قبل ارتكاب الجريمة. ومن خصائصها أنها متجردة من الايلام وغير محددة المدة تدوم بدوام الخطورة الإجرامية وتزول بانقضائها، ويمكن مراجعتها باستمرار أثناء تنفيدها بقصد ملاءمة التدبير لتطور حالة الخطورة الإجرامية التي يواجهها الجاني. وقد تكون التدابير تلك المتعلقة بمراقبة وحماية الأحداث والمنصوص عليها في المادة 444 ق.إ.ج وهي الأخرى قابلة للتعديل والمراجعة في كل وقت من طرف قاضي الأحداث طبقا للمادة 482 ق.إ.ج فلا تكون نهائية. وعليه سنستبعد من دراستنا الأحكام القاضية بالتدابير، ونخصصها فقط للأحكام الجزائية القاضية بعقوبة.