قضية نقل الأعضاء بين الشرع و القانون

نقل الأعضاء قضية شرعية أم مسألة طبية؟

لايزال مشروع قانون نقل الأعضاء يتسكع منذ حوالي عشر سنوات بين مبني مجلس الوزراء، ومبني مجلس الشعب، مع أن المبنيين يقعان في شارع واحد والمسافة بينهما لا تزيد عن عدة أمتار علي نحو يدعو للظن بأن أزمة المرور الخانقة في العاصمة، هي التي تعرقل صدور القانون، ويشجع عن التنبؤ بأن القانون لن يصدر في مثل هذه الأيام من القرن القادم. آخر المطبات الصناعية التي تعرض لها مشروع القانون، هي المعارضة العنيفة التي لقيتها المادة 11 منه اثناء مناقشته امام لجنة الصحة بمجلس الشعب يوم الاثنين الماضي، لأنها عرفت الوفاة التي تجيز نقل أعضاء من الموتي إلي الأحياء، بأنها ‘موت جذع المخ’.. وهو ما اعترض عليه عدد من نواب المعارضة، ذهبوا إلي أن توقف جميع أجهزة الجسم عن العمل تماما، هو التعريف الوحيد للوفاة التي ينبغي أن يأخذ بها القانون، كرخصة لجواز نقل أعضاء من جسد الميت إلي أجساد أحياء.. لأن كل تعريف غير ذلك، وخاصة التعريف الذي يأخذ بموت جذع المخ، هو إباحة للقتل مع سبق الإصرار والترصد. وحاول د. فتحي سرور، الذي رأس اجتماع اللجنة ان يفض الاشتباك حول المادة، فاقترح ألا يتضمن القانون، أي تعريف للموت، وأن يحيل ذلك إلي لجنة من الأطباء تتشكل في كل مستشفي أو مركز طبي، ويكون قرارها بالإجماع بحدوث الوفاة، هو الأساس في إباحة نقل الأعضاء من صاحبها إذا كان قد أوصي بذلك إلي آخرين من الأحياء.. وهو ما ذهب إليه كذلك د. حاتم الجبلي وزير الصحة. والذين يؤيدون النص كما ورد في مشروع القانون، يذهبون إلي أن موت جذع المخ، هووفاة مؤكدة، بإجماع كل الأطباء في كل الدنيا وكل التاريخ، وأن استمرار بعض أعضاء جسم الإنسان كالقلب والرئتين والكلي.. الخ في العمل بعد موت جذع مخه، لا ينفي انه في حالة وفاة اكلينيكية، لأن هذه الأعضاء تواصل العمل، علي الرغم من وفاة جذع المخ بفضل الأجهزة الطبية التي يتم توصيلها بجسمه، وهي تتوقف تماما عن العمل، بمجرد فصلها عن هذه الأجهزة. أما المهم في رأي هؤلاء فهو أن نقل الأعضاء، وهي لاتزال تعمل ييسر من الناحية الطبية استفادة المريض الذي ستنقل إليه منها، بينما يؤدي انتظار توقفها عن العمل تماما، إلي تقليل أو انعدام فرص الاستفادة من بعضها في انقاذ هذا المريض، لأن بعضها يتلف فور توقفه عن العمل، أو بعد فترة قصيرة جدا من ذلك. ويذهب هؤلاء إلي أن الأخذ باقتراح د. فتحي سرور بإحالة تعريف الموت، إلي لجنة طبية يفقد القانون جدواه، ويحزمه بلغم يؤدي إلي تفجيره من الداخل، خاصة مع اشتراط أن يصدر قرار اللجنة بالإجماع، إذ هو يفتح الباب أمام جدل بين أعضاء اللجنة يختلط فيه ماهو طبي بما هو ديني، مما قد يدفع بعض الأطباء للأخذ بالأحوط، استجابة لمشاعرهم الدينية الفطرية، أو لرؤي بعض علماء الدين، وفقهاء الفضائيات، الذين يحرمون نقل الأعضاء من الأصل، انطلاقا من أن الله عز وجل هو الذي يحيي ويميت وهو الذي يمرض ويشفي، مع انه عز وجل هو كذلك الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، وهو الذي وفق بعض عباده من الأطباء لاكتشاف حقيقة ان نقل أعضاء من ميت حديث الوفاة، إلي مريض مهدد بالموت، يمكن أن يطيل بإذن الله عمره. ولم يعد سرا الآن، ان تسكع مشروع قانون نقل الأعضاء طوال هذه السنوات، بين مجلسي الوزراء والشعب، لم يحل دون قيام بعض المرضي الذين يحتاجونها إلي نشر إعلانات بالصحف، يطلبون متبرعا حيا يتبرع لهم بكليته أو بأحد فصوص كبده، مقابل مكافأة مجزية، ولم يمنع بعض الأطباء من إجراء مثل هذه العمليات بالمخالفة للشروط القانونية، بل وفي عيادات غير مجهزة لذلك، بل وفتح الباب كذلك أمام رحيل مئات ممن تتطلب حالاتهم الصحية، وتتحمل إمكانياتهم المالية، إلي بلاد العالم لإجراء هذه العمليات فيها، إلي أن قادهم الترحال إلي الصين، لتتحول عمليات زرع الأعضاء إلي ‘بيزنس’ يربح منه الوسطاء والنصابون. وربما كان الخوف من أن يؤدي صدور قانون يبيح وينظم عملية التبرع بالأعضاء البشرية، ونقلها للمرضي الذين يحتاجونها، أحد الهواجس التي تدفع معارضي القانون إلي محاولة عرقلة صدوره، وإلي الاعتراض علي تعريف الوفاة، استنادا إلي موت جذع المخ، خشية أن يدفع ذلك الأطباء للخضوع إلي إغراءات مادية، تدفعهم لقتل إنسان حي، لمجرد الرغبة في بيع أعضائه، وهي هواجس مبالغ فيها ويمكن التغلب عليها بضوابط يحددها القانون. باختصار ووضوح: قضية نقل الأعضاء ليست قضية دينية، بل قضية طبية وعلمية، وحتي لو فرض انها كذلك، فهي إحدي قضايا الفقه المستحدثة التي ينبغي علي الفقهاء أن يجتهدوا فيها، استنادا إلي رأي الأطباء، وإلي مقاصد الشريعة، وليس استنادا إلي فتاوي الفضائيات، وهو ما أخذت به 18 دولة إسلامية، أباحتها لأن جذع المخ لدي حكوماتها، وأعضاء مجالسها التشريعية، لا يزال حيا.