عن صحيفة الاهرام المصرية
الاثر الرجعي للحكم بعدم دستوريه نص تشريعي
بقلم : مستشار‏ / احمد هبه
نائب رئيس هيئه قضايا الدوله
ورئيس قسم المحكمه الدستوريه العليا سابقا

الاصل علي مااستقر عليه القضاء والفقه ان الحكم الصادر في الدعوي الدستوريه كاشف عن حكم الدستور في المنازعه المطروحه علي المحكمه الدستوريه التي ترده الي مفهومه الصحيح الذي يلازمه منذ صدوره‏,‏ الامر الذي يستتبع ان يكون للحكم بعدم دستوريه نص تشريعي اثر رجعي كنتيجه حتميه لهذه الطبيعه الكاشفه‏.‏

ويترتب علي الحكم بعدم دستوريه نص الغاء قوه نفاذ هذا النص فيغدو معدوما من الناحيه القانونيه ويسقط كتشريع من تشريعات الدوله واعتباره منعدم القيمه باثر رجعي لا من وقت صدور الحكم فحسب وانما من تاريخ العمل بهذا النص التشريعي ومن ثم فان ابطال المحكمه لنص من النصوص موداه تجريده من قوه نفاذه وزوال الاثار القانونيه المترتبه عليه‏,‏ فالنصوص القانونيه لاتعصمها الا صحتها فاذا تصادمت مع الدستور اعدمت‏.‏هذا هو الاصل المتفق عليه في الفقه والقضاء‏..‏

غير ان الامر يستلزم وقفه هامه تختلف معها هذه النتيجه القانونيه‏..‏مااذا كان النص المحكوم بعدم دستوريته نصا متعديا‏.‏والنص المتعدي او التشريعي المتعدي هو الذي يعدل او يوقف او يلغي نصا اخر قائما ومن ثم يتعدي باثره القانوني الي هذا التشريع القائم‏..‏فيلزم التفرقه بين صدور الحكم بعدم دستوريه هذا النص المتعدي‏..‏او بعدم دستوريه النص الاصلي‏,‏ ولنضرب امثله لهذه المساله‏.‏

قانون المحاماه اضفي حمايه من نوع خاص للمحامين بنص الماده‏(55)‏ الفقره الثانيه من هذا القانون استثني هذه الفئه من الخضوع لاحكام الماده‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ فيما يتعلق بالتنازل فيما بين المحامين بعضهم البعض في شان الاعيان الموجره المتخذه مقارا لمزاوله مهنه المحاماه‏.‏

وبالمثل قانون تنظيم المنشات الطبيه ق‏(51)‏ لسنه‏1981‏ انطوت الماده الخامسه منه علي استثناء تنازل الطبيب او ورثته من بعده عن حق اجاره العين المتخذه مقرا لعيادته الخاصه من الخضوع لحكم الماده‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ المشار اليه‏.‏والقرار بقانون رقم‏(134)‏ لسنه‏1964‏ بتعويض اصحاب اسهم ورووس اموال الشركات والمنشات التي الت ملكيتها الي الدوله وفقا لاحكام القوانين‏(119,118,117)‏ لسنه‏1961‏ والقوانين التاليه لها تعويضا اجماليا لايجاوز‏15‏ الف جنيه ايا كان مجموع مايملكونه فيها بعد ان كان المشرع قد التزم في هذه القوانين جميعها بان يكون التعويض معادلا لكامل القيمه الحقيقيه لحصص وانصبه اصحاب ذلك المشروع بعد تقويمها‏.‏من هذه الامثله وغيرها‏..‏

فان هذه النصوص التشريعيه تعدت احكامها لقوانين اخري وقامت بتعديل او وقف او الغاء هذه القوانين فالفقره الثانيه من الماده‏(55)‏ من قانون المحاماه والماده الخامسه من قانون المنشات الطبيه اوقفت اعمال نص الماد‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ بالنسبه للمحامي او الطبيب والقرار بقانون‏(134)‏ لسنه‏1964‏ عدل ماتضمنته قوانين التاميم بشان تعويض اصحاب اسهم ورووس اموال الشركات والمنشات محل التاميم وجعله تعويضا اجماليا‏.‏

ثم صدرت احكام المحكمه الدستوريه العليا‏..‏بعدم دستوريه هذه النصوص التشريعيه ارتدت باثرها الرجعي الي وقت صدورها واعدمتها واخرجتها من عداد القوانين فثار التساول ومن بعده طوفان من المنازعات حول اثر هذه الاحكام علي النصوص التشريعيه الاخري المتعدي اليها ويستتبع ذلك النظر في الوضع القانوني لمكتب المحامي او عياده الطبيب او باقي التعويض المستحق لاصحاب المنشات‏..‏كما وانه يلزم بحث مشروعيه التنازل قبل الحكم وبعده وبعباره اخري هل اصبح التنازل باطلا بعد رفع الغطاء او الحمايه التشريعيه؟‏!‏

وبالنسبه لقوانين التاميم هل تعود الي النفاذ بالنسبه للتعويض وطريقه سداده وماشان التقادم بالنسبه لهذه المبالغ؟‏!‏بدايه‏:‏ فلا شان لاحكام المحكمه الدستوريه العليا‏..‏بالنص الاصلي المتعدي اليه فاثرها الرجعي يقتصر علي ماقضت به بشان هذه النصوص المتعديه‏..‏وماكان لها ان تتعرض لهذه المساله فنطاق الدعوي الدستوريه ينحصر فيما طعن عليه من نصوص فلا تمتد الي نصوص اخري لم تكن محلا للمنازعه الدستوريه‏..‏فالمسائل المثاره لاحقه علي صدور هذه الاحكام وليست ناشئه عن رجعيتها‏,‏

فلا يقال‏:‏ مااثر صدور هذه الاحكام علي التنازل عن مكاتب المحامين وعيادات الاطباء المتنازل عنها؟‏!‏ وان وجب القول‏:‏ ماحكم هذا التنازل بعد رفع الغطاء او الحمايه التشريعيه التي اضفاها المشرع علي هذه الفئه او تلك؟‏!‏ونري ان المحامي استعصم بقانون المحاماه‏,‏ والطبيب يخضع لقانون تنظيم المنشا الطبيه وكلاهما لم يكن مخاطبا بنص الماده‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ فقد اغناهما قانوني مهنتهما عن الخضوع للقانون الاخير ومن ثم استمد التنازل من كليهما الشرعيه والصحه والنفاذ طبقا للقانون المنظم للمهنه دون قانون ايجار الاماكن‏.‏

ومنذ صدور احكام المحكمه الدستوريه العليا برفع الاستثناء من عداد التشريعات فاصبحت والعدم سواء منذ ميلادها اصبح كلامن المحامي والطبيب المتنازل اليه بلا غطاء قانوني‏..‏ بلا حمايه تشريعيه‏..‏مخاطبا لاول مره بحكم الماده‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ بعد ان اصبح التنازل كان لم يكن ولفقده لسنده الشرعي كاثر من اثار الحكم بعدم دستوريه هذه النصوص المتعديه‏.‏ومقتضي ذلك‏..‏

انه علي المحامي او الطبيب المتنازل اليه ان يشرع والمتنازل الي اخطار المالك ليختار بين الحقين اللذين كلفتهما الماده‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ اما ان يحصل علي‏(50%)‏ من مقابل التنازل اذا اراد اعمال اثره وان يستعيد العين من مستاجرها الاصلي بعد اداء تلك القيمه مع انهاء العلاقه الايجاريه التي ارتبطا بها في شانهاولايقال وقد قيل انه نفاذا لحكم المحكمه الدستوريه العليا اصبح التنازل باطلا بطلانا مطلقا لمخالفته لنص الماده‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ ذلك ان التنازل وقع صحيحا بين طرفيه في ظل قاعده قانونيه كانت تستثنيه من احكام هذه الماده‏,‏

واذ صارت هذه القاعده والعدم سواء فقد غدا هذه التنازل فاقدا لسنده الشرعي في مواجهه المالك فلم يعد نافذا ولايسري في حقه منذ هذا التاريخ وان بقي صحيحا بين طرفيه‏.‏ومن ثم فاذا ثارت المنازعه بين المالك والمستاجر الاصلي والمستاجر الشاغل للعين فليس للاخرين ان يستعصما بالتنازل المبرم بينهما فلم يعد صالحا للتمسك به في مواجهه المالك‏,‏ كما وان الاخير ليس له ان يتعرض لهذا التنازل ويصمه بالبطلان وان كان له ان يتمسك بعدم سريانه في حقه‏.

‏والغريب اتجاه بعض الاحكام الي القضاء ببطلان التنازل وفسخ عقد الايجار واخلاء العين الموجره لعدم اتباع احكام واجراءات الماده‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ واعمالا لاحكام المحكمه الدستوريه العليا واثرها الرجعي ومفادها تطبيق نص الماده‏(20)‏ من القانون‏(136)‏ لسنه‏1981‏ باثر رجعي علي كل ماتم من تنازل بين المستاجر الاصلي والمتنازل اليه محاميا كان او طبيبا رغم ان ايا منهما لم يدخل في عداد المخاطبين باحكام هذه الماده الا بعد صدور هذه الاحكام‏,‏ ورغم ان الرجوع بهذه الماده الي تاريخ الاتفاق علي التنازل يوسع مننطاق الاثر الرجعي لحكم عدم دستوريه النص دون سند قانوني ودون ان تكون هذه الماده محلا للدعوي الدستوريه او معروضه علي المحكمه الدستوريه العليا‏.‏

وكان الاولي بهذه المحاكم ان تمهل المتنازل والمتنازل اليه من المحامين والاطباء الي توفيق اوضاعها مع المالك ودعوتهما الي اتباع اجراءات واحكام الماده‏(20)‏ من القانون رقم‏(136)‏ لسنه‏1981‏ واخطار المالك ليستعمل حقه في الخيار بين البديلين فان تنازعا حول مقابل التنازل كان للمحكمه ان تلجا لاهل الخبره لتحديد هذا المقابل الذي يتخذ ركيزه لحق المالك في الخيار بين البديلين‏.‏وكان حريا بالمشرع ان يتدخل فور صدور هذه الاحكام لحمايه المتنازل اليهم من المحامين والاطباء فلا يقف عاجزا متفرجا عن احتواء الاثار التي ترتبت علي هذه الاحكام سيما وكلاهما لم يخالف قانون ايجار الاماكن‏..‏

فلم يكن ايهما ملزما باتباع اجراءات واحكام الماده‏(20)‏ من هذا القانون‏,‏ ولايحاجا بالاحكام الصادره من المحكمه الدستوريه العليا بعدم دستوريه النصوص المتعديه‏..‏وان اصبحا مكلفين باتباع هذه الاجراءات والاحكام فور صدور هذه الاحكام لحمايه حقوقهم ومراكزهم القانونيه التي استقر بها وضعهم الاجتماعي ومستقبلهم المهني واكتساب مكاتبهم وعياداتهم السمعه والشهره والعملاء وكلها ارتبطت بالمكان المتنازل عنه الذي اصبح عنصرا هاما للنجاح في المهنه ولايسوغ طردهم من هذا المكان واتخاذ احكام المحكمه الدستوريه العليا ذريعه لذلك دون سند قانوني‏.‏

ونعود الي القانون‏(134)‏ لسنه‏1964‏ وقد رفعته المحكمه الدستوريه العليا من عداد القوانين باثر رجعي منذ حكمها بعدم دستوريته بتاريخ‏1985/3/2‏ علي ماسبق بيانه وهو قانون تعدي الي تحديد التعويض لاصحاب الشركات والمنشات الموممه وجعله تعويضا اجماليا لايجاوز‏15‏ الف جنيه ايا كان مجموع مايملكونه فيها‏,‏ فعدل هذا القانون من التزام المشرع بان يكون التعويض معادلا لكامل القيمه الحقيقيه لحصص وانصبه اصحاب تلك المشروعات بعد تقويمها في القوانين‏(117‏ و‏118‏ و‏119)‏ لسنه‏1961‏ والقوانين التاليه لها‏:‏وقد ترتب علي الحكم بعدم دستوريه هذا القانون المتعدي ان يعود النهج العام الذي استنه المشرع في قوانين التاميم المشار اليها وقوامه ان يكون التعويض معادلا لكامل القيمه الحقيقه لحصص وانصبه اصحاب تلك المشروعات بعد تقويمها بسندات اسميه علي الدوله لمده خمس عشره سنه بفائده‏(4%)‏ سنويا وتكون السندات قابله للتداول في البورصه تبدا من تاريخ صدور الحكم بعدم الدستوريه‏.

‏وامام المحاكم دفعت الحكومه بتقادم الحق في التعويض لمرور مايزيد علي الخمس عشره سنه من تاريخ صدور القوانين‏(117‏ و‏118‏ و‏199)‏ لسنه‏1961‏ والقوانين التاليه لها حتي صدور الحكم بعدم دستوريه القانون المتعدي ‏134‏ لسنه‏1964‏ رغم ان هذا الحق في التعويض الكامل لم يعد لاصحابه الا بالحكم المذكور ومن هذا التاريخ يسري حساب مده تقادم هذا الحق اما اثناء وجود القانون‏(134)‏ لسنه‏1964‏ فلم يكن لذوي الشان حق ليتقادم‏.‏

كما وان اصحاب الحق في التعويض طالبو به كاملا رغم ان المشرع في قوانين التاميم حدد طريقه سداد هذا التعويض بسندات اسميه علي الدوله لمده خمس عشره سنه بفائده‏(4%)‏ سنويا‏.‏واتجهت المحاكم الي رفض دفاع الحكومه بالتقادم‏..‏وان انتهت الي نتيجه صحيحه الا ان اسبابها جاءت مغايره للفكر القانوني فقد اعتبرت القانون‏(134)‏ لسنه‏1964‏ المتعدي من الاسباب المانعه للتقادم رغم ماسبق قوله من ان ذوي الشان لم يكن لهم في التعويض الكامل في ظل القانون‏(134)‏

لسنه‏1964‏ حق ليتقادم وانما نشا هذا الحق او عاد بصدور الحكم بعدم دستوريه هذا القانون‏.‏كما اتهجت المحاكم ايضا الي اجابه اصحاب الشان الي طلبهم باحقيتهم في التعويض الكامل يودي دفعه واحده وليس بسندات اسميه علي الدوله كنص القانون والغريب في هذا ان تقضي لهم بفائده‏(4%)‏ سنويا من تاريخ التاميم وليس من تاريخ المطالبه القضائيه فاعملت النص في قوانين التاميم في شق منه دون اخر فالفاده السنويه‏(4%)‏ اوجبتها هذه القوانين علي التعويض الكامل ان جري سداده بسندات اسميه علي الدوله لمده خمس عشره سنه‏..‏

فاذا ما حكمت بسداده دفعه واحده فلا تستحق هذه الفائده لفقد مسوغها‏..‏ وان استحق بدات النسبه طبقا لاحكام القانون المدني من تاريخ المطالبه القضائيه م‏226‏ منه من جماع ماتقدم يغدو ما نادينا به حق‏..‏ من ضروره مراعاه الوجود الفعلي للتشريع المحكوم بعدم دستوريته‏..‏

ووجوب التفرقه في اثر احكام المحكمه الدستوريه العليا بين ما اذا تناولت نصا متعديا او نصا اصليا‏..‏ ويلزم تدخل المشرع لتنظيم اثار هذه الاحكام دون تفريط او افراط في حق من اكتسب حقا او مركزا قانونيا استقر في ظل نص تشريعي نظمه ووضع قواعده‏..‏ ودون افراط في حمايه المحكوم لصالحه علي حساب المصلحه العامه او مصلحه خاصه اولي بالرعايه والاعتبار‏.‏