تأخذ اغلب الدول بنظام التوفيق والتحكيم كطريق لحسم المنازعات فتأخذ الولايات المتحدة مثلا بنظام التوفيق والتحكيم الاختياري وكذلك انكلترا أخذت به أيضا إلا إن هناك دولا أخذت بنظام التوفيق والتحكيم الإجباري كألمانيا الغربية إما فرنسا فتأخذ بنظام التوفيق الإجباري إما التحكيم فقد اخذ القانون الفرنسي بالتحكيم الاختياري بموجب قانون ((شباط1950))(1). إما في مصر فان قانون العمل الموحد الملغى رقم 91 لسنة 1959 قد اخذ بنظام التوفيق الاختياري إما إذا لم تتمكن لجنة التوفيق من حسم النزاع بطريق التوفيق فيحال إلى التحكيم وجوبا من قبل لجنة التوفيق (المادتان 192،193 من قانون العمل الموحد). يقصد بالتوفيق :إجراء مفاوضات بين الطرفين بصد التقريب بين وجهات النظر عن طريق اقتراح حل يرضى به الطرفان ويميز بين الصلح والتوفيق ففي الصلح يتنازل كل من الطرفين عن جزء من ادعائه إما المقصود بالتوفيق فهو خلاف ذلك إذ لا ينتهي بعقد صلح بل هدفه الوصول إلى التراضي والتفاهم (2). إما التحكيم فهو إحالة النزاع إلى شخص أو هيئة للفصل فيه بقرار ملزم لطرفي النزاع

مستويات العمل الدولية في التوفيق والتحكيم:

لقد اهتمت منظمة العمل الدولية بتسوية منازعات العمل الجماعية فأصدرت بهذا الشأن التوصية الدولية رقم 92 لسنة 1951 بشان التوفيق والتحكيم التي أوجبت إنشاء هيئات للتوفيق الاختياري وذلك للمساهمة في منع منازعات العمل وتسويتها بين أصحاب العمل والعمال (المادة 1 من التوصية)ويجب إن تتضمن كل هيئة توفيق اختياري مندوبين عن أصحاب العمل والعمال بنسبة متساوية (المادة 2 من التوصية)كما يجب إن تتم الإجراءات بدون مقابل وان تكون المدة المحددة لحسم النزاع قصيرة للغاية ويجب النص على إن يكون الالتجاء للتوفيق بطلب إي من طرفي النزاع أو تقوم به هيئة التوفيق من تلقاء نفسها (المادة 3 من التوصية) وكل اتفاق يتوصل إليه طرف النزاع يجب إن يكون مكتوبا ويعتبر بمثابة عقد عمل مشترك تم إبرامه على الوجه المعتاد (المادة 5 من التوصية). وقد أخذت التوصية المذكورة بالتحكيم الاختياري حيث أوضحت إن التحكيم يكون بموافقة طرفي النزاع كما منعت التوصية اللجوء إلى الإضراب أو إغلاق المنشاة إثناء السير في إجراءات التوفيق أو التحكيم (المادتان 4و6 من التوصية).

تسوية المنازعات في القانون النافذ :

عندما تبلغ الخلافات الجماعية في العمل مرحلة المنازعات يتوجب على صاحب أو أصحاب العمل ذوي العلاقة أو على الأجهزة النقابية العمالية ذات العلاقة إن تبادر كل من جهتها ،إلى إخطار وزير العمل والشؤون الاجتماعية ورئيس الاتحاد العام لنقابات العمال بوقت واحد بالنزاع الذي نشب مع بيان خلاصة وافية عن أسبابه وتطوراته والإجراءات الواجب اتخاذها لمعالجته وحله(3). يتولى وزير العمل والشؤون الاجتماعية فور تلقي الإخطار إجراء الاتصالات الأزمة مع أصحاب العمل ومنظماتهم ذات العلاقة لحثها على اتخاذ التدابير العاجلة لإنهاء أسباب النزاع وحله وتسويته(4). يتولى رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال فور تلقي الإخطار الاتصال بجميع الأجهزة النقابية والفئات العمالية ذات العلاقة بالنزاع لحثها على اتخاذ التدابير العاجلة لمنع التأزم في المواقف ،ودعوتها لسلوك الطرق الايجابية في التحري عن أسباب النزاع والعمل على إزالة أسبابه وتسويته بالطرق الودية. يتبادل وزير العمل والشؤون الاجتماعية ورئيس الاتحاد أو من ينيبانه عنهما المعلومات حول ما توصل إليه كل منهما في مساعيه ويتشاوران باستمرار بالإجراءات الواجب اتخاذها ويجتمعان معا إلى ممثلي طرفي النزاع ويبحثان معهم وجهات نظرهم المختلفة في محاولة للتقريب فيما بينهم والوصول إلى حل يرضي الجميع . إذا أسفرت مساعي الوزير ورئيس الاتحاد خلال ثلاثة أيام من تاريخ الإخطار على الأكثر عن التوصل إلى حل ،يعقد اجتماع برئاسة رئيس الاتحاد يتولى فيه المدير العام لدائرة العمل مهمة المقرر يحضره ممثلون عن طرفي النزاع بإعداد متساوية وينظم محضر بهذا الاجتماع ،تسجيل فيه بنود الاتفاق على أربع نسخ أصلية توقع من جميع الحاضرين ،أحداها في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والثانية في الاتحاد العام لنقابات العمال والثالثة لدى صاحب العمل والرابعة لدى العمال ويلتزم بهذا الاتفاق طرفا النزاع ويوضع موضع التنفيذ فورا(5).

اما اذا فشلت مساعي الوزير ورئيس الاتحاد في التوصيل الى حل يقبل به الجميع خلال المدة المحددة بثلاثة ايام من تاريخ الاخطار على الاكثر ،وجب عليهما احالة النزاع بكتاب مشترك الى وزير العدل لدعوة هيئة قضايا العمل في محكمة التمييز للانعقاد خلال ثمان واربعين ساعة على الاكثر للنظر في النزاع وتبقى الهيئة في حالة انعقاد دائم حتى تصدر قرارها في النزاع المعروض عليها(6). للهيئة المذكورة دعوة وزير العمل والشؤون الاجتماعية ورئيس الاتحاد او من يمثلهما وطرفي النزاع للاستماع الى اقوالهم ولها ان تتخذ الاجراءات كافة لغرض الفصل في النزاع . تصدر الهيئة قرارها خلال خمسة عشر يوما من تايخ عرض النزاع عليها في جلسة علنية بحضور طرفي النزاع ويكون قرارها باتا(7). اذا تختلف احد طرفي النزاع عن الحضور امام الهيئة المذكورة يوم اصدار القرار رغم تبلغه يعتبر مبلغا بالقرار(8). ويلتزم كل من صاحب العمل والعمال بتنفيذ القرار خلال ثلاثة ايام من تاريخ صدوره(9). فاذا امتنع صاحب العمل او اصحاب العمل عن تنفيذ القرار بعد ثلاثة ايام من تبليغهم بالقرار ،جاز للعمال اصحاب العلاقة ان يتوقفوا عن العمل وتحسب لهم مدة التوقف خدمة يستحقون عنها جميع حقوقهم المقررة قانونا ويعاقب اصحاب العمل عن عدم التنفيذ ،ولم يحدد القانون ماهية العقوبة التي تفرض عليهم في هذه الحالة.

والزم القانون العمال بان يبلغوا وزير العمل ورئيس الاتحاد معا باجراء التوقف عن العمل الذي يتخذونه فور مباشرتهم له وان يبينوا الاسباب التي حملتهم على ذلك والاحتياطات التي اتخذوها للمحافظة على الامن والنظام وحماية وسائل الانتاج ومقر العمل. ويلاحظ بان قانون العمل رقم 1 لسنة1958 الملغى كان قد اخذ بنظام التوفيق والتحكيم حيث اجاز لكل من الفريقين المتنازعين او من ينوب عنهما إبلاغ وزير (10) م 192 من القانون . العمل والشؤون الاجتماعية بأي نزاع واقع أو متوقع وعلى الوزير إن يحاول فض النزاع وحسمه بطريق التوفيق بين الطرفين . يتبين مما تقدم بان القانون المذكور قد اخذ بنظام التوفيق الاختياري في حالة قيام طرفي النزاع بإبلاغ الوزير لكن تنعكس الآية في حالة عدم قيام احد هذين الطرفين بإبلاغ الوزير ففي هذه الحالة وحين يتدخل بناء على قيام الطرف الأخر بإبلاغه بالنزاع حينئذ يكون التوفيق إجباريا بالنسبة للطرف الذي لم يبلغه بالنزاع كما يكون التوفيق إجباريا أيضا بالنسبة للطرفين في حالة تدخل الوزير بصرف النظر عما إذا كان قد ابلغ بالنزاع الواقع أو المتوقع وقيامة بتسوية النزاع بطريق التوفيق (المادة 5 من القانون المذكور). اما بالنسبة للتحكيم فقد اخذ القانون المذكور بالتحكيم الاختياري حيث قضى بأنه لم تتم تسوية النزاع بالتوفيق فللوزير بموافقة الطرفين المتنازعين إحالة النزاع للتحكيم . وبهذا كانت موافقة الطرفين شرطا لإحالة النزاع للتحكيم وتعتبر القرارات التي يصدرها المحكم أو هيئة التحكيم نهائية(11).

_______________

1- انسكلوبيديا دالوز، المرجع السابق ،ص593-601.

2- برن وكالان ،المرجع السابق، ص 935.

3- علي العريف ،شرح تشريع العمل في مصر ج2 القاهرة ،1954، ص 332.

4- م 131 من القانون.

5- م 132 من القانون.

6- م 132 من القانون.

7- م 192 من القانون.

8- م 133 من القانون.

9- م 134 من القانون .

10- م 135 من القانون .

11-م 56و57 من قانون العمل رقم السنة1958 الملغى.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .