القانون الجديد للوظيفة العمومية : قراءة قانونية.

يسعى هذا المقال إلى المساهمة في النقاش الدائر حاليا، خاصة في صفوف الأطر العليا المعطلة، بخصوص إلغاء التوظيف المباشر وتعويضه باجتياز المبارة أو العمل بواسطة العقود.
ومنهجيا، فإني سأتناول الموضوع من زاوية قانونية، تجيبنا عن مختلف التفاصيل القانونية والمسطرية، من خلال مستويين في التحليل: مستوى القانون الحالي للوظيفة العمومية، ومستوى مشروع القانون الجديد المعدل للسابق.

1.القانون الأساسي للوظيفة العمومية ( ظهير 1958).
يعتبر الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 2372 بتاريخ 11 أبريل 1958 الذي يعد بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، المرجعية الأساسية للوظيفة العمومية والقانون الشامل الذي ينظم كل الوظائف في القطاع العام، فالأنظمة الأساسية التي تصدر بموجب مراسيم وما يتلوها من قرارات، إنما تفصل بعض بنود القانون الأساسي وتؤكد خصوصيات قطاع من القطاعات.
ينص هذا الظهير في المادة 22 على ما يلي: “يقع التوظيف في كل منصب من المناصب إما عن طريق مباريات تجرى بواسطة الاختبارات أو نظرا للشهادات، وإما بواسطة امتحان الأهلية والقيام بتمرين لإثبات الكفاءة، وذلك مع مراعاة المقتضيات المؤقتة المقررة في التشريع الجاري به العمل، وفيما يتعلق بالوظائف التي تكون إطارا واحدا ، فان التوظيف يمكنه أن يكون خاصا بكل إدارة أو مشتركا بين عدة إدارات”.
حددت هذه المادة كيفية الولوج إلى الوظيفة العمومية في المساطر التالية: المباراة، التوظيف المباشر بناءا على الشهادات، اجتياز امتحان الكفاءة، بالإضافة إلى طريقة إعادة التوظيف في إطار الترقية الداخلية المخصصة لفائدة الموظفين عن طرق التكوين أو بواسطة الاختيار أو الأقدمية.

* المباريات: وتتم وفق المرسوم الملكي رقم 67-401 الصادر بتاريخ 22 يونيو 1967 و المتعلق بسن نظام عام للمباريات و الامتحانات الخاصة لولوج أسلاك ومناصب الإدارات العمومية،

* التوظيف المباشر بناءا على الشهادات: في ما يتعلق بهذه المسطرة فقد نصت بعض الأنظمة الأساسية لموظفي الدولة والجماعات المحلية على ولوج أسلاك الوظيفة العمومية بطريقة مباشرة دون إجراء المبارة على أساس الدبلومات و الشواهد المحصل عليها، خاصة الشهادات التي تخول التوظيف في السلم 11 .
وبناء على هذا البند أصدر وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري (يسمى حاليا وزير تحديث القطاعات العامة) سنة 1999 قرارين يحددان الشهادات التي تخول التعيين المباشر في الوظيفة العمومية دون إجراء المباراة، في درجة متصرقي الإدارات المركزية السلم 11.
القرار رقم 99/695 الصادر 30 أبريل 1999 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 4693 بتاريخ 24 ماي 1999 والذي حدد هذه الشهادات في :
– دبلوم الدراسات العليا المعمقة (desa) المسلم من طرف الجامعات المغربية؛
– دبلوم الدراسات العليا المتخصصة (dess) المسلم من طرف الجامعات المغربية؛
– شهادة الدكتوراه في العلوم المسلمة من طرف كليات العلوم المغربية، مشفوعة بشهادة الدراسات المعمقة ( الاستقصائية) المسلمة من طرف نفس الكليات؛
– شهادة الدكتوراه في الآداب المسلمة من طرف كليات الآداب والعلوم الإنسانية المغربية، مشفوعة بشهادة استكمال الدروس مسلمة من طرف نفس الكلية؛
– شهادة الدكتوراه في العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، المسلمة من طرف كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المغربية، مشفوعة بشهادتي الدراسات العليا المسلمتين من نفس الكليات.
والقرار رقم 99/888 الصادر ب 31 ماي 1999 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 4705 بتاريخ 5 يوليو 1999 الذي نص على بعض الشهادات من المعاهد الأجنبية التي تخول التوظيف المباشر في سلك مهندسي الدولة.

وبعد إصلاح التعليم الجامعي بموجب القانون رقم: 00.01، تم تعويض شهادة “دبلوم الدراسات العليا المعمقة (desa)” بدبلوم الماستر، ودبلوم الدراسات العليا المتخصصة (dess) بدبلوم الماستر المتخصص. وصدر قرار للوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بتحديث القطاعات العامة يحمل رقم 1378.08 بتاريخ 4 غشت 2008، و المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5664 بتاريخ 11/09/2008. الذي خول لحملة شهادة الماستر و الماستر المتخصص التوظيف في درجة متصرفي الإدارات المركزية السلم 11. وبالتالي من الناحية القانونية خول لهذين الدبلومين التوظيف المباشر دون إجراء المباراة.

استنادا إلى هذه النصوص القانونية وللتخفيف من بطالة الأطر العليا المعطلة حملة الشهادات الدكتوراة dess ; desa والماستر، الماستر المتخصص. خاصة مع تنامي احتجاجاتهم بعاصمة المملكة، اعتمدت الحكومات المتعاقبة، خاصة الحكومة الحالية مقاربة خاصة لتوظيف هذه الشريحة، وهذا ما أكده السيد الوزير الأول عباس الفاسي في برنامجه الحكومي أكتوبر 2007 حين قال:” فإن الحكومة ستعتمد مقاربة إرادية وتضامنية وتفضيلية كي يستفيد أكبر عدد ممكن منهم في إطارها”، وتمثلت هذه المقاربة في توجيه رسائل سنوية إلى كل القطاعات الوزارية لتخصيص 10 % من المناصب المالية المسجلة في ميزانية التسير، من أجل توظيف الأطر العليا المعطلة.

2. مشروع القانون الجديد للوظيفة العمومية.
في هذا المستوى الثاني من التحليل سأتحدث عن مشروع قانون رقم 50.05 المغيير والمتمم للقانون الأساسي للوظيفة العمومية، الذي اشرنا إليه. من خلال التركيز على المادة 22 المحددة لمساطر التوظيف، ومناقشة أثرها القانوني على مبدأ التوظيف المباشر وأثرها على المراسيم القانونية والقرارات الوزارية السالفة الذكر التي تنص على التوظيف المباشر، وعلى القرارات السنوية للوزير الأول بتوظيف الأطر العليا المعطلة توظيفا مباشرا.

* لمحة تاريخية عن المشروع:

بتاريخ 7و8 ماي 2002، نظمت وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري (وزارة تحديث القطاعات العامة حاليا) مناظرة وطنية حول الإصلاح الإداري، خلصت المناظرة إلى مجموعة من التوصيات، من بينها إقرار مبدأ تعميم المباراة على جميع مستويات التوظيف. وتمت ترجمة هذه التوصيات في مشروع قانون رقم 05-50 بتعديل النظام الأساسي للوظيفة العمومية الحالي، الذي قدمته وزارة تحديث القطاعات العامة وعرضته على أنظار مجلس النواب الذي صادق عليه بتاريخ 17 يناير 2006، وأحيل بعد ذلك على مجلس المستشارين. وبعد نقاشات مراطونية حول المشروع الذي لقي معارضة من طرف النقابات الممثلة بالمجلس تمت المصادقة عليه بتاريخ 21 دجنبر2010، وأحيل من جديد على مجلس النواب في إطار قراءة ثانية، ومن المنتظر أن يصادق عليه المجلس في الدورة الخريفية الحالية.

* مضمون المشروع فيما يخص طرق التوظيف:

ينص المشروع في الفصل 22 المتعلقة بمسطرة التوظيف على مايلي: ” يجب أن يكون التوظيف في المناصب العمومية وفق مناصب تضمن المساواة بين جميع المترشحين لولوج نفس المنصب ولا سيما حسب مسطرة المباراة.
ويعتبر بمثابة مباراة امتحانات التخرج من المعاهد والمؤسسات المعهود إليها بالتكوين حصريا لفائدة الإدارة.
استثناء من أحكام الفقرة الأولى يمكن للحكومة أن ترخص للسلطات المكلفة بالدفاع الوطني أو بالأمن الداخلي والخارجي للدولة بأن تقوم بتوظيفات بعد اختبار الكفاءات المطلوب توفرها في المترشحين دون إعلان سابق أو لاحق .
تحدد شروط وكيفية تطبيق أحكام هذا الفصل بموجب مرسوم ”
كما ينص في الفصل 6 مكرر : ” يمكن للإدارات العمومية، عند الاقتضاء، أن تشغل أعوانا بموجب عقود وفق الشروط والكيفيات المحددة بموجب مرسوم.

لا ينتج عن هذا التشغيل في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة.”
بعد عرض هذه المادة التي جاء بها القانون الجديد، نطرح سؤالا: ماهو الأثر القانوني الذي ستحدثه فيما يتعلق بمساطر التوظيف؟ وما مصير المراسيم والقرارات التي تخول حاليا التوظيف المباشر لبعض الشهادات؟ وماهي القيمة القانونية لقرار الوزير الأول بتخصيص 10 % سنويا من المناصب لتوظيف الأطر العليا المعطلة توظيفا مباشرا ؟
يتم الإجابة عن هذه الأسئلة على النحو التالي:

أولا: المشروع حدد طرق العمل في القطاع العام في مسلكين: مسلك التوظيف، ومسلك الاشتغال بموجب عقود.
ففيما يتعلق بمسلك التوظيف فقد حصر مسطرته في المباراة فقط، وبالتالي فالتوظيف المباشر بناء على الشهادات سوف يلغى، واستثنى من هذه المسطرة خريجي المدارس والمعاهد التي تكون تابعة مباشرة لقطاع وزاري معين ويعهد إليها تكوين مجموعة من الأطر قصد إدماجها مباشرة في الإدارة، كخريجي المدرسة الوطنية للإدارة مثلا، واستثنى أيضا من مبدأ المباراة التوظيفات التي تقوم بها السلطات المكلفة بالدفاع الوطني أو الأمن الداخلي والخارجي.
أما المسلك الثاني للعمل ضمن القطاع العام فهو التشغيل بناء على عقود تحدد فيه الواجبات والالتزامات كما هو معمول به في القطاع الخاص لانجاز مشاريع وبرامج محددة، وهذه العقود لا تخول الترسيم في الوظيفة العمومية فبمجرد انتهاء مدة العقد تنتهي مهمة المتعاقد معه، مع إمكانية تجديد العقد برضى الطرفين، ولا تقتصر فقط على الشهادات العادية كالتقنيين مثلا وإنما تشمل مختلف التكوينات والدرجات (المهندسون، الأطباء، دبلومات الماستر،… ).

ثانيا: إن هذا المشروع من حيث تراتبية النصوص القانونية، له مكانة أكبر من المراسيم باعتباره “قانونا”، وان مجموعة من فصوله تحتاج إلى مراسيم تطبيقية، وبالتالي فإن المقتضيات التي نصت عليها المراسيم والقرارات التي أشرنا إليها في المحور الأول بتخويل التوظيف المباشر لبعض الشهادات، سوف يتم إلغاؤها بإصدار مراسيم وقرارات جديدة بمجرد إصدار القانون الجديد؛

ثالثا:إن المرسوم الصادر مؤخرا بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات رقم 2.06.377 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2010 والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 5895 بتاريخ 09 ديسمبر 2010 حدد مسطرة التوظيف في المباراة وحدها، بالنسبة للقطاعات التي يشملها المرسوم والمذكورة في المادة 23 منه. وبالتالي فإنه لا يمكن لهذه القطاعات (المحددة على سبيل الحصر) أن تعتمد التوظيف المباشر ابتدءا من فاتح يناير 2011 .
رابعا: فيما يتعلق بالقرارات الاستثنائية للوزير الأول بتوظيف فئة محددة من حملة الشهادات توظيفا مباشرا يجد سنده القانوني أساسا في المادة 22 من القانون الحالي للوظيفة العمومية التي نصت على إمكانيات التوظيف المباشر، وبالتالي فإن المرسوم المشار إليه المتعلق بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات لا يمنع الوزير الأول من هذه الإمكانية لكونه يستند على نص قانوني أسمى من المرسوم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالوزير الأول هو نفسه من أصدر المرسوم فبإمكانه اتخاذ قرارات استثنائية.

غير أنه إذا كان الأمر لا لبس فيه بخصوص تأثيرات هذا المرسوم، فأن تعديل الفصل 22 من قانون الوظيفة العمومية يطرح عدة إشكالات على مستوى حدود صلاحيات الوزير الأول في قراراته المتعلقة بالتوظيف المباشر، ذلك أن القانون (الصادر عن البرلمان ) له مكانة أسمى من المراسيم ومن القرارات الوزارية وبالتالي لا يمكن لقانون ادني درجة أن يخالف قانونا أعلى منه، ثم إن الوزير الأول كسلطة تنظيمية، وان كانت سلطاته واسعة، فانه لا يمكن أن يتدخل في اختصاص من اختصاصات البرلمان، وإنما يشرع إما بمراسيم مستقلة في المجالات المخولة للحكومة وحدها أو بمراسيم تطبيقية فيما هو من اختصاص البرلمان لأجل وضع ما سنته المؤسسة التشريعية موضع التنفيذ.

وبالتالي، في اعتقادنا أن الوزير الأول وباقي الوزراء بعد صدور القانون الجديد للوظيفة العمومية ودخوله حيز التنفيذ، لا يمكن لهم- من الناحية القانونية- اتخاذ قرارت استثنائية مخالفة لنص” قانوني” . ومن ثم فإن للحكومة في هذه الحالة لتفادي الوقوع في هذا الإشكال أمرين: إما الدفع بتأجيل مصادقة مجلس النواب على هذا القانون، حتى تنفذ ما التزمت به مع الأطر العليا المعطلة بتوظيفهم بناء على الشهادات وليس المباراة. أو تأجيل إصدار القانون ونشره في الجريدة الرسمية في حالة مصادقة البرلمان عليه، غير أن الرأي الأخير قد يصطدم مع ما سنه الفصل 26 من الدستور.
عبد الحفيظ ماموح
دكتور في القانون العام