الحقوق المدنية والسياسية في دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥

تؤكد المادة ( ١٤ ) على المساواة امام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي. وتؤكد المادة ( ١٥ ) على حق الفرد في الحياة والأمن والحرية. وتؤكد المادة ( ١٦ ) على ان تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك. وهذه المادة تخلو من الضوابط التي تمنع عدم تكافؤ الفرص خصوصا بالنسبة للمرأة وابناء الاقليات، وكان الأجدر ان يتم اسناد تطبيق هذه المادة الى الدولة بالاشتراك مع المفوضية العليا لحقوق الإنسان التي أوعز الدستور بتكوينها في المادة ( ١٠٢ )، وذلك منعا من انفراد الدولة بكفالة هذا الحق واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيقه. وتؤكد المادة ( ١٧ ) على ان لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين، والاداب العامة. وان حرمة المساكن مصونة، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها الا بقرار قضائي ووفقاً للقانون. رسمت المادة( ١٧ ) حدود الخصوصية الشخصية عند خط بما لا يتنافى مع الآداب العامة، والحقيقة ان مفهوم الآداب العامة نسبي يختلف باختلاف المجتمعات وثقافاتها واختلاف المراحل التاريخية التي تمر بها، فما يعتبر مخلاً بالاداب العامة في مجتمع ما قد لا يعتبر كذلك في مجتمع اخر والمفروض ان يتم تحديد هذا المفهوم بشكل واضح بموجب قانون تصدره السلطة التشريعية. وتؤكد المادة ( ١٨ / الفقرة أولاً) على ان الجنسية العراقية حق لكل عراقي، وهي أساس مواطنته. وتعد (الفقرة ثانياً) من هذه المادة، عراقياً كل من ولد لأب عراقي أو لأم عراقية. وبموجب هذا النص أخذ المشرع الدستوري بحق الدم المنحدر من الأم في ثبوت الجنسية العراقية الأصلية، ويعد ذلك تطوراً ملحوظاً في هذا المجال على مستوى التشريعات الدولية والعربية. وان المساواة بين الرجل والمرأة في نقل الجنسية الى الابناء هو تأكيد لمبدأ المساواة امام القانون الذي كرسته المادة ( ١٤ ) من الدستور العراقي النافذ التي نصت على ان ” العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي”، وان اعمال فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في مجال الجنسية يعد تطبيقاً لالتزامات العراق الدولية في مجال حقوق الإنسان وإعمالاً للمعايير الدولية في هذا المجال، حيث تعتبر الجنسية حق من حقوق الإنسان الأساسية شأنها في ذلك شأن الحق في الحياة والحرية، فحياة الانسان لا تقوم لها قائمة ما لم يكن منتميا منذ لحظة ميلاده وحتى لحظة وفاته لدولة ما. وهذا ما نصت عليه المادة ( ٢٤/٣) من العهد الدولي الخاص بإتفاقية الحقوق المدنية والسياسية ” لكل طفل الحق في ان تكون له جنسية”، وهذه الإتفاقية ملزمة للعراق حيث عبر عن ارتضائه الالتزام بها عام ١٩٧٠ (1)، وكذلك الحال مع إتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المرقم ٢٥ / ٤٤ والمؤرخ في ٢٠ نوفمبر ١٩٨٩ ، فالمادة ( ١ / ٧) نصت على “يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية ويكون له قدر الامكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما”، والعراق من الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية بموجب القانون رقم ٣ لسنة ١٩٩٤ (2) وتمنع الفقرة ثالثاً من المادة ( ١٨ ) اسقاط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة لأي سبب، وتعطي لمن أسقطت عنه الحق في طلب استعادتها. كما أباحت، الفقرة رابعاً من نفس المادة، تعدد الجنسية للعراقي، مع تقييد هذا المبدأ بضرورة ان يتخلى من يشغل منصباً سياسياً أو أمنياً رفيعاً عن أية جنسية اخرى مكتسبة، ويجري تنظيم هذا الأمر بقانون.

وجاءت المادة ( ١٩ ) لتؤكد عدة مبادئ دستورية غاية في الأهمية ومنها : مبدأ استقلال القضاء وان لا سلطان عليه لغير القانون (أولاً)، ومبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص (ثانياً)، ومبدأ حق التقاضي وهو حق مصون ومكفول للجميع (ثالثاً)، ومبدأ حق الدفاع وعده حق مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة (رابعاً)، ومبدأ المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية عادلة (خامساً)، ومبدأ حق المعاملة العادلة في الاجراءات القضائية والادارية (سادساً)، ومبدأ علنية جلسات المحاكم (سابعاً)، ومبدأ شخصية العقوبة (ثامناً)، ومبدأ عدم جواز رجعية القوانين (تاسعاً)، ومبدأ عدم سريان القانون الجزائي بأثر رجعي الا اذا كان أصلح للمتهم (عاشراً)، وألزمت الفقرة (حادي عشر) المحكمة انتداب محامي للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محام يدافع عنه، على ان تتحمل الدولة اتعابه، وكان على النص أن يذكر في دوري التحقيق والمحاكمة. اما الفقرة (ثاني عشر) فقد حظرت الحجز بشكل مطلق مما يخل بقواعد العدالة اذ ينبغي ان يلحق هذه الجملة بجملة ثانية وهي ” الا وفقاً لقرار قضائي من جهة قضائية مختصة”، وذلك لأن النص بصورته الحالية المطلقة يعيق العمل القضائي ويتعارض مع مبادئ العدالة والقانون. اما الفقرة (ثالث عشر) التي تنص على ان ” تعرض أوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة من حين القبض على المتهم، ولا يجوز تمديدها الا مرة واحدة وللمدة ذاتها”، فيؤخذ عليه انها أوردت أمور تم معالجتها في قانون أصول المحاكمات الجزائية وبالتالي لامبرر لايرادها في متن الدستور الذي يستوجب الامر ان يتضمن المبادئ العامة دون الدخول في التفصيلات التي ستوردها القوانين المختصة، ولعل ايرادها في متن الوثيقة الدستورية هو لاضفاء القدسية على حق المتهم اثناء التحقيق الابتدائي. وتؤكد المادة ( ٢٠ ) من الدستور على حق المواطنين رجالاً ونساء في المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح. وتحظر المادة ( ٢١ / أولاً) تسليم العراقي الى الجهات والسلطات الاجنبية، وتشير الفقرة (ثانياً) من نفس المادة الى ان حق اللجوء السياسي الى العراق ينظم بقانون، ومنعت تسليم اللاجئ السياسي الى جهة أجنبية أو اعادته قسراً الى البلد الذي فر منه. اما الفقرة (ثالثاً) ” لا يمنح حق اللجوء السياسي الى المتهم بارتكاب جرائم دولية أو أرهابية، أو كل من ألحق ضرراً بالعراق”، فقد أضافت شرطاً جديداً الى الشروط المفروضة لغرض منح حق اللجوء السياسي والتي وردت في قانون اللاجئين رقم (٥١) لسنة ١٩٧١ ، حيث حدد هذا القانون الاخير هذه الشروط بما يلي : كون الشخص لاجئاً، ثبوت حسن نيته في الالتجاء الى الجمهورية العراقية، عدم وجود محذور أو شك في طلبه، ان لايكون قصده الوحيد ايجاد وسيلة للكسب والعيش. عليه سيكون الشرط الخامس ان لا يكون متهماً بارتكاب جرائم دولية أو أرهابية، والشرط السادس ان لا يكون ممن ألحقوا ضررا بالعراق. وذلك وفقا لما ورد في الفقرة (ثالثاً) من المادة ( ١٨ ) من الدستور النافذ. الأمر الذي يستوجب تعديل قانون اللاجئين رقم ( ٥١ ) لسنة ١٩٧١ لتأتي مواده منسجمة مع ما ورد في دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥

___________________

1- الوقائع العراقیة ، العدد ١٩٢٧،27/10/1970.

2- انظر د. حیدر أدھم، قراءة في نص المادة /2١٨ من دستور العراق النافذ عام ٢٠٠٥ ، مجلة دراسات قانونیة، قسم الدراسات القانونیة في بیت الحكمة، العدد ٢٠ السنة ٢٠٠٧ ،ص 95-96.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدستور العراقي لسنة 2005

تضمن المادة ( ٢٢ ) للعراقيين الحق في العمل وفي حياة كريمة، وتؤكد على أن ينظم قانون خاص العلاقة بين العمال وأصحاب العمل على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية. وقانون تكفل بموجبه الدولة حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية أو الانضمام اليها. وتؤكد المادة ( ٢٣ ) في فقرتها الأولى على ان الملكية الخاصة مصونة، وتمنع في فقرتها الثانية نزع الملكية الا لاغراض المنفعة العامة ومقابل تعويض عادل، وتنص فقرتها الثالثة على ان ” أ- للعراقي الحق في التملك في أي مكان في العراق، ولا يجوز لغيره تملك غير المنقول، الا ما استثني بقانون. ب- يحظر التملك لاغراض التغيير السكاني”، يلاحظ ان الفقرة (ب) حظرت تملك العقار في أي مكان من العراق بحجة التغيير السكاني في حين ان الفقرة (أ) أباحت للعراقي التملك في أي مكان في العراق، وهذا يشير الى وجود تناقض واضح بين فقرات هذه المادة لاجتماعها على نقيضين في مكان واحد (الحظر والإباحة) بحيث نسخت الفقرة (ب) ما ورد في الفقرة (أ) وأفقدتها قيمتها القانونية. كما أن التطبيق العملي للفقرة (ب) قد يحرم المواطن من سكنة بغداد من شراء عقار في أربيل، أو العكس بحجة التغيير السكاني المبني على أسس عرقية وطائفية وهذا قد يعمل على تكريس العرقية والطائفية. وتؤكد المادة ( ٢٤ ) على ان تكفل الدولة حرية الانتقال للأيدي العاملة والبضائع ورؤوس الأموال العراقية بين الاقاليم والمحافظات.

وتنص المادة ( ٢٥ ) على ان “تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته”، والمادة ( ٢٦ ) على ان “تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة، وينظم ذلك بقانون”. والواضح من هاتين المادتين بان الدستور النافذ يقصر دور الدولة على التخطيط دون تدخل منظم وفعلي في شؤون الاقتصاد له وسائله التنفيذية والتطبيقية. أي ان الدستور النافذ يميل الى بناء اقتصاد حر يعتمد آليات السوق الرأسمالي. ولكن السؤال الذي يطرح بهذا الخصوص من أين سيحصل القطاع الخاص على رؤوس الاموال اللازمة للنمو الاقتصادي؟ والى أين ستذهب الدولة الريعية هذه بالعوائد الضخمة والمتزايدة من تصدير النفط؟ ان نظرة علمية وواقعية للاقتصاد العراقي لا يمكن ان يحيد عن دور الدولة في المساهمة الجادة والفعلية في ادارة الاقتصاد الوطني، وهو ما سيترك اثاره الايجابية على تطوير الاقتصاد وازدهاره وتوفير فرص العمل والحياة اللائقة والكريمة التي تشكل حقوقا أقرها الدستور ذاته للمواطن العراقي. وتؤكد المادة ( ٢٧ ) على ان للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن. وتنظم بقانون الأحكام الخاصة بحفظ املاك الدولة وادارتها وشروط التصرف فيها. وتنص المادة ( ٢٨ ) على ان “أولاً- لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولاتجبى، ولا يعفى منها، الا بقانون. ثانياً – يعفى اصحاب الدخول المنخفضة من الضرائب، بما يكفل عدم المساس بالحد الادنى اللازم للمعيشة، وينظم ذلك بقانون.” ويمكن ايراد الملاحظتين الآتيتين على هذه المادة : ١- لا داعي لذكر جباية الضرائب الا بقانون لأنها تحصيل حاصل من فرض الضريبة. ٢- الرسوم لا تحتاج الى قانون بل تفرض بقرار أو لائحة بناء على قانون. وبالنسبة للحقوق الاجتماعية فقد اعتبر الدستور في مادته (م ٢٩ / أولاً / أ) الأسرة أساس المجتمع، وكلف الدولة بالمحافظة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية. ومع ايجابية هذه المسألة الا ان تطور المجتمعات البشرية والانسانية والتقدم الذي وصله العالم يوجب اعتبار المواطن الفرد هو أساس المجتمع وليس الأسرة لأن في ذلك احقاقا لمبدأ المواطنة في المجتمعات الحديثة وتقليلاً من ضياع حقوق المواطن (غير المتزوج) باعتبار الأسرة هي الوحدة الأولى في بناء المجتمع وليس المواطن الفرد.

وتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشئ والشباب، وتوفرلهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم (م ٢٩ / أولاً / ب)، ويلاحظ ان المادة لم تبين الأساليب والوسائل المعتمدة في تنفيذ ذلك. كما تكرس المادة نفسها في الفقرة (ثانياً) حق الابناء على الاباء في الطفولة وحق الاباء على ابنائهم في الشيخوخة، وتحظر الاستغلال الاقتصادي للأطفال بكافة صوره (ثالثاً)، كما تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة والمدرسة والمجتمع (رابعاً).غير ان المادة لم توعز بسن قوانين تطبيقية أو اجراءات لتحيد الجهات المسؤولة عن الرقابة على التطبيق ومنع المخالفات بل تركتها هكذا باعتبار ان الوزارات المختصة ستكون هي المعنية بالتطبيق.ومن إيجابيات الدستور تأكيده في المادة ( ٣٠ ) على كفالة الدولة للفرد والأسرة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم. وشمول الضمان لحالات الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة، والعمل على وقاية المواطنين من الجهل والخوف والفاقة، وتوفير السكن لهم والمناهج الخاصة لتأهليهم والعناية بهم، وأوعز بان يشرع قانون خاص بتنظيم ذلك. وتنص المادة ( ٣١ ) على حق كل عراقي في الرعاية الصحية، وعلى كفالة الدولة لوسائل الوقاية والعلاج بانشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية . وتؤكد المادة ( ٣٢ ) على ان ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع، على ان يتم تنظيم ذلك بقانون. والمادة ( ٣٣ ) تؤكد على حق الفرد في العيش في ظروف بيئية سليمة، وان تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي. ويعد هذا الحق من الجيل الثالث من الحقوق التي لاقت اهتماما متزايدا على الصعيدين الدولي والداخلي.وتؤكد المادة ( ٣٤ ) على أهمية التعليم ومكافحة الأمية لدى المواطن كونه حق تكفله الدولة، ونصت على مجانيته في مختلف المراحل، كما أكدت المواد ( ٣٥ ) و ( ٣٦ ) على رعاية الدولة وتشجيعها للثقافة ومؤسساتها والرياضة وأنشطتها.

المؤلف : مها بهجت يونس
الكتاب أو المصدر : مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية / العدد الاول / حقوق الانسان وحرياته…
الجزء والصفحة : ص138-141

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .